قدس برس: عقّد موقف البرلمان الليبي الرافض للتعديلات التي أدخلها مبعوث الأمم المتحدة لليبيا برناردينو ليون على اتفاقية المصالحة، التي تم التوصل إليها بين الفرقاء الليبيين في منتجع الصخيرات بالمغرب، وتضاربت الأنباء عما إذا كان هذا الرفض الذي يأتي مع نهاية شرعية البرلمان الليبي في طبرق، يعني عمليا أن جهود الأمم المتحدة قد انتهت إلى الفشل، أم أنه ليس إلا محاولة أخيرة للضغط على الوسيط الأممي يمارسها الجناح المتصلب داخل البرلمان من أجل تحسين شروطه في المرحلة المقبلة، وما إذا كان المجتمع الدولي سيمضي في خطته ويفرض عقوبات على الأطراف الرافضة لوساطته.
وقد رفض مبعوث الأمم المتحدة لليبيا برناردينو ليون، في تصريحات له أمس الأربعاء (21|10)، أن تكون جهوده قد وصلت إلى طريق مسدود، وأكد أن عليهم كأمم متحدة ومجتمع دولي أن يستمعوا مرة ثانية وللمرة الأخيرة للشواغل، أهم النقاط المثيرة للقلق بالنسبة لمجلس النواب والمؤتمر الوطني وغيرهم، وقال: "سنعمل مع الحكومة في المستقبل لمعالجة هذه الشواغل ولكن يجب ألا ندخل المزيد من التعديلات في الاتفاقية لأن هذا سيؤخر ربما لأشهر الحل الذي تنشده ليبيا بشدة".
وتأتي تصريحات ليون تعليقا على رفض مجلس النواب الليبي، خلال جلسة عقدت الاثنين الماضي في طبرق (19 تشرين أول/أكتوبر)، بالأغلبية مقترح حكومة التوافق الذي قدمه مبعوث الأمم المتحدة لليبيا برناردينو ليون، إلى الفرقاء السياسيين، وطالب بالعودة إلى المسودة الرابعة من الاتفاق، التي وقعت عليها أطراف الحوار بالأحرف الأولى. ويرى المستشار السابق لرئيس حكومة الانقاذ في ليبيا محمد حسين عمر في حديث مع "قدس برس" أن المبعوث الأممي إلى ليبيا، برناردينو ليون، "يسعى إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي، يبدو أنه يزداد بعدا، قبل انتهاء مهته في ليبيا، ذلك أن البرلمان رفض المقترح لأن الحلول السياسية تسقط خيار العسكر، بينما البرلمان واقع بالفعل تحت سطوة اللواء المتقاعد خليفة حفتر".
وأشار عمر إلى أنه "و بانتهاء صلاحية البرلمان، غير دستوري وغير أخلاقي، وبثبوت عجز وضعف وتهالك المؤتمر الوطني العام عن تحمل أمانة الثورة، يتوجب على الليبيين أن يتوافقوا على إدارة حوار وطني تصالحي ليبي ـ ليبي". وحدد عمر ما رأى أنها النقاط التي يجب أن يقوم عليها الحوار، وهي "اسقاط خيار حكومة العسكر، والتبرؤ من عملية الكرامة الإنقلابية، و إعلان الانحياز إلى مشروع الدولة المدنية التي تجسد إرادة الأمة في وجه حكم أي مستبد متجبر، والإنضواء تحت رايات الثوار البيضاء الناصعة، ورد الاعتبار للأبناء الأوفياء منهم، وتشكيل مجلس أعلى للثورة بهيئات استشارية عليا؛ يدير الدولة ضمن وعاء زمني محدد، على أن تكون أولى أولوياته كتابة الدستور والإشراف على إدارة الإنتخابات الأولى برعاية أممية، ثم إعادة النظر في مواد وسقف ومقاصد قانون العزل السياسي لاقراره وتفعيله؛ ضمن محددات وطنية وأخلاقية ومعيارية، ليكون حامياً للمسار وضامناً للحقوق وضابطاً للخطى".
ودعا عمر إلى "تقديم أهل الحل والعقد من العقلاء والناصحين وأهل المشورة، من أصحاب التخصص العسكري والأمني والإداري والاقتصادي والسياسيين والفكري، ليتصدروا مشهد تصحيح المسارات على أرضية فبراير المجيدة (الثورة التي أطاحت بحكم معمر القذافي)، لا على مستنقعات سبتمبر الآسنة (الانقلاب الذي قاده القذافي في أيلول/سبتمبر 1969وأوصله إلى الحكم)، والدخول في هدنة جبرية، تقضي بتهدئة وسائل الإعلام عن الشحناء والتوتر واذكاء لهيب الفتنة بين الجهات والفصائل والمكونات، والدفع تجاه اعتبارات المصلحة الوطنية الكبرى، والتمهيد لمصالحة وعفو عام يشمل كل من خاض مفازات التناحر والخصومات، وإشراك دار الإفتاء ودار القضاء في بلورة صيغ معالجة الأزمة وتداعياتها ، والبدائل المتاحة والممكنة. ثم شد العزم لتدوين الوثيقة الدستورية باعتبارها طوق النجاة الحقيقي للخروج بمشروع فبراير المنشود وتوثيق حقوق شعبنا وتثبيتها".
أما عن دور بعثة الأمم المتحدة فتقتصر برأي عمر "على طلب المعونة والمشورة منها، في إطار حاجة الليبيين للخبرة والرأي والتنور بالتجارب الإنسانية في معالجة تفاصيل المشهد الليبي، مع مراعاة الخصوصية الإسلامية والوطنية في كل ذلك" وفق رأيه. وقلل عمر من أهمية الرهان على تعيين مبعوث أممي جديد خلفا لليون في ليبيا في إشارة إلى الأنباء التي تحدثت عن إمكانية تولي المبعوث الألماني مارتن كوبلر لهذه المهة، وقال: "مارتن كوبلر (62 عاماً) هو مساعد وزير خارجية ألمانيا الأسبق، وقد تورط إبان شغله لمنصب ممثل الأمم المتحدة في العراق؛ بدعم حكومة نوري المالكي، وأيده في جرائمه ضد الشعب العراقي، وضد معسكر المعارضة الايرانية في مخيم أشرف بديالي، وله صولات في أفغانستان لا تنبئ بخير، فلما فشل في العراق أرسلته بعثة الأمم إلى مجاهل أفريقيا..!! والخلاصة أن سيرة الرجل لا علاقة لها بالمرسيدس (السيارات ذائعة الصيت التي تصنعها ألمانيا)، فلا سيرة ذاتية، ولا إنجازات، ولا شيء يذكر سوى عبارات مطاطة كنحو قول بعضهم أنه إنسان يفضل العمل على الأرض" وفق ما يرى.
لكن مصادر ليبية مطلعة تحدثت لـ "قدس برس" وطلبت الاحتفاظ باسمها، كشفت عن أن هنالك جهودا وصفتها بـ "المثمرة" تقودها أطراف ليبية دينية وقبلية وسياسية ذات وزن في ليبيا تسعى لقيادة حوار ليبي ـ ليبي يقوم على المصالحات المجتمعية والقبائلية، ويهيء المناخ لتشكيل حكومة وفاق وطني تكون مهمتها الأساسية الإشراف على انتخابات برلمانية يإيجاد كيان شرعي يعوض البرلمان والمؤتمر في ذات الوقت، ويقود مرحلة انتقالية تؤسس لليبيا المستقبل.
وكان ليون عيّن ممثلا للأمين العام للأمم المتحدة ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في 14 من آب (أغسطس) عام 2014 وتسلّم مهامه في مطلع أيلول (سبتمبر) من العام نفسه خلفا لرئيس البعثة السابق اللبناني طارق متري، وعمليا انتهت مهمة ليون في 20 من تشرين أول (أكتوبر) الجاري. وقد أعلن ليون في ختام جهوده في ليبيا عن قائمة بأسماء أعضاء حكومة الوفاق الوطني الليبية، التي اقترح فايز السراج رئيسا لها، بعد مشاورات بين الأطراف الليبية استمرت أشهرا عدة في مدينة الصخيرات المغربية. وينص اقتراح بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا على أن تقود الحكومة المقترحة مرحلة انتقالية في البلاد لمدة عامين، تبدأ في 20 تشرين أول (أكتوبر) الجاري، لكن المقترح تعثر بسبب رفض البرلمان الليبي له.
راجع: مواضيع ذات علاقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق