محاربة تنظيم داعش تحوّلت إلى ذريعة لقوى إقليمية ودولية لتنقل صراعها إلى داخل الأراضي العراقية من خلال حضورها العسكري هناك متفاوت الشكل والحجم، فيما حكومة بغداد المرتبكة والضعيفة عاجزة عن وقف التدهور السريع في هيبة الدولة العراقية.
العرب اللندنية: لم تهدأ الضجّة المثارة في العراق حول اعتزام الولايات المتّحدة إرسال المزيد من قواتها إلى العراق تحت عنوان المساعدة على التصدي لتنظيم داعش، حين انفجرت بوجه حكومة بغداد الضعيفة والمنهكة بالصراعات الداخلية، قضية التدخّل العسكري التركي في محافظة نينوى بشمال العراق، لتضيف متاعب جديدة لرئيس الوزراء حيدر العبادي ولتلفت النظر إلى ما بلغته الدولة العراقية من ضعف ومن عجز عن حماية سيادتها على أراضيها.
وجاء التدخّل التركي في العراق ليكشف تحوّل أراضي الأخير ميدانا مباشرا للصراعات الإقليمية والدولية، حيث أن تركيا تكون بإرسالها قوات إلى نينوى قد أكملت أضلاع مثلث القوى المستبيحة للأراضي العراقية والمنتهكة لسيادته بانضمامها لكلّ من إيران والولايات المتحدة واللتين تسجلان، كلّ على طريقتها، حضورا عسكريا على الأراضي العراقية. ولا تغيب روسيا بدورها عن المشهد العراقي، من خلال محاولتها فرض تدخّل طيرانها في حملة القصف على تنظيم داعش بالعراق، كما أنّ تدخّلها المتزايد في سوريا، قدّ دفع واشنطن وأنقرة للترفيع في حجم حضورهما العسكري على الأراضي العراقية قطعا للطريق على تدخّل روسي محتمل.
وجاء التدخّل التركي ليضع حكومة بغداد بقيادة الأحزاب الشيعية أمام تناقض صارخ، يتمثّل بفتحها الباب أمام التدخل الإيراني في العراق، ومحاولتها "الشكلية"غلق الباب أمام باقي القوى الإقليمية والدولية ما يجعلها عاجزة عن ذلك. وكانت الحرب ضدّ داعش قد فتحت الطريق أمام المئات من الخبراء الإيرانيين لدخول الأراضي العراقية بقيادة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس لقيادة وتأطير ميليشيات الحشد الشعبي المكوّن أساسا من العشرات من الميليشيات الشيعية المسلّحة.
ولا يتردّد عراقيون اليوم في توصيف الحشد باعتباره "جيش احتلال إيرانيا للعراق"، فيما يجزم متابعون للشأن العراقي أن موقف حكومة العبادي المعلن من التدخل التركي هو وليد ضغوط تلك الميليشيات التي تمتلك ممثلين أقوياء لها في مدارج السياسة ومواقع القرار. وعليه يوصف موقف العبادي من التدخل التركي بشمال العراق بالشكلي، خصوصا في ظلّ اتهامات لرئيس الوزراء بأنه على علم مسبق بالحضور العسكري التركي على أرض محافظة نينوى.
وأبرز، أمس، تقرير لوكالة العباسية نيوز إعلان محافظ الموصل السابق أثيل النجيفي وجود معلومات لديه تؤكد أنّ رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي على علم بوجود هذه القوات التركية قرب الموصل، وأن رئيس مجلس النواب سليم الجبوري فاوض الأتراك بشأن تلك القوات، مضيفا أنه يستغرب إثارة هذه الضجة حول قضية يعرف بها جميع الأطراف، في حين أوضحت مصادر كردية في أربيل، أنّ القوات التركية تقوم منذ أكثر من عام، بتدريب عناصر البيشمركة على قتال الشوارع في المناطق المأهولة بالسكان، وكيفية التعامل مع المتفجرات اليدوية، إضافة إلى استخدام الأسلحة الثقيلة، والإسعافات الأولية.
وتصدّت أطراف كردية محسوبة على شق رئيس الإقليم المنتهية ولايته مسعود البارزاني لإضفاء غطاء من الشرعية على التدخل التركي في العراق. وقال مسؤولون في البيشمركة، إن نتائج التدريبات الجارية التي دامت أكثر من عام نجحت تماما وظهرت خلال حملات المداهمات التي أجرتها القوات الكردية ضدّ عناصر مسلحي تنظيم داعش في سنجار. وفي وقت سابق أعرب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نجيرفان البارزاني وعدد من الضباط الكبار في وزارة البيشمركة عن امتنانهم لعمليات التدريب.
ومن جانبه قال نائب رئيس أركان البيشمركه لشؤون العمليات اللواء قهرمان كمال عمر إن النتائج الإيجابية لعمليات التدريب، ظهرت جليا خلال العمليات العسكرية، التي بدأت في الثاني عشر من الشهر الماضي لتخليص منطقة سنجار من عناصر تنظيم داعش. وأضاف لم نتكبّد خسائر كبيرة خلال معركة تحرير سنجار بفضل التدريبات التي تلقّتها عناصرنا على يد القوات التركية، وخاصة تلك المعنية بتعليم كيفية قتال الشوارع في المناطق المأهولة بالسكان.
وتابع عمر أنّهم طلبوا من القوات التركية متابعة الإشراف على تدريبات البيشمركه خلال المرحلة المقبلة. وفي الوقت الذي دعا فيه حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الحكومة التركية إلى سحب قواتها فورا من محافظة نينوى شمالي البلاد، معتبرا دخول قوات مع آليات عسكرية لتدريب مجموعات عراقية مقاتلة خرقا خطيرا للسيادة العراقية، قالت المصادر الكردية إن العبادي يخضع لضغوط إيرانية وشيعية لإعلان سخطه على وجود القوات التركية رغم أنه يعلم به مسبقا.
وفي أنقرة نشرت صحيفة "حرييت" في صفحتها الأولى أن تركيا أنشأت قواعد في منطقة بعشيقة في الموصل تضم 600 جندي. وقالت إنّ اتفاقا أبرم مطلع الشهر الماضي بين رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني ووزير خارجية تركيا الذي قام بزيارة إلى أربيل. ويأتي الانتشار التركي بعد أيام من إعلان واشنطن إرسال قوات برية إضافية إلى العراق، حيث يتمركز أكثر من 3500 جندي أميركي للمساعدة في تنفيذ عمليات محددة ضد تنظيم داعش.
ودخل نائب رئيس الوزراء المستقيل بهاء الأعرجي المنتمي للتيار الصدري على خط السجال السائد حول هذه القضية، وقال في بيان صحفي إن دخول هذه القوات لا يكون دون إيعاز من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية والذي تقف تركيا موقف الداعم له والمدافع عن سياساته، لا سيما بعد دخول الترسانة العسكرية الروسية إلى المنطقة، ولذا فإن العراق لا بد له أن يحسم أمره بتجنب الخوض في غمار حرب المحاور وإبعاد أراضيه عن أي تدخل أجنبي من الممكن وقوعه مستقبلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق