وكالات: كشف ظهور الرئيس السوري بشار الأسد في موسكو عن أن روسيا انفردت بالملف السوري، وأصبحت تديره سياسيا وعسكريا بما يخدم مصالحها ودون مراعاة مصلحة أي جهة أخرى سواء أكانت حليفة للأسد أم معادية لبقائه بالسلطة. وجاءت تلميحات الأسد عن أن حل الأزمة في بلاده هو حل سياسي في نهاية المطاف لتؤكد أن الرئيس السوري، الذي تمسك لأربع سنوات من الصراع بالاستمرار في كرسي الرئاسة، قد ترك هذه المرة مصيره بيد نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وبهذا، يكون الأسد قد ساهم، ربما من باب الاعتراف بالجميل، في تجميع كل أوراق الحل في يد الروس وسحبها من يد حلفائه الإيرانيين الذين كانوا إلى وقت قريب يتصرفون كأوصياء عليه، ويفاوضون دون استشارته مثلما جرى مع هدنة الزبداني، حيث التقى مفاوضون إيرانيون في تركيا بمعارضين سوريين رغم معارضة الرئيس السوري لأي حوار مع خصومه. وتعمل روسيا على إعادة تأهيل الأسد في محيطه الإقليمي مع طمأنة خصومه في المنطقة وخاصة السعودية وتركيا إلى أن بقاءه سيكون مؤقتا، وإلى حين بدء المرحلة الانتقالية التي يقترحها مؤتمر جنيف، لكن دون تحديد موعد لتنحي الأسد عن السلطة.
وتراهن المناورة الروسية على الوقت، فضلا عن غموض الموقف من مصير الأسد، فتارة تعلن التمسك ببقائه، وتارة أخرى تلـمح إلى أن بقاء الأسد لا يعنيها. وسبق أن أكد رئيس الحكومة الروسي دميتري مدفيديف أن "روسيا تدافع عن مصالحها القومية في سوريا لا عن أشخاص بعينهم، وأن بقاء بشار الأسد في السلطة ليس مسألة مبدئية بالنسبة إلى موسكو". وواضح أن القيادة الروسية تريد أن تنفذ رؤيتها للحل في سوريا دون أن تفرض عليها جهة إقليمية أو دولية موعد تنحي الأسد، وأن الهدف من ذلك توجيه رسائل مفادها أن موسكو صارت اللاعب الوحيد في الملف السوري، وأن دورها لن يقف عند سوريا وأنه قد يتوسع إلى ملفات أخرى مثل العراق على أمل الاستفادة القصوى من فشل استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما في مواجهة داعش واستياء العراقيين منها.
وتأكيدا على سيطرته على الملف، أجرى الرئيس الروسي اتصالين هاتفيين مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس التركي رجب طيب أردوغان أطلعهما فيه على نتائج زيارة الأسد، ومقاربة موسكو للحل السياسي. وأعلنت الخارجية الروسية أن وزيري الخارجية الروسي سيرجي لافروف والأميركي جون كيري سيلتقيان نظيريهما السعودي عادل الجبير والتركي فريدون سنيرلي أوغلو في فيينا غدا لبحث الوضع في سوريا. ويتنزل هذا الاجتماع في سياق مسعى روسي لإبقاء باب الحوار مفتوحا مع خصوم الأسد الإقليميين والدوليين. وتسعى روسيا إلى استثمار حالة الصدمة التي أحدثها تدخلها العسكري لتسريع جهودها في إعادة تأهيل الأسد إقليميا ودوليا كطرف مهم في الحرب على الإرهاب، وأنها قد تنجح في عقد لقاءات قمة بين الرئيس السوري وقادة إقليميين أو أوروبيين في موسكو.
ويعتقد دبلوماسيون غربيون أن آفاق الحل السياسي في سوريا مازالت "ضبابية"، ويقولون إن عدم وضوح الأمر هنا يعود إلى إصرار موسكو على دعم نظام الأسد على الرغم من المعارضة الواسعة من قبل غالبية القوى الدولية المعنية بالشأن السوري. وقام الأسد الليلة قبل الماضية بزيارة لم يعلن عنها مسبقا إلى موسكو كي يقدم الشكر للرئيس الروسي على قراره بشن ضربات جوية على خصومه. وهذه أول زيارة يقوم بها الأسد إلى الخارج منذ تفجرت الأزمة السورية عام 2011 وتجيء بعد ثلاثة أسابيع من شن روسيا حملة جوية في سوريا في 30 سبتمبر. ولم يعلن الكرملين عن الزيارة حتى صباح أمس وبث صورا لاجتماع بوتين والأسد في مقر الكرملين كما نشر نصا مكتوبا لتصريحاتهما.
وعلى مدار العام حاولت روسيا احتواء العديد من الفصائل المعارضة للأسد تمهيدا لدمجها في أي حل سياسي مرتقب، لكن في الوقت نفسه دأبت الطائرات الروسية على استهداف قوى متشددة كتنظيم داعش، وأخرى ينظر إليها في الغرب باعتبارها فصائل معتدلة كالجيش السوري الحر. وتخشى المعارضة السورية حاليا من الدخول في أي محادثات حول الحل السياسي في سوريا، وتعتقد أن حلا سوريا في وقت تتحول فيه قوات النظام على الأرض من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم بدعم روسي سيصب حتما في صالح بقاء الأسد وسيضعف المعارضة سياسيا.
وتقف إيران مرتبكة استراتيجيا أمام التطور الكبير الذي مثله التدخل الروسي على الأرض رغم أنها تستمر في التواجد التكتيكي بتوفير المقاتلين والأسلحة للنظام. وقال محللون سياسيون إن الأسد ساهم من حيث لا يدري في تحييد أي دور لإيران في الملف السوري، ما يجعلها في وضع المراقب لما يجري من تغييرات متسارعة في سوريا دون أن تقدر على فعل أي شيء. ويجد الإيرانيون أنفسهم في موقف لا يستطيعون فيه رفض التدخل الروسي مع أنه يسلب مكاسبهم في سوريا. وأشار المحلل السياسي البريطاني كوالي روبن إلى أنه "قبل التدخل العسكري الروسي في سوريا، كانت طهران، وليست موسكو، هي العاصمة الأكثر نفوذا في دمشق. اليوم، اختلفت الصورة، وتبدلت معها موازين القوة والتأثير، موسكو وليست طهران، هي من تمتلك أكثر الأوراق وزنا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق