رأي اليوم: كمثيلاتها في الكثير من الدول، نسجت البيوت التونسية، علاقة “حب” مع المسلسلات التركية التي تُعرض منذ سنوات على فضائيات عربية، تتناول قضايا تمس عاطفة المشاهد، فضلاً عن لهجة الدوبلاج العربية التي ساعدت بدورها من الإقبال على هذا النوع من الدراما. وبدأت حكاية الدراما التركية مع العالم العربي عام 2007، عندما شرعت قناة”mbc1″ السعودية الخاصة، بعرض مسلسل “إكليل الورد” (مدبلج إلى اللغة العربية باللهجة السورية)، ليتبعه عشرات المسلسلات التي بُثّت ولا تزال في العالم العربي، أبرزها “نور” (Gümü?)، و”سنوات الضياع″ ( Ihlamurlar Alt?nda )، و”وادي الذئاب” (Kurtlar Vadisi)، و”صرخة حجر” (bir ta? ç??l???)، و”العشق الممنوع″ (A?k? Memnu)، لتكون بداية “قصة حب” بين المشاهد وهذه المسلسلات. وعلى خُطى الفضائيات العربية، سارت مثيلاتها التونسية الخاصة، وحدث ما أطلق عليه مراقبون “غزو درامي تركي” للفضائيات المحلية، ومنها “نسمة”، و”حنبعل”. وتبث قناة “نسمة” هذه الأيام، مسلسلي “سنوات االضياع″، و”حريم السلطان” (Muhte?em yüz y?l )، وهما عملان اجتماعيان مدبلجان إلى العربية باللهجة السورية، وتم عرضهما من قبل على قنوات عربية عديدة. وتدور أحداث المسلسل الأول، في قالب رومانسي، يتناول علاقة حب بين الشاب “يحيى” والفتاة “رفيف”، اللذان ينتميان إلى الطبقة الفقيرة ويحلمان بالزواج، إلا أن صعوبات الحياة تحول دون ذلك.
أما المسلسل الثاني، فتدور أحداثه في إطار تاريخي، يرصد حياة السلطان سليمان القانوني، أحد أهم الحُكام في تاريخ الدولة العثمانية. بينما تعرض قناة “حنبعل”، خلال الفترة الحالية، مسلسل “رغم الأحزان”، وهو عمل اجتماعي بوليسي عاطفي شيق، تدور أحداثه حول فتاة تُجبر على الزواج من إبن اقطاعية غير بالغ ذهنياً، ولتنقذها والدتها من هذا الزواج غير المتكافيء تخبرها بسر أنها ليست ابنتها الحقيقية، وإنما هي التي ربتها بعد تخلي عائلتها عنها، جراء مجيئها للحياة إثر علاقة غير شرعية. كما تعرض القناة نفسها، إعلاناً لعرض مسلسل “وادي الذئاب”، خلال الأيام القادمة، وهو المسلسل الذي الذي تدور أحداثه في قالب بوليسي، ويعرض على عدة فضائيات حول العالم، منذ 2008.
ويُرجع المخرج التونسي، مُنجي الفرحاني، اهتمام المشاهد العربي عامة، والتونسي خاصة، بالمسلسلات التركية، إلى أهمية المواضيع التي تتناولها هذه المسلسلات. وقال الفرحاني للأناضول “المسلسلات التركية تتناول مواضيع ذات صلة كبيرة بالواقع العربي، وتحاول من خلالها محاكاة الواقع ونقله بصفة موضوعية دون تشويهه”. وأضاف “هذه الأعمال أقرب للمشاهد العربي، كون تركيا بلد مسلم، وتربطنا به روابط تاريخية، وحضارية، ودينية”. ورأى الفرحاني أن “الأتراك أحسنوا تناول القضايا”، مستدلاً بالقضية الفلسطينية التي تجسدت في هذه المسلسلات، “على عكس ما يحصل في الدراما السورية والمصرية”.
وعرضت قنوات فضائية عربية، المسلسل “صرخة حجر”، الذي أثار جدلاً سياسيًّا بين تركيا وإسرائيل؛ حيث يحكي قصة نضال الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وتابع المخرج الفرحاني قوله “المسلسلات التركية ذات الطبيعة السياسية، كوادي الذئاب، عرفت كيف تشد المتقبل العربي، فإلى جانب حسن اختيار المواضيع، نجد إبداعاً في كيفية التصوير والإخراج، حيث بلغت هذه المسلسلات مستوى العالمية من خلال جودة الصورة والتقنيات العالية المستعملة فيها”. ولفت المخرج نفسه إلى “تأثير هذه المسلسلات على المشاهد التونسي، وهو ما تُظهره نسب المشاهدة العالية، وارتفاع عدد الحجوزات السياحية نحو تركيا، فضلاً عن انتشار عدد من الماركات الخاصة بالملابس التركية في البلاد”. (يشار إلى أنه لا تتوفر إحصائيات رسمية حول عدد السياح التونسيين إلى تركيا).
المواطن حمدي الزايدي (22 عاماً)، متابع للدراما التركية، يقول إن “المواطن التونسي باتت تربطه علاقة وطيدة بهذه الدراما، لثرائها، وتنوع مضامينها، وغزوها لشاشات التلفزة العربية بصفة عامة، والتونسية بصفة خاصة”. ومضى قائلاً “المسلسلات التركية تمثل ملاذاً للتونسي، فمن خلالها يضع نفسه وكأنه بطل من أبطالها، إلى جانب أنها باتت تعوّض النقص الفادح في المنتوج الدرامي المحلي، والسوري، والمصري، والذي أصبحت قضاياه مستهلكة في نظر المشاهد”. ويستدل حمدي بـ”غزو” المنتوجات التركية، ولاسيما الملابس منها للأسواق التونسية، كدليل على التأثير الكبير الذي تركته المسلسلات لدى المشاهد العربي، مشيراً أنه أصبح من خلال هذه الأعمال الفنية “ملماً بعض الشيء بالواقع التركي وما يعيشه هذا البلد من عادات وتقاليد”. وأردف قائلاً “المتابع لهذه المسلسلات التركية يجدها تتناول موضوعات وقضايا مثل، مشكلة الفقر، والمغريات المادية، والرفاهية الطبقية التي يعاني منها المشاهد العربي في كثير من الدول”.
المواطنة هيفاء محجوب، إحدى معجبات مسلسل “العشق الممنوع″، الذي تدور أحداثه حول الفتاة “سمر” التي تعيش في أسرة فقيرة، ويتقدم “عدنان” الرجل الغني في الخمسينات من عمره للزواج منها، فتوافق رغم فارق السن، لتبدأ قصة حب بينها وبين “مهند” ابن شقيق زوجها، تصل إلى العشق والخيانة، ويحاول هذا العشيق الانتهاء من علاقته بسمر، عبر الزواج بابنة عمه “نهال” التي تحبه. وقالت محجوب للأناضول “الشباب يعيش جفافاً عاطفياً، وطبيعة الرجال في الشرق بصفة عامة جافة، لذلك فإن المسلسلات التركية ترسم بعضاً من الأحلام الوردية، ونحن نعشق هذه المسلسلات لأننا نبحث عن قصص الحب والغرام”. منى شبيل، أستاذة لغة فرنسية، في إحدى المدارس الخاصة، تجلس مع عائلتها تشاهد مسلسل “العشق الممنوع″ الذي يعرض على قناة نسمة الخاصة تحدثت للأناضول، وعينيها لا تفارقان الشاشة حتى لا تتجاوزها بعض أحداث المسلسل رغم مشاهدتها له في السابق عدة مرات. وقالت منى “بدأ غرامي بالمسلسلات التركية عقب مشاهدتي لمسلسل فريحة، الذي يحكي قصة حب فتاة فقيرة تدعى فريحة بأمير الشاب الثري الذي يرفض أهله هذه العلاقة العاطفية، وفي يوم زواجهما تُقتل الحبيبة”. ومن حبها للدراما التركية، تتابع منى الآن، حوالي 10 مسسلسلات، حتى أنها أصبحت تفهم كلام الممثلين دون ترجمة، وأنها باتت تحفظ بعض العبارات، وماذا تعنيه دون البحث في قاموس المعاني، كما تقول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق