العرب اللندنية: اتخذت الأزمة التي تعصف منذ مدة بحركة نداء تونس التي أسسها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في العام 2012 لمواجهة تغول حركة النهضة الإسلامية المحسوبة على جماعة الإخوان المُسلمين في البلاد، منحى تصاعديا بات يُنذر بعاصفة قد تؤدي إلى انشطارها بما يسمح لحركة النهضة الإمساك من جديد بمفاتيح المعادلة السياسية. وتُشير المُعطيات والتطورات المُتسارعة التي تشهدها حركة نداء تونس، إلى أن عوامل الانشطار والتشظي بدأت تتجمع، وسط توقعات بانزلاق نحو شرخ حاد برزت مُقدماته من خلال إعلان 32 نائبا برلمانيا استقالتهم من الكتلة البرلمانية لحركة نداء تونس، وذلك في تطور لافت ألقى بظلال كثيفة على تماسك ووحدة هذه الحركة.
وقال النائب وليد جلاد إن قرار استقالة النواب المذكورين "قابل للتطور والتعديل"، وذلك في صورة عدم الاستجابة لمطالبهم التي ستتم صياغتها في بيان سيصدر لاحقا. وكان النواب الـ32 قد أعلنوا خلال الأسبوع الماضي تجميد عضويتهم في حركة نداء تونس إلى حين عقد اجتماع للمكتب التنفيذي للحركة التي تعصف بها خلافات قوية بين جناحين الأول بقيادة نائب رئيس الحركة حافظ قائد السبسي نجل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، والثاني بقيادة الأمين العام لهذه الحركة محسن مرزوق.
وقبل الإعلان عن هذه الاستقالة، اجتمع هؤلاء النواب برئيس حركتهم محمد الناصر الذي يرأس حاليا البرلمان التونسي، حيث عرض عليهم مبادرة لإصلاح الأوضاع داخل الحركة لكنه لم يُفلح في ثنيهم عن الاستقالة. وبحسب مصادر متطابقة، فإن محمد الناصر طرح ثلاث نقاط كحل للخلاف الذي تشهده الحركة تمحورت حول الإسراع في إنجاز المؤتمر العام للحركة وإحداث لجنة مستقلة للإعداد للمؤتمر، إلى جانب تحديد عدد الأعضاء الذين سيشاركون في المؤتمر.
غير أن هؤلاء النواب تمسكوا بمطالبهم أي “التمسك بالهياكل الشرعية للحركة واعتبار المكتب التنفيذي، الإطار الشرعي الوحيد المؤهل لاتخاذ القرار المتعلق بعقد المؤتمر العام”. كما لوحوا بإمكانية الاستقالة من حركة نداء تونس والانسلاخ عنها، “في حال تواصل الصراع الذي تعرفه الحركة”. وتتألف الكتلة النيابية لحركة نداء تونس من 86 نائبا، وبالتالي فإن هذه الاستقالة ستجعل الكتلة النيابية لحركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي أكبر كتلة، وذلك بـ69 نائبا.
ويُحاول الجناحان المُتصارعان داخل حركة نداء تونس، ربط خلافاتهما بالاستعدادات الجارية لعقد المؤتمر الوطني العام، غير أن المراقبين يعتقدون أن الأمر أعمق وأخطر من ذلك، لأنه مُرتبط في شق منه بمخلفات الرهانات والسياسات التي انتهجها الرئيس الباجي قائد السبسي بعد الانتخابات في علاقة بحركة النهضة الإسلامية، وبحرب مفتوحة على خلافة السبسي. ويدور الصراع حاليا بين جناح السبسي الابن، ومحسن مرزوق، حيث يتمسك الأول بالهيئة التأسيسية للحركة ويقول إنها المعنية بالتحضير للمؤتمر التأسيسي، بينما الثاني يتمسك بهياكل الحركة وخاصة منها المكتب التنفيذي، ويقول إنها المعنية بالتحضير للمؤتمر الذي يجب أن تسبقه مؤتمرات محلية وجهوية في حين يريد السبسي الابن مؤتمرا من دون مؤتمرات محلية وجهوية أي القيام بتزكية المؤتمرين من خلال المنسقين الجهويين.
واتخذ الصراع بعدا آخر، عندما اتهم جناح مرزوق جناح السبسي الابن بالتحالف مع النهضة وفق ترتيبات تم الاتفاق عليها خلال لقاء السبسي- الغنوشي في باريس، وبالتالي "خيانة" الناخب التونسي الذي أوصل حركة نداء تونس إلى الحكم بعد انتخابات 2014. وفيما تبقى الأنظار مشدودة لمتابعة موقف الرئيس الباجي قائد السبسي المؤسس لهذه الحركة، تُجمع القراءات على أن السبسي قريب من جناح ابنه، رغم محاولاته ترميم ما يمكن إصلاحه، ما جعل الأزمة تتفاقم أكثر فأكثر، حيث لم يعد مُستبعدا حصول الانشقاق.
ويرى مراقبون أن هذه الأزمة الحادة المُرشحة لأن تتفاعل سياسيا على أكثر من صعيد، ليست سوى نتيجة لـ"الهشاشة التنظيمية" لحركة نداء تونس، ولحساباتها السياسية الخاطئة التي جعلت حركة النهضة الإسلامية تخرج من الحكم من الباب لتعود إليه من الشباك بدعم وتواطؤ من حركة نداء تونس. وبحسب المُحلل السياسي التونسي منذر ثابت، فإن هذا التصدع الذي تعيشه حركة نداء تونس كان متوقعا باعتبار صعوبة التأليف بين عناصر ذات مرجعيات فكرية وسياسية مُختلفة، ومتناقضة أحيانا، تجمعت في مرحلة سياسية ارتبطت واقترنت بخوف المجتمع من المشروع الإخواني الذي سعت حركة النهضة الإسلامية إلى محاولة فرضه على تونس.
وقال لـ"العرب" إن إمكانية فرط عقد هذه الحركة أصبحت أمرا واقعيا بالنظر إلى غياب الحافز المُجمّع، وتفاقم الخلافات بين محسن مرزوق والباجي قائد السبسي حول تشريك حركة النهضة الإسلامية في الحكم، ما جعل الصراع ينتقل إلى مرحلة التآكل الداخلي حول خلافة الباجي قائد السبسي. وأيا كانت التطورات التي ستحملها الأيام القادمة ارتباطا بهذا الصراع، فإن مُجمل القراءات تؤكد أن هذا الانقسام الذي تشهده حركة نداء تونس مكن حركة النهضة الإسلامية من العودة من جديد إلى الإمساك بمفاتيح المعادلة السياسية في البلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق