إرم نيوز: عادت العلاقات التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية لتأخذ منحىً أكثر تناغماً عقب أعوام من التوتر والهدوء الهش، في ظل تخفيف مسؤولي البلدين من حدة لهجتهم تجاه الآخر، وإعادة أنقرة تقييم علاقاتها الخارجية عقب الانتكاسة التي مني بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات التشريعية السابقة. وتضافرت عوامل عدة؛ داخلية وخارجية، لتفرض على الحكومة التركية، إجراء نقد ذاتي، وتجديد فتح قنوات دبلوماسية مع حلفائها الغربيين، ليغيب التشنج الذي كان سمة الخطاب التركي خلال الأعوام الماضية. وجاءت خسارة حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية الحاكم للغالبية التشريعية، في الانتخابات البرلمانية، التي جرت يوم 7 حزيران/يونيو الماضي، بعد أكثر من 13 عاماً من انفراده بالحكم، لتكون أبرز الأسباب الداخلية للتقرب من حلفاء الأمس. في حين شكلت مخاوف أنقرة من طموحات الأكراد السوريين على الحدود الجنوبية لتركيا، ودعم الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الإسرائيلي لهم، درساً للأتراك، بضرورة وقف التشدد مع الحلفاء الغربيين، وعدم إهمال العلاقات معهم.
ونال التعاون الذي أبدته أنقرة في “الحرب على الإرهاب” استحسان واشنطن، إذ أثنى المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، مارك تونر، اليوم الثلاثاء، على المساهمات التي قدمتها تركيا، ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، في إشارة إلى توجيه تركيا لضربات لداعش، ومشاركتها قبل أيام في أول طلعة جوية لضرب التنظيم المتشدد، والسماح للطيران الأمريكي باستخدام قاعدة “أنجرليك” الحساسة جنوب البلاد، لطلعاته الجوية. كما تأتي خطوة تركيا في تعيين مهندس العلاقات التركية الإسرائيلية، فريدون سينيرلي أوغلو، المعروف بعلاقاته الواسعة مع القيادات الصهيونية، كوزير للخارجية التركية في الحكومة المؤقتة، لتبرهن للغرب بأنها الحليف الأهم له في المنطقة. وتأتي الجهود الرسمية التركية، في الوقت الذي يعتبر معارضون أنها جاءت في الوقت الضائع، وأنها لن تمنع الأمريكيين من استمرارهم في دعم حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) المعادي لأنقرة. كما وصفوا عودة العلاقات بأنها “ربيع كاذب” يدخل في إطار المجاملات الدبلوماسية، واختيار السياسيين لألفاظهم بعناية أكبر، لأن ما زرعه حزب العدالة والتنمية، من فكر معادٍ للغرب، وبعيد عن نهجه، خلق حالة من انعدام الثقة بالحكومة التركية المحافظة.
ولا تروق للولايات المتحدة، الطموحات السُّلطوية لرجل تركيا الأقوى؛ أردوغان، الذي يسعى بكل طاقته، لعدم تقبل الهزيمة، عبر دعمه للحزب الحاكم الذي كان يتزعمه، في الانتخابات المبكرة، المقرر إجراؤها في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر القادم، عله يتمكن من العودة للانفراد بالحكم، ما يحقق طموح أردوغان في تغيير الدستور، وتحويل البلاد إلى نظام رئاسي، يمنحه المزيد من السُّلطات، ويجعله أول رئيس تنفيذي لتركيا. كما توجه واشنطن انتقادات لاستمرار نهج الحزب الحاكم، الإسلامي المحافظ، بالإضافة إلى التضييق على الحريات العامة، وحرية الصحافة، والتجاوزات التي تحدث بين الحين والآخر، لتمس مبدأ فصل السُّلطات. وبدأت أولى إشارات التوتر في العلاقات الأمريكية التركية، خلال الحرب الأمريكية على العراق، عام 2003، ومطالبة الأكراد بالاستقلال عن الحكومة المركزية في بغداد، ما زاد مخاوف أنقرة من انعكاس حصول أكراد العراق على دولة مستقلة على الأمن الداخلي التركي، وارتفاع سقف مطالب أكراد تركيا. وأدى شن حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) لغارات على الأراضي التركية، من مخابئ في إقليم كردستان العراق، وعدم تحرك الاحتلال الأمريكي لضرب تلك البؤر، إلى ارتفاع مشاعر كره الأتراك للولايات المتحدة.
وبينما اعتمدت واشنطن بعد غزو العراق، سياسة عزل كل من إيران وسوريا، تقربت أنقرة -حينها- من البلدَين المعاديَين للسياسات الأمريكية، ما زاد حدة الخلاف، وخاصة أن تركيا رفضت توجيه ضربة عسكرية لإيران. وفي ظل فضيحة الفساد التي عصفت بالحكومة التركية، بقيادة حزب العدالة والتنمية، وجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 2013 -بصفته الوظيفية آنذاك كرئيس للوزراء- تهديداً لسفراء أجانب، متوعداً إياهم بالطرد من البلاد، في حال استمرارهم بالضلوع في “أعمال استفزازية من شأنها زعزعة الأمن، والتدخل في الشؤون التركية الداخلية” في إشارة إلى السفير الأمريكي “فرنسيس ريتشاردوني” الذي اتهمه إعلام موالٍ للحكومة التركية بأنه انتقد مصرف “خلق” المملوك للدولة، لمشاركته في صفقات غير قانونية مع إيران.
وشهدت المرحلة الماضية فترة هدوء هش، شابه انقطاع دام لشهور، ولّد خلافات عميقة حيال أبرز القضايا العالقة؛ وعلى رأسها الأزمة السورية، إذ رفضت واشنطن رغبة أنقرة الملحة في إسقاط النظام السوري، وإقامة مناطق عازلة داخل سوريا. ومنذ العام 2013، شهدت العلاقات تباعداً حول الملف المصري أيضاً، على خلفية دعم واشنطن للحكومة المصرية، التي يعاديها أردوغان، الداعم لحركة “الإخوان المسلمين” المحظورة. وأياً كان توصيف التقارب الحالي بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، فإن العلاقات الإستراتيجية على المدى الطويل، تفرض على الحليفين التقليديَّين، التقارب، مهما اختلفت الرؤى التكتيكية الآنيّة. فتركيا تُعدّ من أبرز دعائم السياسة الغربية في المنطقة، وهي الدولة المسلمة ذات الثقل الجغرافي والإقليمي والاقتصادي، وصاحبة ثاني أكبر جيوش حلف شمال الأطلسي (الناتو) والدولة المسلمة الوحيدة العضو فيه، التي طالما استثمرتها الولايات المتحدة لمواجهة المعسكر الاشتراكي، منذ أزمة الحرب الباردة في ثمانينيات القرن الماضي، كما استثمرتها لتمرير سياساتها في المنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق