تكثف القوى الإقليمية المعنية بالملف السوري مساعيها الدبلوماسية لإيجاد حلّ ينهي الصراع، وسط توقعات بأن تسبق نذر الحرب الخطى الدبلوماسية، خاصة إذا ما تم الاتفاق على تركيز الجهود لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن تسبب في تغيير مسار الصراع، الذي بدأ بانتفاضة على حكم الأسد، وسيدخل قريبا عامه السادس بعد أن حصد قرابة 250 ألف شخص وساق أكثر من نصف السوريين بعيدا عن ديارهم، ووصلت أزمتهم إلى حدود أوروبا.
العرب اللندنية: تتصاعد أحداث الحرب في سوريا في نفس الوقت الذي تتسارع فيه خطى الدبلوماسية، لكن لا التدخل العسكري الأجنبي المتصاعد ولا المسار السياسي المتسارع قادران، فيما يبدو، على إنهاء الصراع المستمر منذ أربع سنوات ونصف السنة. ويتمثل الخطر القادم في احتدام رحى حرب بالوكالة بين حليفي الرئيس بشار الأسد الرئيسيين -روسيا وإيران- وبين السعودية وتركيا والولايات المتحدة التي تدعم معارضين يقاتلون للإطاحة به. ومما زاد من التوتر قيام قوات الجيش التركي بإسقاط طائرة حربية روسية، كانت تحلّق في سماء سوريا، على الحود التركية، لتتعقد العملية السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة، والتي كانت قد انطلقت لتوها في فيينا وهي تواجه بالفعل تحديات جساما.
على الصعيد العسكري تعزز وضع الأسد في غرب سوريا بفضل ضربات جوية بدأتها روسيا منذ قرابة شهرين، إضافة إلى هجمات برية تدعمها قوات إيرانية وحزب الله اللبناني. وحققت الهجمات البرية المدعومة من روسيا مكاسب في محافظة اللاذقية القريبة من الحدود التركية وفي جنوب حلب، لكنها لم تغير دفة الحرب على نحو يجعلها تميل بحسم لجانب الأسد. على الصعيد الآخر تلقى خصوم الأسد في الصراع -والذين تقصفهم القاذفات الروسية- دعما عسكريا أجنبيا جديدا وبصفة خاصة من السعودية التي زودتهم بصواريخ تاو الأميركية الصنع المضادة للدبابات والتي ساعدتهم على درء هجمات في بعض المناطق.
وظهر مقاتلو المعارضة وهم يستخدمون واحدا من تلك الصواريخ لتدمير هليكوبتر روسية هبطت على الأرض في مهمة إنقاذ لمحاولة مساعدة قائدي الطائرة الحربية التي تم إسقاطها، وذلك في لقطة تبرز الأبعاد الدولية للحرب. وقال مصدر عسكري سوري إن هذه الأسلحة تستخدم بكثافة وتحدث تأثيرا واضحا. وإن نجح، الشهر القادم، مسعى تقوده السعودية في توحيد صفوف المعارضة المتشرذمة، قد تتلقى قضية المعارضة المسلحة دفعة سياسية. وتتمثل فكرة هذا المسعى في تشكيل معارضة تعكس ثقل الجماعات التي تقاتل على الأرض. في الوقت ذاته أعطت هجمات تنظيم الدولة الإسلامية في باريس وإسقاطها طائرة ركاب مدنية روسية فوق سيناء بعدا جديدا لحرب أخرى تستعر في سوريا: حرب ضد الجماعة الجهادية التي تسيطر على مساحات واسعة في الشرق.
داعش يفقد التوازن
رغم الهجمات التي نفذها في باريس وتونس، فإن الوقائع تؤكّد أن تنظيم الدولة الإسلامية فقد توازنه، وهو يواجه ضربات جوية فرنسية وأخرى روسية مكثفة ردا على عملياته. ويتزامن ذلك، مع فقدانه، في الآونة الأخيرة أراضي انتزعتها قوات كردية مدعومة من الولايات المتحدة وقوات عربية وقوات الجيش السوري ومقاتلون آخرون يقاتلون كلا من نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية. إلا أن إمكانية تجمّع قوى أصدقاء الأسد الأجانب وخصومه في قتال تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا تبدو ضعيفة. فقد قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إنه يرحب بانضمام روسيا للتحالف ضد داعش غير أن عليها أن توجه ضرباتها الجوية بحيث تتفادى المعارضة المسلحة المعتدلة، ومواقع قيل إن نظام الأسد يحددها، وتركّز على المتشددين. في المقابل تنفي روسيا ذلك في ردّها وتزعم أنها تهاجم أهدافا للتنظيم المتشدد، نافية استهدافها للمعارضة.
والاختلاف الأساسي المتعلق برحيل الأسد بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من جانب وبين إيران وروسيا من جانب آخر قد يفسد عملية فيينا التي انطلقت في 30 أكتوبر الماضي. ومن بين أهداف هذه العملية التوصل لوقف لإطلاق النار وإجراء محادثات بين الحكومة والمعارضة تقود إلى دستور جديد وانتخابات. قال نوح بونسي، المحلل بمجموعة الأزمات الدولية إن "الأثر السياسي للتصعيد الروسي أكبر بكثير حتى الآن من الأثر العسكري نفسه". وأضاف "ما من أسباب كثيرة تدعو للتفاؤل إزاء احتمال أن يحدث ‘اجتماع فيينا’ تقدما كبيرا باتجاه تسوية الصراع لكن على الأقل عاد الجميع للتحدث ثانية. وأهم شيء أنه بات لدى المعارضة وداعميها سبب لمحاولة ضبط المعادلة داخل المعارضة نفسها وهي مسألة كان ينبغي أن تحدث منذ فترة طويلة".
وعلى الصعيد العسكري أصبحت الهجمات المدعومة من روسيا تركز أساسا على مناطق بغرب سوريا حاسمة لبقاء الأسد وحيث لا وجود يذكر لتنظيم الدولة الإسلامية. وكان أبرز تقدم من جانب الجيش وحلفائه في مواجهة المعارضة المسلحة ذلك الذي حدث في محافظة اللاذقية بشمال غرب البلاد وإلى الجنوب من حلب، وإن كانت المعارضة شنت هجوما مضادا هناك هذا الأسبوع. ويحاول الجيش وحلفاؤه انتزاع السيطرة على الطريق الرئيسي السريع الواصل بين دمشق وحلب من المعارضين.
وسجلت الحكومة أيضا مكاسب أمام قوات تنظيم الدولة الإسلامية إلى الشرق من حلب، حيث استعادت السيطرة على قاعدة جوية وفي محافظة حمص وأبعدت مقاتلي التنظيم عن قرى كانوا قد سيطروا عليها في الآونة الأخيرة. لكن في حماة تمكن المعارضون، الذين وصلتهم إمدادات وفيرة من صواريخ تاو، من التقدم وسيطروا على بلدة على الطريق السريع الواصل بين الشمال والجنوب ونجحوا في درء هجوم في سهل الغاب ذي الأهمية الاستراتيجية.
وقال رامي عبدالرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، "خلال الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع الماضية بدأت الضربات الجوية السورية تحقق نتائج. هذا واضح في جنوب حلب واللاذقية". وفي ريف اللاذقية، حيث أسقطت تركيا الطائرة الحربية الروسية، بسط الجيش وحلفاؤه سيطرتهم على عدد من التلال مما يمثل خطورة على سيطرة المعارضة على المناطق المحيطة، حسبما قال أحد عناصر جماعة أحرار الشمال الذين تحدثت إليهم وكالة رويترز الأميركية للأنباء.
أحلام بوتين
قال المصدر العسكري السوري إن نتائج الهجمات حتى الآن اشتملت على تدمير هياكل للقيادة والتحكم وسبل إمداد للمعارضة المسلحة. وأضاف "ليس المطلوب السرعة في التحرك باتجاه مواقع الإرهابيين بقدر ما هو مهم تثبيت المناطق بشكل نهائي ومن ثم الانطلاق من جديد للأماكن التي توجد بها التنظيمات الإرهابية". إلا أن المعارضة التي دفعتها الهجمات للعمل معا بصورة أكبر تتحدث بلهجة تحمل تحديا وثقة، بعد أن تعزز موقفها بالنجاح الذي سجلته في محافظة حماة. وهي ترى في اعتماد الأسد على حلفاء أجانب دلالة على الضعف.
وقال جميل صالح، الذي يقود فصيلا تابعا للجيش السوري الحر "حق كل إنسان أن يحلم وبوتين يحلم بالقضاء على الثورة السورية وهذا حلم". وأضاف إدريس الرعد، وهو شخصية بارزة في فيلق الشام، إحدى جماعات المعارضة الإسلامية، أن التدخل الروسي خلف مزيدا من الدمار لكنه رفع المعنويات وقرب بين صفوف المعارضة وهذا أمر إيجابي. أما بونسي، المحلل بمجموعة الأزمات الدولية فقال "في ما يتعلق بأولوية النظام القصوى وهي الحرب على جماعات المعارضة المناهضة لداعش يظل الأمر ينطوي على عناصر عديدة من منظور النظام… ما من شيء يمكن أن نقول إنه يغير ميزان القوى بشدة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق