الجزيرة: انطلقت في العاصمة العراقية بغداد أمس السبت فعاليات مهرجان الرواد الثامن للخط العربي والزخرفة بقاعة متحف الفن الحديث بحضور فنانين وأكاديميين من مختلف محافظات البلاد. ويقام المهرجان -الذي ينظمه المركز العراقي للخط والزخرفة على مدار ثلاثة أيام- تحت شعار "الحرف العربي رمز المحبة والسلام". ويضم اليوم الأول من المهرجان معرضا لأكثر من مئتي لوحة في جميع أساليب الخط العربي وأشكاله، فيما يشهد اليومان التاليان ندوات علمية وورش عمل حرة للمشاركين. وفي هذا السياق اعتبر المدير العام لدائرة الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة العراقية -الراعية للمهرجان- شفيق المهدي هذا الحدث الفني إنجازا كبيرا، ولا سيما أنه قد كرم فيه عدد من كبار الخطاطين المعروفين في العراق، وهو ما يعد -حسب قوله- إيمانا بدورهم ورد اعتبار لهم. وأشار إلى أن عشرات الخطاطين الشباب تحدوا الظروف الحالية وقرروا المشاركة في هذا النشاط، من بينهم خمس نساء، وهو ما رأى فيه نجاحا لهذه التظاهرة الثقافية.
حنين إلى زمن العمالقة
وتساءل كثيرون عن سبب غياب أسماء لخطاطين كبار عن الساحة الثقافية العراقية، فبغداد التي قدمت للثقافة العربية القديمة والحديثة أسماء كابن مقلة وابن البواب وهاشم البغدادي ومحمد سعيد الصكار وغيرهم؛ قد قل عطاؤها وتراجع في العقود الأخيرة، كما يقول رئيس قسم الخط في معهد الفنون الجميلة ببغداد عبد المنعم خليل. ويضيف خليل للجزيرة نت أن معظم طلاب المعهد اليوم لم يلتحقوا به من أجل الفن والإبداع، وإنما للحصول على شهادة أو وظيفة حكومية، وهو ما أدى إلى تراجع مستوى من يحملون هذا الفن في العراق مؤخرا. ويؤكد أن كثيرا من الأسماء العراقية الكبيرة في عالم الخط والزخرفة ما زالت على قيد الحياة، لكنها لا تلقى الاهتمام والرعاية إلا في بعض المناسبات. ويبدو انتقاد وسائل الإعلام العراقية قاسما مشتركا بين رواد الخط والزخرفة في العراق، حيث لا تبدي الفضائيات العراقية -التي يزيد عددها على الخمسين- أي اهتمام يذكر بهؤلاء الرواد، ولا حتى بفئة الشباب، في حين يتراجع الذوق الفني عامة.
وفي هذا الإطار قال أستاذ الزخرفة بأكاديمية الفنون الجميلة هشام عبد الستار إن الخطاطين العراقيين في الماضي كانوا قلة لكنهم نبغوا وتميزوا بسبب حجم الدعم الذي قدمه لهم المجتمع بالإضافة إلى المؤسسات الحكومية. وعبر عن اعتقاده بأن الأجيال الجديدة لا تستطيع أن تضيف شيئا يذكر رغم أعدادهم الكبيرة، ورغم وجود وسائل إعلام وتواصل يمكن أن تخدمهم أو تكون في صالحهم.
الإبداع وأسئلة المستقبل
في المعرض أيضا ثمة لوحات لخطاطات عراقيات، اشتكين في حديثهن مع الجزيرة نت من ضعف الاهتمام بما يقدمنه وقلة الدعم. سؤدد مشعان إحدى المشاركات في المهرجان قالت إن العديد من الأسماء النسائية استطاعت النجاح في هذا المجال، لكنهن جميعا اشتهرن خارج العراق بسبب ما لقينه هناك من اهتمام وتشجيع، ولعل من أبرز هذه الأسماء الفنانة المغتربة جنة عدنان. وتضيف سؤدد أنها ومعها العديد من زميلاتها لم يتلقين دعما من أية جهة رسمية أو إعلامية، وهو ما يدعو الكثير منهن للانزواء بعد بضع سنوات وترك المجال، بحثا عن وظيفة توفر لهن وضعا ماديا أفضل. وينقل عن الخطاط التركي الشهير حامد الآمدي قوله تعقيبا على رحيل رائد الخط العربي في العراق هاشم القيسي عام 1973 "ولد الخط في العراق وتوفي فيه". ويبدو أن شيئا من هذه النبوءة قد تحقق، فالخط العربي والنقوش والزخارف الإسلامية التراثية التي كانت تزين جدران المساجد وحتى مؤسسات الدولة والعمائر والبنايات الشاهقة في الماضي لم تعد كذلك اليوم، حيث تبدو بغداد اليوم -كما يقول البعض- بلا هوية معمارية أو ثقافية، بعد أن ألقت السياسة بظلالها في كل تفاصيل الحياة فيها، بما في ذلك الثقافة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق