العرب اللندنية: أعلنت روسيا أمس أنها كثفت ضرباتها الجوية في اليوم الخامس من بدء عملياتها في سوريا، وسط تشكيك الدول الغربية بنوايا موسكو، وانتقادها الاستراتيجية الروسية التي ترى أن هدفها دعم نظام الأسد أكثر من استهداف تنظيم الدولة الإسلامية، بعد الخسائر الميدانية التي منيت بها قواته في مناطق عدة وتكرار استهداف فصائل تعد من "المعارضة المعتدلة". وحسب وزارة الدفاع الروسية، استهدفت الضربات الجوية أمس معسكر تدريب ومخزن ذخيرة تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية في محافظة الرقة، أبرز معاقله في شمال سوريا، ومعسكر تدريب ومركز قيادة ومرافق أخرى تابعة للتنظيم في محافظة إدلب في شمال غرب البلاد. لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان وناشطين ينفون أي وجود لتنظيم الدولة الإسلامية في محافظة إدلب، التي باتت بأكملها تحت سيطرة جبهة النصرة وفصائل إسلامية متحالفة معها أبرزها حركة أحرار الشام بعد طرد قوات النظام منها في الأشهر الأخيرة. ومن بريطانيا، دعا رئيس الوزراء ديفيد كاميرون روسيا إلى "تغيير موقفها" متوجها إلى الروس بالقول "انضموا إلينا لمهاجمة (تنظيم) الدولة الإسلامية، لكن اعترفوا بأنه إن أردنا منطقة مستقرة فإننا بحاجة لزعيم آخر غير الأسد". وقال لـشبكة بي بي سي"بصورة مأسوية جرت معظم الضربات الجوية الروسية كما لاحظنا حتى الآن في مناطق في سوريا لا يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية بل معارضون آخرون للنظام".
ودعا رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس على هامش زيارة لليابان روسيا إلى وجوب “ضرب الأهداف الجيدة وتحديدا داعش”. وقال “إذا كانت داعش هي العدو الذي يهاجم مجتمعاتنا، وهذا صحيح بالنسبة إلى فرنسا، فإنه يمكن أن يكون صحيحا أيضا بالنسبة إلى روسيا، وبالتالي يتعين ضرب داعش وندعو الجميع إلى عدم ارتكاب خطأ في الهدف”. ودعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى إجراء محادثات مع جميع أطراف النزاع في سوريا، مؤكدة أن "الجهود العسكرية" ضرورية في سوريا لكنها غير كافية لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات. وأكدت مصر بدورها موقفها الداعم للحرب ضد الإرهاب، لكن مع الحفاظ على بنية الدولة السورية منعا لتفككها كما حصل في العراق وليبيا. وكشف مصدر دبلوماسي لـ"العرب" أن مصر أبلغت الإدارة الأميركية رسميا، اعتراضها الشديد على أن يواجه الجيش السوري المصير نفسه، الذي لقيه سابقا، كل من الجيش العراقي ثم الليبي، حيث أدى حلهما إلى تداعيات أمنية وسياسية كبيرة، لا تزال دولتاهما، ودول مجاورة تعاني من الويلات الناجمة عن قرار الحل، الذي وقفت خلفه أو حرضت عليه الولايات المتحدة في العراق وليبيا. وقال المصدر إن الرسالة، التي أبلغها مسؤولون مصريون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي، تفهمتها دوائر أمنية وسياسية أميركية، رغم أن معناها المباشر أن القاهرة ستقف خلف الضربات الروسية في سوريا، الأمر الذي أكدته تصريحات صحفية لسامح شكري وزير الخارجية المصري أمس، عندما شدد على أن بلاده تؤيد الضربات للتخلص من الإرهابيين.
وبدأت القاهرة تفصح مؤخرا عن دعم مفتوح لمحاربة الإرهاب في سوريا، وهو ما دفعها إلى تأييد التحركات الروسية، وعدم دخول مواجهة مفتوحة ضد إيران، رغم اعتراضها على تدخلات الأخيرة في بعض الدول العربية، مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، واكتفت بتصريحات عامة تتعلق برفض التدخلات الخارجية، وعدم السماح بتهديد الأمن القومي العربي، من أي جهة إقليمية، وكلها تلميحات تستهدف إيران وربما تركيا. وأوضح المصدر أن انحياز مصر نحو روسيا في سوريا، سيدفعها نحو حسم خياراها بالتوجه شرقا. ودلل على سلسلة الزيارات واللقاءات التي عقدها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في كل من روسيا والصين وسنغافورة وإندونيسيا، علاوة على زيارته المتوقعة لكل من كوريا الجنوبية واليابان، منتصف نوفمبر المقبل، واستقبال الرئيس الصيني بالقاهرة في منتصف ديسمبر القادم. وأضاف أن تدفق أنواع مختلفة من الأسلحة الروسية والصينية قريبا، يعزز خيار التوجه شرقا، والذي لا تريد القاهرة الإفصاح عنه تماما في الوقت الراهن، لأن لديها اقتناع بعدم جدوى الدخول في مواجهة مفتوحة مع قوى غربية، وتحرص على استمرار صفقات الأسلحة مع كل من فرنسا وألمانيا (صفقات الرافال والغواصات وحاملة الطائرات)، فضلا عن الولايات المتحدة (صفقة الأباتشي وإف 16)، ناهيك عن ملف الإرهاب الذي له امتدادات كبيرة بين الشرق والغرب، يصعب معالجتها دون تنسيق جماعي، حتى لو تباعدت الرؤى حاليا.
وعلمت "العرب" أن مؤسسة الرئاسة المصرية تدرس باهتمام، الخطوات التي سيتم اتباعها لتدعيم العلاقات مع روسيا، ومجموعة مهمة من الدول الآسيوية، لبناء قواعد متينة من الروابط، تعود بالنفع المتبادل، وتحفظ المصالح المشتركة للجميع. وأشار المصدر إلى أن التوجه المصري نحو الشرق، لا يعني الدخول في حلف عسكري، والتقارب الحاصل في مواقف مصر وروسيا والصين حول الأزمة السورية، لن يقود إلى بناء تحالف عسكري جديد، لأن هناك اعتبارات إقليمية ودولية، تدركها القاهرة، لن تسمح بتكرار تجارب قديمة. وأضاف أن مصر في عهد السيسي لا تحبذ السير على طريق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر واندفاعه السابق نحو الشرق دون حساب جيد للعواقب، وتعي حجم التغيرات والتطورات والاختلاف في بنية النظام الدولي، وميلها نحو الشرق الذي بدأت ملامحه تتزايد، لن يكون مقدمة لإعادة إنتاج عصر، له حسناته وسيئاته، ورؤية الرئيس السيسي تتسم بدرجة عالية من البرغماتية، تأخذ في حسبانها طبيعة التوازنات ومعادلاتها المتشابكة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق