العرب اللندنية: بدأت حركة التعيينات في المناصب الحكومية التونسية تُثير حولها رياحا عاصفة تُنذر بمعركة سياسية عنيفة داخل أحزاب الائتلاف الحكومي، وبقية الأحزاب الأخرى قد تنتهي بإعادة تشكيل المشهد الراهن، عبر عملية فرز سياسي ستكون لها تداعيات مباشرة على مُجمل الأوضاع في البلاد. ويرى مراقبون أن هذه المعركة التي انطلقت على وقع سجال إعلامي ارتفعت فيه الأصوات المطالبة بحصة لهذا الحزب أو ذاك في سياق حركة التعيينات التي يعتزم رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد تنفيذها، مُرشحة لأن تتطور بشكل لافت بعد أن تحولت إلى ما يُشبه كرة الثلج التي كلما تدحرجت زاد حجمها. وساهمت الانتقادات التي وجهتها حركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي إلى رئيس الحكومة الحبيب الصيد على خلفية برنامجه لحركة التعيينات في اندفاع بقية الأحزاب الأخرى نحو المطالبة بحصتها ما جعل هذه المعركة تُصبح مُتعددة الأطراف، ومتنوعة الأهداف، وسط تجاذبات سياسية حادة. وتتعلق حركة التعيينات التي فجرت هذه المعركة بمناصب مُرتبطة بالولاة (المحافظون) والمعتمدين (منصب حكومي أقل درجة من المحافظ)، والسفراء والقناصل، إلى جانب عدد من الوظائف والمناصب الهامة الأخرى.
ولم يُعلن رئيس الحكومة الحبيب الصيد عن برنامجه بشأن تلك التعيينات، ومع ذلك سارعت حركة النهضة الإسلامية إلى انتقاد هذا البرنامج، وطالبت في بيان صادر عنمجلس الشورى التابع لها بمراجعته، فيما دعا الحزب الوطني الحر برئاسة سليم الرياحي إلى تمكين حزبه من حصته من تلك التعيينات، بينما التزم حزب آفاق تونس، أي الحزب الثالث الذي يُشارك في الائتلاف الحكومي، الصمت لغاية الآن. غير أن هذا الصمت لا يعني أن هذا الحزب غير معني بتلك التعيينات، كما أن ذلك لا يعني أنه خارج سياق هذه المعركة التي تدور حاليا بين أعضاء الائتلاف الحكومي، أي حركة نداء تونس، وحركة النهضة الإسلامية، والحزب الوطني الحر، وحزب آفاق تونس. ويُرجح المراقبون أن تتفاعل هذه المعركة بشكل حاد، خاصة بعد تصريحات محسن مرزوق الأمين العام لحركة نداء تونس التي شدد فيها على ضرورة أن تشمل حركة التعيينات عملية مراجعة للتعيينات الحكومية التي تمت خلال فترة الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية التي تمتد بين عامي 2012 و2014. وكان مرزوق قد اعتبر في تصريحات نشرتها صحيفة "لابراس التونسية الناطقة بالفرنسية، أنه "يجب مراجعة التعيينات التي تمت في عهد الترويكا وذلك لأهمية المناصب الجهوية والمحلية التي يحتلونها ومدى تمشي عملهم مع استراتيجية الحكومة الحالية في محاربة الإرهاب ومدى التزامهم بهذه المعركة". واعتبر أن مسألة التعيينات هي واحدة من القضايا الأساسية و"التعديل فيها يُعتبر من الأولويات خاصة أن العديد من الناشطين في منظمات المجتمع المدني في الكثير من المناطق أكدوا أن هؤلاء لا يعملون في إطار الأهداف العامة التي حددتها الحكومة".
ويبدو أن هذا الموقف هو الذي أثار خشية حركة النهضة الإسلامية التي تسعى بكل الوسائل للحفاظ على تلك التعيينات التي نفذتها في سياق خطة تستهدف السيطرة على كافة مفاصل الدولة، ما يعني أن هذه المعركة ستكون ساخنة سياسيا وسط سيناريوهات خطيرة. وبحسب المُحلل السياسي هشام الحاجي، فإن معركة التعيينات "ليست سوى نقطة ظاهرة في جبل جليد من التباينات والخلافات داخل الائتلاف الحاكم، وداخل كل حزب من تلك الأحزاب". وقال لـ"العرب"، إن الأسس التي بُني عليها هذا التحالف أصبحت الآن في دائرة إعادة النظر في ظل ثلاثة سيناريوهات يتداولها حاليا قادة أحزاب التحالف الحكومي، أولها يدعو إلى ضرورة الحفاظ على التحالف الراهن، فيما يرى الثاني ضرورة فك ارتباط هذا الائتلاف بحيث تتحمل حركة نداء تونس مسؤوليتها في الحكم، وتتحول النهضة إلى المعارضة، بينما يدعو الثالث إلى استبعاد حزبي الوطني الحر وآفاق تونس من هذا الائتلاف الحاكم، وبالتالي تقاسم السلطة بين حركتي نداء تونس والنهضة. ولا تُخفي الأوساط السياسية خشيتها من تداعيات السيناريو الثالث، ومع ذلك، يرى هشام الحاجي، أن معركة التعيينات، تندرج في سياق الإعداد لتصور جديد لممارسة الحكم خلال المرحلة القادمة من خلال الإقدام على تغيير حكومي كبير، أو الدفع نحو إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق