العربي الجديد: ثلاثة أطفال لم يبلغوا سن الحادية عشرة يقومون ببيبع المناديل الورقية في الإشارة الضوئية وسط العاصمة الليبية طرابلس منذ الصباح وحتى منتصف النهار. التقت "العربي الجديد"، بأحدهم علي محمد (10 سنوات) الذي قال "إنني أسكن في مخيم النازحين في الفلاح واضطررت للتوقف عن الدراسة لمساعدة أبي في توفير مصروف أسرتي. وأوضح أن عملية بيع المناديل الورقية توفر له يومياً نحو 7 دينارات (الدولار = 1.38 دينار)، وبعضهم يمنح له مبالغ مالية كمساعدة بدون شراء مناديل.وفي جزيرة "قصر الشعب" وسط العاصمة قال خالد سعد، (13 عاماً)، إنه يبيع المناديل الورقية لكي ينفق على المكونة من ثلاثة أخوة حيث يعاني والدهم من مرض مزمن ويتلقى العلاج، مشيراً إلى أنهم يسكنون في ركام باب العزيزية "مقر معمر القدافي سابقاً". وأكدت والدة سعد، أن ظروفهم المعيشية سيئة للغاية وهم يعيشون على المُساعدات، مشيرة إلى أن العائلة كانت تتقاضى راتباً شهرياً عبر المحافظ الاستثمارية المعنية بالأسر الفقيرة ولكنها توقفت مند مطلع العام. ولكن الطفل أسعد محمد، الذي يجلس في طريق الشاطئ بالقرب من وسط العاصمة فضل العمل في مجال بيع الشاي باللوز للمواطنين، وقال إنهُ يعمل لدي صاحب كشك ويتراوح دخله اليومي ما بين 5 إلى 10 دينارات. وحسب خبراء، أدت الحرب المتفاقمة وتدهور الأوضاع الاقتصادية، في ليبيا الغنية بالنفط، إلى خروج الأطفال للعمل.
وأكدت رئيسة قسم التنمية الأسرية بوزارة الشؤون الاجتماعية التابعة لحكومة الإنقاد الوطني، زهرة عويتي، لـ"العربي الجديد"، أن قانون العمل الليبي يمنع منعاً باتاً تشغيل الأطفال في بيع المناديل الورقية أو تشغيلهم في أي مهنة أخرى. وأوضحت أن الظروف الأسرية في الفترة الأخيرة ساهمت في انتشار ظاهرة التسول وبيع المناديل الورقية في الشوارع والطرقات، مؤكدة بأن عمليات الضبطية تطلب من عائلة الطفل تعهداً كتابياً بعدم تشغيله مرة أخرى، ولكن دون توفير الحكومة لمعالجات سريعة لأوضاعهم المعيشية. وأشارت إلى أن المسوحات التي بدأتها وزارة الشؤون الاجتماعية رصدت خلال العشرة أيام الأخيرة من شهر أغسطس/آب 22 طفلاً يقومون بعمليات بيع المناديل الورقية بالقرب من وسط العاصمة طرابلس. وفي رد على سؤال "العربي الجديد" حول أية نتائج أخرى للمسوحات الاجتماعية، أكدت أنها تتمثل في سوء الأوضاع الاقتصادية وتأخر الرواتب ولاسيما الفقراء الذين يتحصلون على مساعدات من المحافظة الاستثمارية. وعائلات "ذوي الدخل المحدود" في ليبيا (المعروفة بالأسر المحرومة من الثروة)، البالغ عددها 224 ألف أسرة، كانت أكبر المتضررين من تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، بعد تعطل المنح المالية التي تقدم لها من صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي (الحكومي). وتدهورت الحياة اليومية لليبيين الذين يعانون من الانفلات الأمني والصراعات المُسلحة في العديد من المناطق في مختلف أنحاء ليبيا، وتسببت في نزوح عائلات إلى الخيام والعراء في المناطق، ما أفرز أوضاعاً معيشية صعبة، للنازحين.
وبلغ عدد النازحين بسبب الحرب والاشتباكات نحو 400 ألف نازح، ويتوزّع معظمهم على أكثر من 35 بلدة ومدينة، وغالباً ما يفتقرون إلى المأوى بسبب قلّة المخيمات المتاحة. وانعكس التدهور الأمني والمعارك الدائرة بين الفرقاء في ليبيا، سلباً على القطاع النفطي الذي يمثّل 95% من عائداتها، الأمر الذي أدى إلى زيادة أعداد الفقراء في أحد أبرز البلدان الغنية بالنفط، حسب خبراء. وقال الخبير الاجتماعي، مصطفى عمر النير، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، "إن معظم الليبيين يحتاجون إلى مساعدات مالية لمواجهة متطلبات الحياة اليومية، وتزداد معدلات الفقر بشكل دوري في ظل تدهور الأوضاع المعيشية، بسبب عدم الاستقرار الذي أثّر سلباً على القطاع النفطي، أكبر مصادر الدخل في ليبيا". وأوضح النير أن الدولة غائبة، ولذلك هناك مُعضلة في الحصول على بيانات رسمية حول معدل الفقر. وتشهد ليبيا منذ أكثر من عام صراعاً على الحكم بين سلطتين تتقاسمان السيطرة على مناطق البلاد، الأولى في طرابلس تابعة لمؤتمر الإنقاذ الوطني، والثانية في طبرق تابعة لمجلس النواب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق