وكالات: تواجه الاستراتيجية التي تتبعها الإدارة الأميركية حيال الأزمة السورية انتقادات شديدة داخل الولايات المتحدة، خاصة من جانب الكونغرس، بسبب التخبط العام الذي تعاني منه بعد فشلها في تحقيق أهدافها، وهو ما دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى العمل على مراجعتها لملاءمة التطورات المستجدة في الملف السوري، وتحديداً ما يخص الواقع العسكري الجديد الذي فرضته روسيا، وتمكن موسكو من أخذ زمام المبادرة من واشنطن في هذا الملف المركزي، وفق دراسة للباحث أحمد عدلي صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة. وقد جاء فشل البرنامج الأميركي لتدريب مقاتلي المعارضة السورية الذي كان قد انطلق في مطلع مايو الماضي في قاعدتين في الأردن وتركيا تحت إشراف وزارة الدفاع الأميركية، كأبرز مؤشر على التخبط الذي تعاني منه الاستراتيجية التي تتبعها إدارة أوباما تُجاه التعامل مع الأزمة السورية.
وقد جاء الإقرار الضمني بفشل البرنامج يوم 1 أكتوبر الجاري بعدما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها ستعلقه لفترة لحين تعديله، وإعلان قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال لويد أوستن أمام الكونغرس مؤخراً، أن 4 أو 5 فقط من المعارضين السوريين الذين دربتهم بلاده يقاتلون في سوريا. أما القصور الآخر فيرتبط بالاستراتيجية التي يتبعها التحالف الدولي الذي تقوده أميركا ضد داعش، حيث لم تؤدِ الضربات الجوية إلى إضعاف وتقويض قدرات التنظيم لمدة تقارب العام، ولا يزال التنظيم يمتلك القدرة على التوسع والتحرك، ويمارس نشاطه في عدد من المناطق في سوريا، ويزيد من ربط مناطق سيطرته في العراق بسوريا.
ولا ينفصل عمّا سبق، نجاح الفصائل المتطرفة في تصفية الفصائل المدعومة من الولايات المتحدة، وأبرز مثال على ذلك قيام جبهة النصرة بتصفية كلٍ من "حركة حزم" و"جبهة ثوار سوريا" والاستيلاء على مقراتهم وعلى الأسلحة الأميركية المتطورة التي كانت بحوزتهم. ولعل المؤشر الأبرز على فقدان الولايات المتحدة زمام المبادرة في الملف السوري، يرتبط بتمكن روسيا من فرض أمر واقع جديد بعد قيامها بحشود عسكرية ضخمة في منطقة الساحل السوري، وصولاً إلى قيامها بضربات جوية مكثفة هناك، وقيام الكونغرس على خلفية ذلك الأمر بإجراء تحقيق موسع في أسباب فشل وكالة المخابرات الأميركية “سي آي إيه ” في توقع التدخل العسكري الروسي في سوريا بهذا الشكل. ونظرا لهذا القصور الاستراتيجي الذي بدا واضحا سعت أميركا خلال الفترة الأخيرة لصياغة استراتيجية جديدة لمعالجة التخبط في تعاملها مع الأزمة السورية، وذلك بقيامها بعدة أمور، من أبرزها:
أولا: أعلنت وزارة الدفاع الأميركية يوم 9 أكتوبر الجاري عزمها تقليص برنامج تدريب المعارضة السورية، على أن يشمل تغيير النموذج السابق الذي كان يقوم على تدريب وحدات من المشاة، إلى نموذج من شأنه أن يؤدي إلى إمكانات قتالية وعسكرية أكبر، والتوقف عن تدريب قوات معارضة سورية جديدة، والاتجاه لتسليح القوى الموجودة فعلياً على الأرض وتجهيزها، خاصة في مناطق التماس مع تنظيم داعش.
ثانيا: الدفع بتشكيل “الجيش السوري الديمقراطي” الذي يضم حوالي 50 ألف مقاتل كردي عربي نصفهم من وحدات حماية الشعب الكردي، استعداداً لاقتحام مدينة الرقة عاصمة تنظيم داعش، بالتنسيق مع غارات التحالف الدولي، وقيام طائرات شحن أميركية بإلقاء آلاف الأطنان من الذخيرة لأطراف هذا التشكيل الجديد.
ثالثا: تقوم واشنطن حالياً بضم برنامج تدريب المعارضة التابع لوزارة الدفاع (البرنامج العلني) في شمال سوريا إلى برنامج وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” الذي يتركز في جنوب سوريا قرب حدود الأردن (البرنامج السري).
ويتمثل الهدف الرئيسي للولايات المتحدة حالياً في سوريا في السيطرة على مدينة الرقة وطرد داعش منها، ليتسنى لإدارة أوباما تقديم ذلك كـ"نصر رمزي كبير" بعد تدخل روسيا عسكرياً في سوريا حفظا لماء الوجه؛ وهو ما يصعب تحقيقه بشكل سريع، لاسيما في ضوء محاولة تشكيل قوة تتكون من 50 ألف مقاتل قد يكون التنسيق في إدارة عملياتها القتالية على الأرض عسيراً، وربما لن تستطع طائرات التحالف العمل بحرية إلا بالتنسيق مع روسيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق