وكالات: تضاربت الأنباء أمس في العراق بشأن الجهة المسؤولة عن حادثة إطلاق النار على موكب وزير الدفاع خالد العبيدي بشمال مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين. وسارعت القنوات الرسمية إلى نسبة الحادث إلى تنظيم داعش الذي سبق أن أُعلن عن هزيمته في المحافظة المذكورة و"تطهير" أغلب مناطقها من عناصره. غير أن مصادر عراقية غير رسمية لم تستبعد ضلوع ميليشيات شيعية ناشطة بكثافة في محافظة صلاح الدين بمحاولة اغتيال الوزير، على خلفية عدم الرضى الذي كثيرا ما عبّرت عنه أطراف شيعية عراقية بشأن إسناد وزارة في أهمية وزارة الدفاع لشخصية سنية مطالبة بإسنادها لإحدى الشخصيات الشيعية. وذهب أكثر تلك الشخصيات تطرفا إلى القول بأن "الوزير العبيدي ينتمي إلى ذات الخلفية الطائفية التي ينتمي إليها داعش"، متهمة إياه بعدم الكفاءة في مقارعة التنظيم. وربطت مصادر أخرى محاولة اغتيال العبيدي بعملية خلط الأوراق التي انخرطت فيها بقوّة جهات عراقية معنية بملف الفساد وخائفة من المحاسبة مثل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي توجّه إليه اتهامات خطرة أحدثها ما أوردته صحيفة أميركية من أنّه تسبب بإفلاس الدولة العراقية طيلة سنوات حكمة الثماني وجعلها تواجه اليوم متطلبات الحرب ضدّ داعش بخزينة شبه خاوية.
وسواء كان المسؤول عن التعرّض لموكب وزير الدفاع أمس داعش أو الميليشيات الشيعية، فإن الحادثة تعكس مقدار التدهور الأمني في البلاد وجرأة الجماعات المسلّحة على رموز الدولة دون استثناء، خصوصا أن الحادثة جاءت أياما بعد مقتل قائدين عسكريين كبيرين هما اللواء الركن عبدالرحمن أبو رغيف قائد عمليات الأنبار، والعميد الركن سفين عبدالمجيد قائد الفرقة العاشرة على أيدي مسلحي تنظيم داعش في محافظة الأنبار. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع العراقية أمس إن الوزير خالد العبيدي نجا بعد تعرض موكبه لنيران قناصة أثناء زيارة ميدانية لمنطقة قرب مدينة بيجي على بعد 190 كيلومترا شمال العاصمة بغداد. ونُقل عن مصادر أخرى قولها إنّ الوزير لم يصب بأذى وأن الخسائر اقتصرت على إصابة أحد مرافقيه. وتضم بيجي أكبر مصفاة للنفط في العراق وتحوّلت إلى رمز لتعثّر الحرب ضد تنظيم داعش وعدم فاعلية التعويل في خوضها على الميليشيات الشيعية، إذ أن المعارك في بيجي متواصلة منذ أكثر من عام دون أن تنجح القوات المسلّحة بمساندة ميليشيات الحشد الشعبي في استعادة المنطقة ذات الأهمية الاقتصادية الكبيرة للبلد الذي يعاني صعوبات مالية خانقة يعزوها المراقبون لاستشراء الفساد وانتشاره وتواصله منذ سنة 2003.
وبعد الإعلان عن انتصارات كبيرة في محافظة صلاح الدين واستعادة تكريت مركز المحافظة، ظلت بيجي الواقعة بشمال المحافظة مدار معارك شرسة لم تنجح القوات العراقية والميليشيات الشيعية في حسمها، بل إن تنظيم داعش تمكّن مؤخرا من استعادة أجزاء من المنطقة كانت قد انتزعت من سيطرته. ويكاد النفط يمثل المورد الوحيد لخزينة العراق، وقد أدى تضافر تراجع أسعاره من ظاهرة الفساد المستشرية في البلد إلى صعوبات مالية كبيرة يقول الخبراء إنها تؤثر بشدة على المعركة ضد تنظيم داعش والتي تتطلب مصاريف باهظة. ووردت في تقرير حديث لصحيفة أميركية مختصة في الشؤون العسكرية تصريحات منسوبة للسفير العراقي في واشنطن لقمان الفيلي مفادها أن قدرة العراق على محاربة تنظيم داعش تأثرت كثيرا بسبب الأزمة المالية التي جعلت الحكومة تعمل على تلبية الاحتياجات العاجلة فقط، مشيرا إلى أن حكومة بغداد عاجزة حاليا عن تسديد رواتب الجنود والمتطوعين، "الأمر الذي أثر كثيرا على سير المعارك ومعنويات الجنود".
كما نقلت صحيفة ستارز آند ستريبس -ناطقة باسم القوات الأميركية وتأسست سنة 1861 ويحيل عنوانها على العلم الأميركي المزين بنجوم وخطوط- عن عدد من المحللين السياسيين، قولهم إن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، أفرغ خزينة البلاد، الأمر الذي جعل من العراق يعيش في أزمة مالية خانقة، ساهم فيها الانخفاض الكبير في أسعار النفط في وقت تحارب فيه البلاد تنظيم داعش. كما نقلت عن المحلل السياسي الأميركي بين فان هيوفلين قوله "إن أحد الأسباب الرئيسة للأزمة في العراق هي إدارة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي الذي ترك الخزينة خاوية من أي مصدر يمكن الاستناد إليه في حال الهبوط المحتوم لأسعار النفط، مبيّنا أن "خليفة المالكي، رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي، قام بإجراءات جيدة تضمنت تقليصات حادة في النفقات، والبحث عن مصادر مالية خارج القطاع النفطي، برغم عدم وجود ما يكفي من فرص تمكنه من انتشال البلاد من حافة الانهيار". وأشارت ذات الصحيفة إلى أن الحكومة العراقية تنفق غالبية وارداتها النفطية على الجهد العسكري، حيث تسعى إلى إعادة ترتيب قواتها التي انهارت أمام تنظيم داعش. وحسب متابعين للشأن العراقي فإن تنظيم داعش ليس مصدر التهديد الوحيد لهيبة الدولة العراقية، بل إن الميليشيات الشيعية المشاركة بدورها في الحرب على التنظيم تضخّمت واكتسبت من أسباب القوة ما جعلها تصبح منازعة لصلاحيات الدولة وسلطاتها، ولن تتردّد في تصفية أي مسؤول لا يتوافق وجوده مع مصالح قادتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق