العرب اللندنية: أكدت الأمم المتحدة، أمس الاثنين، أن كل أطراف الصراع الليبي ترتكب انتهاكات ضد القانون الإنساني الدولي قد تصل إلى حدّ جرائم حرب، إلى جانب انتهاكات جسيمة ضد القانون الدولي لحقوق الإنسان. ووثَّق تقرير أعدته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالاشتراك مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عمليات القصف العشوائي للمناطق المدنية وخطف المدنيين والتعذيب والإعدامات، في مناطق مختلفة من البلاد بين 1 يناير إلى غاية 31 أكتوبر من العام الجاري.
وأكد التقرير الأممي أن المجموعات التي بايعت تنظيم داعش تمكنت من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في ليبيا وأحكمت سيطرتها عليها، مفيدا بأنها “ارتكبت تجاوزات جسيمة بما فيها الإعدامات العلنية لأفراد بسبب انتماءاتهم السياسية ودياناتهم". وتزامن صدور هذا التقرير مع تصاعد حدّة المواجهات المسلحة بين الميليشيات الإسلامية المتشددة وتنظيم داعش شرق طرابلس، في إطار صراع النفوذ، كما تزامنت مع هجمات باريس الإرهابية. وقد تعددت القراءات لهجومات باريس حتى إن بعض المصادر الإعلامية رجّحت احتمال تورط داعش ليبيا في تلك الهجمات وهو ما لم يستبعده الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي الرائد محمد الحجازي في تصريحات لـ"العرب".
وقال حجازي، "لقد سبق أن حذرنا مرارا من أن خطر العناصر والميليشيات الإرهابية التي سيطرت على عدد من المدن الليبية، وجعلتها رهينة لأعمالها الإرهابية، سينتقل إلى بعض العواصم الأوروبية، وغيرها من المدن الأخرى، باعتبار القرب الجغرافي". وتخوض مجموعات مسلحة من مدينة درنة (1250 كلم شرق طرابلس)، ينتمي بعضها إلى تنظيمات جهادية، معارك هذه الأيام مع تنظيم داعش في محاولة لطرده من المنطقة التي يتواجد فيها جنوب المدينة الساحلية.
واندلعت هذه المعارك التي تدور في منطقة الفتائح الواقعة على بعد 20 كلم جنوب درنة، بعد يومين على إعلان وزارة الدفاع الأميركية أنها استهدفت للمرة الأولى فرع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا وقتلت في غارة جوية زعيمه أبونبيل العراقي، وهو ما لم تؤكده السلطات الليبية رسميا. وقالت مصادر إعلامية ليبية إن “مجلس شورى مجاهدي درنة”، الذي يضم خليطا من المجموعات المسلحة، أطلق حملة جديدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وشهدت مدينة درنة في وقت سابق، اشتباكات استمرت أسابيع بين مسلحي “مجلس شورى مجاهدي درنة” وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية. وتمكن هؤلاء المسلحون من طرد عناصر التنظيم من غالبية مناطق المدينة التي تخضع منذ أكثر من عام لسيطرة جماعات مسلحة على رأسها أنصار الشريعة الموالي لتنظيم القاعدة. وأمام تأزم الأوضاع في ليبيا تتجه بعض الدول إلى تفعيل الحل السياسي وترجيح كفّته، حيث أكد عبدالقادر مساهل وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي الجزائري أن بلاده ستستضيف في الأيام القليلة المقبلة الدورة السابعة لدول الجوار الليبي، والتي ستُخصص لتدارس الوضع حول ليبيا وبحث سبل تسوية الأزمة في هذا البلد.
وقال مساهل، أمس الاثنين، إن الاجتماع الذي لم يعلن عن تاريخه ستحضره دول الجوار الليبي وهي تونس ومصر والسودان وتشاد والنيجر إلى جانب ليبيا. وجدد الوزير الجزائري تأكيد بلاده على دعم الحوار بين أطراف النزاع في ليبيا، مؤكدا أنها ستواصل مسعاها لتشكيل حكومة وحدة وطنية تتكفل بتسيير المرحلة الانتقالية ووضع دستور وتنظيم الانتخابات واستعادة النظام وبناء المؤسسات.
ويشدد مراقبون على أن الوضع الراهن في ليبيا والموسوم بالفوضى والعنف الممنهج غير قابل للحل السياسي الذي تدعو إليه دول جوار ليبيا وعلى رأسها الجزائر المختلفة في موقفها مع مصر المؤيدة للتدخل العسكري. وأكدوا أنه في حال اتفاق الفرقاء على تشكيل حكومة الوحدة وتفعيل الاتفاق السياسي، فإن هذا الحل لن يصمد كثيرا على أرض الواقع لأن الفاعلين السياسيين الليبيين لا يمتلكون سلطة على قادة الميليشيات الإسلامية المسلحة المرتبطة بأجندات خارجية. في المقابل أكد المستشار الإعلامي للمندوبية الليبية بجامعة الدول العربية، إدريس بن الطيب، أن غياب حكومة موحدة في ليبيا جعل منها ساحة مستباحة من الجميع. وأضاف بن الطيب، أن شروط مكافحة الإرهاب بالتنسيق مع المؤسسات الحالية غير متوفرة، وتعامل الغرب مع مسألة مكافحة الإرهاب لن يتغير في ظل غياب حكومة موحدة يتعامل معها.
ورغم تباين المواقف ووجهات النظر بخصوص الأزمة الليبية، فإن الثابت حسب العديد من الخبراء والفاعلين السياسيين أن الأوضاع في ليبيا لن تنفرج إلاّ بتحجيم المجموعات المتشددة، ثمّ يكون الحديث ملائما عن حل سياسي يجمع الفرقاء حول حكومة وفاق وطني تتولى تثبيت مؤسسات الدولة وحلّ الملفات العالقة وهو ما حدث في اليمن، فالتدخل العسكري أجبر الميليشيات الحوثية على قبول القرار الدولي لأنهم أصبحوا غير قادرين ميدانيا على الاستمرار.
الحسم العسكري إذن هو الحل في ليبيا باعتبار أن خارطة النزاع المسلح غير محددة وواضحة، فالمواجهات المسلحة لا تدور أساسا بين قوتين وإنما بين قوى متضاربة المصالح ودخول كتائب وميليشيات إسلامية مختلفة على خط الصراع يؤكد الرغبة السائدة بالاستفراد بالنفوذ السياسي والعسكري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق