حزمة الإصلاحات التي مضت أشهر على إقرارها من قبل رئيس الوزراء العراقي لا يبدو لها أيّ أثر في الواقع الصعب للعراقيين، فيما يبدو حيدر العبادي بصدد خسارة رهانه على إصلاح منظومة مهترئة بالكامل يمتلك الفاسدون بفعلها حصانة كبيرة ضد المحاسبة.
العرب اللندنية: بدت إصلاحات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بعد أشهر من إقرارها الصيف الماضي في أعقاب موجة عارمة من الاحتجاجات الشعبية، عديمة التأثير في واقع البلاد المعقّد في مختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث لا يزال البلد يواجه المشاكل ذاتها، الأمر الذي يضع العبادي في ورطة تتعلّق بفقد مصداقيته لدى الشارع بعد أن فقد مساندة الكثير من أصحاب النفوذ المتصدّين للإصلاح دفاعا عن مواقعهم ومكاسبهم. ولا يميل كثير من العراقيين إلى التشكيك في "حسن نوايا" العبادي ورغبته في التغيير، لكنهم يشيرون إلى محدودية قدرته على ذلك في غابة من العوائق والموانع، وجبل من الفساد الذي تراكم طيلة 12 سنة من حكم الأحزاب الدينية وتغلغل في كل مفاصل الدولة.
وتكمن إحدى معضلات الإصلاح في العراق، في أنّ المؤسسات الضرورية لأي عمل إصلاحي، لا تعاني الفساد فحسب، بل تتمتّع بحصانة ضدّ أي محاولة لإصلاحها هي بحدّ ذاتها. ويسوق العراقيون أوضح مثال على ذلك؛ المؤسسة القضائية التي يتربّع على رأسها القاضي مدحت المحمود الذي أشار المحتجون إلى اسمه بشكل واضح وصريح في شعاراتهم ولافتاتهم المطالبة بإقالته ومحاسبته. لكن تحييد المحمود بدا أمرا مستحيلا ويتجاوز قدرات رئيس الوزراء نظرا للحماية التي يتبادلها رئيس مجلس القضاء الأعلى مع شخصيات ذات نفوذ كبير من سياسيين وقادة ميليشيات مسلّحة يوفرون له ضمانة البقاء في منصبه ويوفر لهم هو حماية من المحاسبة القضائية.
ولا يتردّد بعض السياسيين العراقيين في وصف محاولات العبادي الإصلاحية بـ"العبثية"، معتبرين أن العراق يحتاج بدل محاولة ترميم نظام فاسد من أساسه قائم على الطائفية والمحاصصة، إلى تغيير جذري لذلك النظام، مقترحين الدولة المدنية بديلا للحكم الديني القائم حاليا. وإضافة إلى الوضع الأمني المعقّد وواقع الحرب القائمة في البلاد، تحاول حكومة رئيس الوزراء العراقي مغالبة مصاعب مالية غير مسبوقة، لا تعزى فقط لتراجع أسعار النفط، ولكنها تعود أيضا إلى استشراء الفساد والنهب المنظم لأموال الدولة، ولتعطل عجلة الاقتصاد غير المنتج في ظل شبه انعدام لبند الاستثمار في الميزانية، وذهاب 72 منها لرواتب الموظفين في قطاع عمومي متضخم بشكل فريد من نوعه في العالم.
ويواجه العبادي عوائق ذات طبيعة سياسية، حيث لا يتردّد شركاؤه في العملية السياسية حتى من داخل حزب الدعوة الذي ينتمي إليه، في عرقلة إصلاحاته رغم أنها سطحية وبعضها غير دستوري ما يوفر "حججا مضافة للذين يعارضونها" وفق ما ورد في تقرير حديث لصحيفة الواشنطن بوست الأميركية. وتعبيرا عن صعوبة وضع رئيس الوزراء، رأى الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري، أن "العراق يحتاج نبيّا لإجراء إصلاحات حقيقية"، مستبعدا تغيير العبادي على رأس الحكومة "لأن المجنون فقط من يريد أن يكون مكانه حاليا"، وفق ما ورد في التقرير ذاته.
وحتى الإجراءات الشكلية التي اتخذها حيدر العبادي لتهدئة غضب الشارع الذي بلغ ذروته الصيف الماضي لا تجد طريقها للتنفيذ، بفعل ضعف مؤسسات الدولة وقوة أفراد ودوائر نفوذ جانبية، حيث لا يزال أسامة النجيفي يجلس في أحد المقرات الرئاسية الفاخرة ويستقبل الزوار في قاعة اجتماعات واسعة مصرا على أنه مازال بمنصب نائب رئيس الجمهورية وهو المنصب الذي يفترض أنه ألغي منذ أشهر بقرار من العبادي.
ورأت الواشنطن بوست، أن التحدي الذي يبديه النجيفي، يسلط الضوء على ضعف إجراءات العبادي، الذي أخفق في تنفيذ أيّ شيء سوى تغييرات سطحية رغم تعهده بإجراء إصلاحات واسعة استجابة لاحتجاجات الشارع العراقي، مشيرة إلى أن مناوئي العبادي السياسيين قد انقلبوا ضده في حين تعمل قوات الحشد الشعبي ما بوسعها للاستفادة من الوضع. وليست الصعوبات والأوضاع العراقية المعقّدة هي وحدها من تدفع العبادي إلى حافة الفشل، لكن توجد عملية إفشال ممنهجة يلعب فيها نوري المالكي دورا أساسيا بسبب رفضه الابتعاد من السلطة بعد فترتين متتاليتين قضاهما على رأس الحكومة بين سنتي 2006 و2014 وتورّط خلالهما في قضايا فساد كبيرة يخشى فتحها في حال فقد نفوذه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق