العربية نت: في مايو 1998 أحبط هجوم كانت يخطط له تنظيم القاعدة لاستهداف مباراة ضمن كأس العالم لكرة القدم في باريس، ويبدو أنه بعد سنوات أيضاً عمد داعش في 13 نوفمبر إلى السير على نفس الخطى عله ينجح. ففي تقرير مطول نشر في صحيفة الحياة شرح كميل الطويل سعي داعش، هذا التنظيم الوليد الذي ورث القاعدة إلى حد ما، إلى تخطي الأخيرة في "إنجازاتها"، وتحقيق ما فشلت به، لا سيما بعد أن حاول ثلاثة انتحاريين اقتحام ملعب "ستاد دو فرانس" في باريس الأسبوع الماضي. وإن كان ليس واضحاً تماماً لماذا قرر الثلاثة استهداف مباراة كرة القدم، لكن المرجّح أنهم - مثل بقية المتورطين في تفجيرات باريس ليلة الجمعة 13 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري - كانوا يبحثون عن طريقة لإيقاع أكبر قدر من الضحايا. فنجاحهم في دخول الملعب وتنفيذهم التفجيرات داخله كان سيعطيهم بلا شك صدى إعلامياً غير مسبوق، خصوصاً في ضوء بث المباراة بثاً حيّاً عبر القنوات التلفزيونية العالمية.
إيقاع أكبر عدد من الجرحى وكسب صدى إعلامي
كان هذا - أي إيقاع أكبر عدد من القتلى وكسب صدى إعلامي - بالتحديد ما سعى إليه المتورطون في المؤامرة السابقة التي استهدفت كأس العالم 1998. إذ اختاروا - وفق مراسلات سرية بينهم - مباراة إنكلترا - تونس التي جرت في مرسيليا على أمل النجاح في دخول الملعب وقتل أعضاء الفريق الإنكليزي بقيادة ديفيد بيكهام أمام كاميرات التلفزيون، ما يعطيهم ضجة إعلامية. كما أن المتورطين تداولوا في فكرة تفجير المباراة التي سيخوضها منتخب كرة القدم الأميركي في باريس على أمل استهداف السفير الأميركي الجديد، وفق ما تكشف المراسلات السرية بين أفراد الخلية والمنشورة في كتاب آدم روبنسون "إرهاب في الملعب - كيف استهدف بن لادن بيكهام ومنتخب إنكلترا لكرة القدم" والذي يروي مؤامرة كأس العالم في فرنسا عام 1998.
فشلت مؤامرة 1998 قبل تنفيذها، لكن ذلك لم يمنع، كما يبدو، معتنقي الفكر المتشدد من تكرار المحاولة ولو بعد سنوات طويلة. ولكن في حين تُنسب مؤامرة التسعينات إلى تنظيم "القاعدة" وتحديداً إلى جماعة منشقة عن: الجماعة الإسلامية المسلحة" الجزائرية، فإن منفذي هجمات باريس الحالية، بما فيها الهجوم على "ستاد دو فرانس"، يبدو أنها تمت على أيدي شبان مغاربة ينتمون إلى تنظيم "داعش". ويوصف هذا التنظيم أحياناً بأنه أكثر تشدداً من "القاعدة"، على رغم أن هناك من لا يرى فروقاً جوهرية بينهما سوى في بعض المسائل، بما فيها الخلاف على "المرجعية" وهل هي لزعيم "القاعدة" الدكتور أيمن الظواهري أم لـ "الخليفة" أبو بكر البغدادي.
تكرار المحاولة
تدل هجمات باريس الأخيرة على أن من يصفون أنفسهم بأنهم "جهاديون" - مناصرو "القاعدة" سابقاً و"داعش" الآن - لا يتوقفون عن تكرار المحاولة في حال فشلوا في المرة الأولى. ففي حالة برجَي مركز التجارة العالمية في نيويورك، لم تنجح المحاولة الأولى التي قام بها الباكستاني رمزي يوسف عام 1993 عندما فجّر شاحنة مفخخة أسفل أحد البرجين على أمل بأن يتسبب سقوطه في انهيار البرج الثاني. اعتُقل رمزي يوسف بعد فشله وفراره إلى باكستان، وهو يقضي حالياً عقوبة السجن المؤبد في الولايات المتحدة. لكن خاله خالد شيخ محمد أكمل «المهمة» عام 2001 عندما أرسل طائرتين مدنيتين مخطوفتين لضرب كل من البرجين، ما أدى إلى انهيارهما ومقتل وجرح الآلاف. لم يكن هجوم 1993 مرتبطاً بـ "القاعدة" آنذاك، لكن خالد الشيخ قام به في 2001 باسم "القاعدة" التي انضم إليها وبايع زعيمها أسامة بن لادن في النصف الثاني من التسعينات. وهناك من يقول إن خالد الشيخ انضم تحديداً إلى "القاعدة" لأنه أيقن بأنه سيستطيع من خلال هذا التنظيم إيجاد ما يكفي من المتطوعين المستعدين لتفجير أنفسهم في أكثر من عملية انتحارية متزامنة (كما حصل في اعتداءات أيلول - سبتمبر 2001)، وهو أمر ما كان ليستطيع تحقيقه لو بقي يعمل بمفرده من دون تنظيم يدعمه. وخالد شيخ محمد مسجون حالياً في غوانتانامو في انتظار بدء محاكمته بتهمة تفجير برجي مركز التجارة.
"مخططات" على الرف لسنوات
ويعطي تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998 مثالاً آخر على الفترة الزمنية التي يمكن أن يستغرقها وضع خطة إرهابية ثم تنفيذها. ففي 1993، قام تنظيم "القاعدة" من خلال إحدى خلاياه الناشطة في شرق إفريقيا بتصوير السفارة الأميركية في نيروبي ووضع خرائط تُظهر كيف يمكن إدخال شاحنة مفخخة إليها وتفجيرها. وُضع المخطط "على الرف" لسنوات، من دون أن يتضح هل السبب هو العجز نتيجة انشغال "القاعدة" بتطورات أخرى كانت تحصل في أكثر من دولة عربية وإفريقية آنذاك، أو نتيجة اعتقالات استهدفت أعضاء في التنظيم كانوا جزءاً من مؤامرة نيروبي؟ لكن عندما حان الوقت المناسب، أنزل بن لادن خرائط السفارة الأميركية في العاصمة الكينية عن الرف وأرسل عناصر من تنظيمه لتفجيرها بشاحنة مفخخة في آب (أغسطس) 1998، وهو أمر تكرر في الوقت ذاته مع السفارة الأميركية في دار السلام (تنزانيا).
وأوقع الهجومان مئات القتلى والجرحى غالبيتهم العظمى من المدنيين الأفارقة، لكن "القاعدة" حققت من ورائهما مبتغاها: توجيه رسالة بأنها باشرت فعلاً حربها ضد "اليهود والصليبيين" والتي أعلنت عنها في ربيع 1998 خلال مؤتمر صحافي في أفغانستان. انطلاقاً مما سبق، يبدو منطقياً الافتراض أن أجهزة الأمن المختلفة حول العالم تُراجع حالياً مخططات إرهابية تم إحباطها في الماضي خشية أن يحاول مناصرو تنظيم "القاعدة" - أو "ورثته" في تنظيم "داعش" - تكرار ما فشلوا في تحقيقه سابقاً!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق