العرب اللندنية: يستعدّ إخوان الجزائر إلى التصعيد ضدّ نظام عبدالعزيز بوتفليقة بسبب ما وصفوه بـ"المماطلة" في إطلاق الإصلاحات السياسية التي ستبشر ببداية مرحلة الانتقال الديمقراطي. لكن هذا التصعيد مردّه في حقيقة الأمر إلى تململ الإخوان بخصوص تموقعهم السياسي خاصة بعد بوادر التقارب بينهم وبين السلطة والتي تُوجت بإعلان عبدالرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم إطلاق سلسلة من المشاورات مع الديوان الرئاسي دون مناقشة هذا القرار مع أحزاب المعارضة ضمن تنسيقية الحريات، وهو ما ترتّب عنه خلافات حادة بين الأحزاب المحسوبة على التيار الإخواني. ويبدو أن التقارب بين السلطة والإخوان في الجزائر لم يتمّ رغم استعداد قيادة حركة مجتمع السلم لذلك، وهو ما دفعها للتصعيد والعودة إلى المربع الأول. وأكد عبدالرزاق في هذا الصدد، أن المعارضة ليست مستعدة اليوم أن يغرر بها مرة أخرى، وأنها لن تقدم تنازلات إلا إذا بدأ مسار الانتقال الديمقراطي.
وأعاد مقري، لدى افتتاحه أشغال الملتقى الجامع لرؤساء المكاتب الولائية بالمقر المركزي للحركة في العاصمة الجزائرية، إثارة الجدل حول طرق تسيير الانتخابات، حيث قال إن المعارضة تشترط ضمانات ملموسة أولها اللجنة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات. وتدفع المعارضة الجزائرية باتجاه تأسيس هيئة مستقلة تشرف على العملية الانتخابية وتديرها عوضا عن وزارة الداخلية وتضمين ذلك في الدستور، قبل أن تطرح مؤسسة الرئاسة النسخة النهائية للدستور المرتقب بعد تعديله. ويعد مطلب استحداث هيئة مستقلة للانتخابات أحد أهم مطالب المعارضة باعتبار أن تزوير الانتخابات يعدّ معضلة أساسية في المشهد السياسي وسببا دفع العديد من الأحزاب إلى مقاطعة الرئاسيات الماضية (سنة 2014). وسبق أن طالبت تنسيقية المعارضة قبل الانتخابات الرئاسية في السنة الماضية، بوتفليقة بإرجاء تعديل الدستور وإنشاء هيئة مستقلة تشرف على تنظيم الانتخابات في كل مراحلها القانونية، وأعلنت آنذاك الحكومة رفضها الاستجابة لمطلب التنسيقية على لسان وزير الداخلية السابق الطيب بلعيز الذي قال "من حق المعارضة تقديم رأيها، لكن ذلك لا يعني أنها دائما على حق".
وواجهت الحكومة الجزائرية اتهامات بالتزوير في مناسبات انتخابية متباينة، ففي سنة 1999 اتهم المرشحون للانتخابات الرئاسية ومنهم مولود حمروش وأحمد طالب الإبراهيمي وحسين آيت أحمد وعبدالله جاب الله، الحكومة بالتزوير قبل يوم الاقتراع وأعلنوا آنذاك انسحابهم. وفي سنة 2004 اتهم علي بن فليس رئيس الحكومة السابق وزارة الداخلية بتزوير النتائج حيث حصل بوتفليقة على أكثر من 90 بالمئة من الأصوات. وعموما تعاني الجزائر من أزمة سياسية خانقة، اشتدّت منذ فوز بوتفليقة بعهدة رابعة في الاستحقاقات الانتخابية الماضية التي طالتها اتهامات عديدة بـ"التزوير"، ولم تفلح الحكومة في بلورة حوار جدّي مع أقطاب المعارضة في البلاد ولا في عقد مشاورات معها بخصوص مشروع تعديل الدستور الذي لم ير النور إلى الآن. وفشلت أحزاب المعارضة في الضغط من أجل تطبيق المادة 88 من دستور البلاد التي قد تسمح بالبحث عن خليفة محتمل لبوتفليقة العاجز عن تسيير الشأن العام بسبب وضعه الصحي، وتبدو معركة إعلان شغور منصب رئاسة الجمهورية صعبا الآن خاصة بعد قيام بوتفليقة بسلسلة من التغييرات طالت المؤسسة العسكري وجهازي الاستخبارات والقضاء، في خطوة وصفها مراقبون بأنها استعدادا لمرحلة ما بعد بوتفليقة.
ويقترح الدستور في الفصل المتعلق بتنظيم السلطة التنفيذية وتحديدا المادة 88 الإجراءات المتّبعة في استخلاف منصب رئيس الجمهورية حالة شغوره، ويتعين على المجلس الدستوري إثبات شغور منصب رئيس الجمهورية في حالتين الأولى بمرض خطير ومزمن، والثانية بالاستقالة أو الوفاة. وبالعودة إلى تصريحات عبدالرزاق مقري بخصوص الوضع الاقتصادي أكد أنه سبق له وأن حذر المسؤولين بأن الوضع في البلاد صعب، وأن الجزائر تسير نحو أزمة اقتصادية خطيرة، مشيرا إلى أن النظام السياسي لا يملك رؤية اقتصادية، كما اتهم هذا النظام بالرغبة في نقل الاحتكار من الدولة إلى مجموعة قليلة من رجال الأعمال ومن المؤسسات الصغيرة، والتي تتشابك مصالحها وعلاقاتها مع القوى الحاكمة ومع الخارج، والتي يراد من خلالها أن تصبح فرنسا ومن ورائها الولايات المتحدة هي من يحكم ويحدث التغييرات في الجزائر. وشدد مقري على أن الانتقال الاقتصادي يتطلب إصلاحات كبيرة في عدة قطاعات، تمكن كل الجزائريين من أخذ فرصهم، معتبرا الوصول إلى هذا الأمر يتطلب المرور بمرحلة صعبة لن تحفظ فيها البلاد إلا إذا كانت القوى السياسية مجتمعة، وأن يعمل الجميع على تحريك عجلة الاقتصاد. كما اتهم الغرب بمحاولة "تحويل الجزائر من منطقة نفوذ إلى منطقة تبعية مثلها مثل السنغال وبنين وكوت ديفوار"، وبـ"التخطيط والتواطؤ مع حلفائه الذين يريدون بيع البلد لتقسيمه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق