وكالات: تدفن السلطات التركية رأسها خلف مأساة غرق مئات اللاجئين المنطلقين من سواحلها إلى الجنة الأوروبية الموعودة، وتركز على مطالبة الغرب باستقبال اللاجئين، متغاضية عن الدور اللاقانوني بالسماح لشبكات إجرامية بأن تتاجر بالبشر على أراضيها. وخلف هول صدمة صورة الطفل السوري الذي مات غرقا وعثر على جثته على رمال شاطئ تركي، غابت الأسئلة عن مسؤولية السلطات التركية التي تسمح للمهربين العمل بحرية ودون ملاحقة. وفيما اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدول الأوروبية بتحويل البحر المتوسط إلى "مقبرة للمهاجرين" تجاهل الإشارة إلى دور خفر السواحل الأتراك حيث تنطلق مئات القوارب في رحلات الموت، وعما إذا كانوا فعلا “شركاء مع المهربين".
وتؤمن تجارة تهريب البشر القاتلة مليارات الدولارات، تتغذى من إحباط عدد متزايد من الأشخاص الهاربين من الحرب والفقر المتفشيين في بلدان مثل سوريا والعراق وأفغانستان وإريتريا والصومال. وتستخدم عصابات المهربين التي تدأب على تنظيم عملها شبكات التواصل الاجتماعي ومسارات تعرفها ووسائل سريعة لإيصال أعداد كبيرة من اللاجئين والمهاجرين من السواحل التركية إلى أوروبا. ويتقاضى المهربون مبلغا يصل إلى 1500 دولار عن كل فرد يقومون بتهريبه ولا يهتمون بتوفير سترة نجاة له ثمنها خمسة دولارات. ويستعد الاتحاد الأوروبي للتحرك عسكريا في الأسابيع المقبلة لاعتراض سفن المهربين بعد أن أطلق عملية واسعة النطاق لمكافحة المهربين في البحر المتوسط. وحددت السلطات الأوروبية مجموعة دولية قوامها “30 ألف مشتبه بهم” في كل أنحاء أوروبا ينشط ثلاثة آلاف منهم في البحر المتوسط وينتمي بعضهم إلى بلدان ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي يتبادل المكتب الأوروبي للشرطة (اليوروبول) معها المعلومات.
وقال روبرت كريبينكو المسؤول عن مكافحة شبكات الجريمة المنظمة في إطار المكتب الأوروبي للشرطة "هذه أولويتنا بالتأكيد ليس من قبل اليوروبول فقط، بل على صعيد جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي". وأضاف كريبينكو في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أن الاتجار بالبشر لا يشكل خطرا على الراغبين في الهجرة فقط بل يمثل "تحديا كبيرا لجميع الدول الأعضاء أيضا، سواء على الصعيد الإنساني أو الأمني". وأوضح أن هؤلاء المهربين من مختلف الجنسيات والأديان يضعون خلافاتهم جانبا من أجل التعاون في شأن كل حالة على حدة، حسب الحاجات وحيث يمكنهم أن يكسبوا المال. ومثال ذلك الشبكة التي كشفت في اليونان وكانت تضم ستة عشر مهربا هم رومانيان ومصريان وباكستانيان وسبعة سوريين وهندي وفيليبيني وعراقي. وهؤلاء المهربون الذين كسبوا خلال بضعة أشهر حوالي 7.5 مليون يورو، كانوا يوصلون إلى أوروبا سوريين من خلال تهريبهم بأوراق مزورة من تركيا إلى اليونان، سواء عبر طرق بحرية وجوية أو برية. وأكدت إيزابيلا كوبر المتحدثة باسم الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود (فرونتكس)، أن الاتجار بالبشر الذي يشبه أحيانا الاستعباد الجنسي والاستغلال في وظائف بأجور زهيدة، هو “التجارة الأكثر ربحا على ما يبدو" من كل الأنشطة الإجرامية، ويتخطى حتى تجارة الأسلحة وتجارة المخدرات.
ويدأب المهربون على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وسواه للتعريف بخدماتهم والتفاوض على أسعارها وتنظيم مسارات المهاجرين. وتتقاسم فرونتكس معلوماتها مع البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث كشفت شبكة يقودها إريتريون ترسل مهاجرين من هذا البلد إلى ليبيا مرورا بالسودان، على أن يصلوا في النهاية إلى إيطاليا. وفي أفريقيا الغربية وجنوب الصحراء، يستخدم المهربون مجموعة كاملة من الشاحنات والملاجئ لاستقدام المهاجرين إلى ليبيا. وإحدى الطرق المستخدمة تمر بغانا وبوركينا فاسو والنيجر. وعندما يصل المهاجرون إلى ليبيا، ترسلهم شبكات متخصصة لاجتياز البحر المتوسط على متن سفن صيد أو زوارق مطاطية صغيرة "استوردوها من الصين" كما تعتقد فرونتكس، ويحملونها أكثر من قدرتها الاستيعابية. وتفيد شهادات تسلمتها فرونتكس، أن بعض المهربين أرغموا مهاجرين على الصعود إلى زوارق قديمة مهددين إياهم بالمسدسات بعدما أدرك هؤلاء خطورة الإبحار على متنها. وخلصت كوبر إلى القول إن ليبيا هي "منجم ذهب للمهربين" لعدم وجود فعلي للقانون فيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق