الطوارق یتھمون فرنسا بدعم الحرب الأخیرة في لیبیا ما بعد الناتو
جیرمي كنان 2015 ,18.Aug ( ترجمة أبوبكر أكحتي): فیجاي براشاد، مؤلف كتاب الربیع العربي و الشتاء اللیبي (2012) وحامل كرسي إدوارد سعید في الجامعة الأمیركیة في بیروت (2014-2013)، وصف مؤخرا الوضع في لیبیا بأنه "على وجه التحدید نتیجة لنوع من الحرب التي شنھا حلف شمال الأطلسي في لیبیا، ودمر البنیة التحتیة، وانھارت الدولة، وتم معاملة مجموعة من المیلیشیات المختلفة معاملة الأبطال.
بینما قلة من المحللین الليبيين سوف یختلفون مع ھذا التقییم، فإن ذنب الناتو في ما یحدث في لیبیا یتجاوز لیبیا.، كما ھو الحال مع غزو بوش وبلیر للعراق، لم یعطى ولو ذرة تفكیر واحدة من قبل وزارة الخارجیة الأمریكیة، وزارة الخارجیة والكومنولث في المملكة المتحدة، ولا أیة جھة كانت من الحكومة الفرنسیة للعواقب الناتجة عن الغزو.
حدثت عواقب كارثیة لتدخل حلف الناتو في لیبیا في كل من مالي، وبدرجة أقل في النیجر وتشاد، وكل ذلك أصبح الآن موثق بشكل جیدا والأسئلة التي تطرح الآن وبشكل محدد تبدأ بسؤال: ماذا تفعل بالضبط القوات الفرنسیة المشكلة من 5000 جندي؟ أو حتى ما ھي المھمة التي تقوم بھا فعلا في تلك البلدان؟ حتى الآن، تدخل فرنسا العسكري في منطقة الساحل - موریتانیا ومالي والنیجر وتشاد - كان أولاً باسم عملیة "سرفال" وبعد ذلك عملیة "بارخان"، تزامن ھذا التدخل مع ازدیاد حالة عدم الاستقرار السیاسي في مالي، وتزاید المشاعر المعادیة للفرنسیین في النیجر، وانتشار الحركات الجھادیة في جمیع أنحاء المنطقة برمتھا، وتوسع "بوكو حرام" في نیجیریا في كل من النیجر وتشاد. وفرنسا تقول أن ھذه الأمور ھي مجرد صدفة ولأسباب اعتبارھا القوة الاستعماریة السابقة وجدت نفسھا مرغمة لإرسال قواتھا المسلحة إلي المنطقة.
ولكن السكان المحلیین قد یمیلون للاختلاف مع ھذا الرأي. في الواقع، إن جدید تدخل "حلف شمال الأطلسي" ھو إشعال حرب بعیدا عن أعین الصحفیین الغربیین تبدو مشئومة حیث دمرت سلام في مناطق الصحراء اللیبیة النائیة دام أكثر من 120 سنة، ورجال القبائل الطوارق یتھمون فرنسا بأنھا تقوم بإعادة تصمیم مصالحھا الخاصة في الجنوب اللیبي.
• صراع الطوارق والتبو
ھناك وضع خطیر یتطور في لیبیا وفزان تحدید منذ سبتمبر 2014، فالقتال المتقطع بین الطوارق والتبو ومعظمھم في منطقة سبھا-أوباري (وھي مناطق من فزان) بدأ یتصاعد ومنذ منتصف یولیو (2015)، وكلمة "حرب" استخدمت على نحو متزاید لوصف حدة ھذا الصراع.
أحدث جولة من القتال بین الطوارق والتبو، التي بدأت في منتصف یولیو تموز ھي النتیجة الأخطر الغیر متوقعة للتدخل العسكري لحلف الناتو آخر عام 2011 وإذا لم یتم إیقافھا بسرعة، فسیكون لھا عواقب بعیدة المدى.
العلاقات بین الطوارق والتبو، وھم القبیلتین المعروفتین جیدا من البدو الرحل في الصحراء، ھي علاقات معقدة وتعود لتاریخ عصر ما قبل الاستعمار. بینما ینظر بعض علماء جغرافیة الأجناس إلي ھذه العلاقة كعلاقة عداء تقلیدیة، فإن معاھدة میدي میدي بین الطوارق والتبو اللیبیین - أو معاھدة "آمیدي میدي"، كما یطلق علیھا بعض الطوارق - قد وقعت منذ فترة طویلة في عام 1893، وصمدت بقوة لأكثر من 120عاما.
معاھدة "آمیدي میدي" أنھت تسع سنوات من الحرب بین القبیلتین، حیث سعى التبو خلالھا لاحتلال أراضي الطوارق في فزان - الاسم الذي یطلق على منطقة جنوب غرب الصحراء الشاسعة في لیبیا، تحدھا الجزائر إلى الغرب والنیجر إلى الجنوب -، وقد قال وجھاء قبائل الطوارق أن ذلك الصراع كان بسبب سرقة الماشیة، ولكن في الواقع كان حول السیطرة على طرق القوافل عبر الصحراء. الیوم، الطوارق اللیبیین یتھمون التبو بمحاولة وضع أیدیھم على حقول النفط بفزان.
• الخلفیة الجغرافیة والتاریخیة
الحدود المتفق علیھا بناء على اتفاقیة میدي میدي بین الطوارق والتبو، ھي الخط الممتد بین الشمال والجنوب مرورا بالقطرون وحقول النفط الشرارة و الفیل تقع ضمن أراضي الطوارق التقلیدیة، كونھا تقع بالقرب من بلدة أوباري التي یسكنھا الطوارق بشكل رئیسي.
بناء على اتفاقیة میدي میدي كل السلع الداخلة إلى لیبیا شرق المثلث "سان سلفادور" على الحدود مع النیجر تعتبر في أراضي التبو. والسلع الداخلة غرب مثلث "سان سلفادور" تعتبر في أراضي الطوارق. جنوب حدود لیبیا والنیجر الخط الفاصل بین الطوارق والتبو یمتد من الشمال إلي الجنوب عابرا صحراء "تینیري" الواسعة، ھضبة "دجادو" وواحات "مداما" و"كوارا" شرق "تینیري" ھي أراضي التبو، غرب "تینیري" یقع آیر أرض الطوارق.
كانت الحیاةبسیطة نسبیا، على الأقل في تلك المسائل. خلال الحقبة الاستعماریة، عاش معظم التبو في تشاد، خاصة في شریط أوزو المتنازع علیھ في شمال تشاد. ویقدر عدد التبو في لیبیا في ذلك الوقت بما یزید قلیلا على 200 أسرة، موزعة في واحات الكفرة، تاجرھي والقطرون.
قبل استقلال لیبیا، حاولت فرنسا ضم منطقة فزان في إلى الجزائر، ولكن ظلت القوى القبلیة الرئیسیة الطوارق و"أولاد سلیمان" موالین للأمیر إدریس، زعیم السنوسیة، الذي نصب على العرش في عام 1951 عندما نالت البلاد استقلالھا. عدد قلیل من التبو كانوا متواجدین في ذلك الوقت، كانت أعددھم صغیرة وكانوا موالیین لسلطنة "أوزو" في شمال تشاد، ولكن مع احتلال معمر القذافي لشریط أوزو في عام 1973 والطرد المھین لجیشه من تشاد في عام 1987، انتقل العدید من التبو التشادیین للیبیا، انتقلوا في الغالب إلى واحة الكفرة في جنوب شرق لیبیا ومدن مرزق وسبھا (سبھا یسكنھا 130000 نسمة وھي عاصمة فزان) وكانت النتیجة أن التبو شكلوا منطقة دیموغرافیة بحكم الأمر الواقع في لیبیا توسعت في قوس یمتد من "العوینات" في أقصى الجنوب الشرقي مرورا بواحة "الكفرة"، شمال غرب "تازربو"، ثم غربا إلى "زویلة" المتاخمة لسبھا وامتد أبعد إلي غرب الحدود الأصلیة لاتفاقیة میدي میدي، مرورا بالقطرون، إلى مرزق ولكن لم یصل ذلك لمدینة أوباري التي ظلت حوالي 80٪ طوارق و20٪ عرب وأعراق أخرى.
حتى مع ھذا الزحف الطفیف للتبو غربا نحو أراضي الطوارق، وخصوصا حول مرزق، ظل اتفاق السلام الأساسي میدي میدي صامدا، أعطى القذافي معظم التبو الجنسیة اللیبیة، كما فعل مع معظم الطوارق، ولكنه كان بالنسبة للجزء الأكبر منھم عبارة عن مواطنة من الدرجة الثانیة، وكانت النتیجة أن القبیلتین یشتركان في التھمیش السیاسي والاجتماعي الذي مورس علیھم في عھد القذافي.
التعداد الدقیق للطوارق والتبو غیر معروف في لیبیا، التقدیرات الأكثر موثوقیة للطوارق في لیبیا تبلغ نحو 70000 نسمة. تعداد السكان التبو أقل موثوقیة، رسمیا، یبلغ عدد التبو في البلاد حوالي 15000 نسمة، ولكن بعض التقدیرات تصل إلى 200000 نسمة وقد عرض تقریر صحفي في یولیو 2015 رقم مبالغ فیھ 800000 نسمة وذكر تقریر أكثر واقعیة من وزارة الداخلیة البریطانیة في فبرایر 2015 أن السكان التبو اللیبیین في حدود "عشرات الآلاف.".
• بعد القذافي
بعد سقوط القذافي في عام 2011، وظلت الروابط بین الطوارق والتبو قویة نسبیا، في یولیو 2012 عقدت القبیلتین احتفال مشترك بمعاھدة میدي میدي، وفي مارس 2013 وقفوا جنبا إلى جنب في منتدى الطوارق والتبو تحت شعار تعزیز التلاحم الوطني اللیبي، وبعد شھر وقفوا معا من جدید في احتجاج للمطالبة بأن الدستور اللیبي الجدید یجب أن یكون بتوافق الآراء ولیس بفرض الأغلبیة.
ثم في سبتمبر 2014، بدأ تساقط العجلات، بعد أن تم حل مواجھة بین الشباب الطوارق والتبو على الأقل لبضع ساعات في اجتماع لكبار السن، دخلت قوات التبو في معقل الطوارق أوباري یوم 19 سبتمبر.
تفاصیل ومنشأ المعارك التي وقعت في أوباري وما حولھا سبتمبر الماضي، والذي استمر بشكل متقطع منذ ذلك الحین، تعتبر غامضة.
لم تكن الصحراء اللیبیة خالیة من القتال منذ سقوط القذافي، حیث إن معظم العملیات القتالیة ما بعد القذافي في جنوب لیبیا كانت أما بین القبائل العربیة أو بین التبو والقبائل العربیة، ولا سیما أولاد سلیمان ومیلیشیات أخرى مرتبطة بالقذاذفة، ورفلة، الحساونة، وقبائل المحامید. وكان الطوارق، إلى الغرب في مناطق أوباري، غدامس وغاتغیر متورطین تماما.
معظم الصراع في سبھا كان یقوده في الغالب التنافس على الھیمنة السیاسیة في حقبة ما بعد القذافي والرغبة في الوصول إلى الموارد الاقتصادیة والقتال الأخطر في أوائل 2014 كان بین أولاد سلیمان والقذاذفة وتعود جذوره للأسابیع الأخیرة من الانتفاضة اللیبیة عام 2011، وأسفر عن احتلال عدة قواعد عسكریة في سبھا. بعض التبو ولیس الطوارق من شارك في ھذا القتال، مما أدى إلي حوالي 100 حالة وفاة وانتھي فقط عندما تدخلت كتائب من مصراتة والزنتان، وبفضل وساطة خارجیة تم أنھا حالات من القتال المتقطع في المنطقة خلال الكثیر من عام 2014.
• نوع آخر من الحرب
كانت الاشتباكات التي بدأت بین التبو والطوارق في أوباري في سبتمبر 2014 مختلفة لسببین: أولا، كانت أول اختراق واضح لمعاھدة آمیدي میدي منذ 120 سنة. ثانیا، ھو قتال یحمل خصائص توحي بأنھ كان أكثر من مجرد صراع بین قبائل.
تقریبا منذ البدایة، كان واضحا أن التبو یقومون بمھاجمة أوباري بالاعتماد على ملیشیات من مرزق، وكذلك بعض من قوة درع لیبیا المجودة بسبھا. سریعا ما أدرك الطوارق أن ھذه العناصر الخارجیة ھي "القوات الثالثة" على الرغم من ضبابیة وسرعة تغیر قوات الملیشیات اللیبیة فإنھا على كل حال واضحة.
تفاقم التوتر بین الطوارق والتبو منذ إنشاء حكومتین متنافستین في لیبیا في عام 2014. وكانت الحكومة الشرقیة، ومقرھا في طبرق، والتي یتزعمھا رئیس الوزراء عبد الله الثني ومعترف بھا من قبل معظم المجتمع الدولي وھي مدعومة من قبل قوات عملیة الكرامة بقیادة اللواء خلیفة حفتر.
جاءت حكومة طرابلس إلى حیز الوجود في أغسطس 2014 بعد تحالف مظلة قوات تسمي نفسھا "عملیة فجر لیبیا" بقیادة میلیشیات مصراتة القویة وحلفائھم ذوي المیول الإسلامیة، أخرجت ھذه القوات قوات الجنرال حفتر ومیلیشیات الزنتان من مطار طرابلس الدولي، وسیطرت على العاصمة طرابلس، وأجبرت حكومة الثني على الانسحاب إلى الشرق. قامت القوات التي تقودھا مصراتة بتشكیل برلمانھم المنافس وحكومة في طرابلس، واستولت على الوزارات وسیطرت على نحو فعال على أجزاء من غرب ووسط لیبیا. منذ ذلك الحین، كانت ھناك اشتباكات متكررة بین الطوارق والتبو، ودون الوقوع في خطر التبسیط ومع وجود أدلة قاطعة قلیلة، یعتقد على نطاق واسع أن التبو یتلقون المساعدة من حكومة الثني في الشرق، في حین یقال إن الطوارق یتلقون أسلحة من الحكومة طرابلس.
• الوضع في سبھا
في منتصف یولیو 2015، اندلع قتال خطیر بین الطوارق والتبو في سبھا، في الأسبوع السابق لیوم 22 یولیو قتل 40 شخصا على الأقل وشردت مئات الأسر، قدرت السلطات في سبھا عدد الوفیات في الأسابیع الثلاثة الأولى من یولیو بعدد 60. وجھت حكومة طبرق نداء إلى الطرفین المتحاربین لوقف القتال وحل خلافاتھم من خلال الحوار، مصداقیة النداء كان مشكوك بھا و قوبل بآذان صماء.
• وفي أوباري
على الرغم من أن مدینة سبھا شھدت أعنف المعارك على مدى العامین الماضیین من حیث أعداد القتلى، ولكن مدینة أوباري والقریبة من حقل الشرارة النفطي والتي یسكانھا الطوارق شھدت أغلب العملیات القتالیة الأخیرة. وفقا لموقع جسم لیبیا نزح 11280 شخص من أوباري ما بین مایو ونوفمبر 2014، ارتفع ھذا العدد منذ ذلك الحین، بعض التقاریر ذكرت أن ما یصل إلى 85٪ من عدد السكان المدنیین البالغ 40000 ھرب من المدینة وفر غالبیة الطوارق لمدینة غات، في حین تراجع والتبو في الغالب إلى مرزق، وقد وصفت صحیفة لیبیا ھیرالد في نوفمبر 2014 أوباري بأنھا مدینة ھجرھا معظم سكانھا المدنیین.
وقعت اشتباكات خطیرة في أوباري في مارس مرة أخرى یوم 18 مایو عام 2015، وقتل 20 شخصا على الأقل وأصیب عشرات آخرین بجراح. استمر القتال خلال الأیام القلیلة التي تلت مع عدد غیر معروف من الوفیات واندلعت ھذه الجولة من الصراع في محاولة من میلیشیات التبو لفتح طریق إلي المواقع التي تتحصن فیھا قوات الطوارق من أجل الدخول والسیطرة على مدینة أوباري.
إلى الغرب یوجد الطریق من أوباري إلى بلدة غات، وھو الطریق الوحید إلى أقصى الجنوب الغربي من لیبیا، وھو محصن على نحو فعال من قبل المسلحین الطوارق، مما یجعل غات، على الأقل في الوقت الراھن، الملاذ الآمن لھم ، ویجري حالیا جلب الإمدادات الغذائیة والمواد الأساسیة إلى غات عبر الحدود الجزائریة في عملیة إنسانیة نفذتھا الحكومة الجزائریة بواحة جانت.
• محاولات الوساطة
في أعقاب تصاعد القتال في سبھا حوالي 15-22 یولیو دعت منظمة فرنسیة غیر حكومیة GPM، إلي محادثات بین ممثلي التبو والطوارق. المدیر التنفیذي للمنظمة اریك بلانشو رتب للقاء وفدین (11 من كل جانب) سینقلون جوا إلى بروكسل للاجتماع مع اثنین من المراقبین من الحكومات المتناحرة في لیبیا. أدى التأخیر في ترتیب رحلة التبو إلي البیضاء ومن ثم إلى تونس إلى الشكوك من الجانبین أن حكومة طبرق عزمت على تخریب الرحلة من أجل ضمان استمرار القتال في فزان. الطوارق، من جانبھم، كانوا بالفعل لدیھم شكوك بأن فرنسا تقف في صف التبو.
مع ذلك، یبدو أن الوفود كانت قادرة على الاجتماع في أوباري في 26 یولیو أو نحو ذلك ثم أخیرا في بروكسل في 28-29 یولیو. بفضل وساطة من شخصیات فزان المحلیة ومجلس الشیوخ تم التوقیع على اتفاق سلام من نوع ما بین الطوارق والتبو حوالي 26 یولیو. وقد صرح أیوب الشرع ممثل مجلس الشیوخ لوكالة الأنباء اللیبیة قائلا "أن الاتفاق تضمن وقف إطلاق النار، وفتح الطریق الرئیسي في المناطق المحاصرة بسبھا، وإخلاء الجرحى وكبار السن، وعودة جمیع المشردین من كلا الجانبین." وشدد على أن الاتفاق كان صالحا لمدة أسبوع واحد وستناقش بعد ذلك مزید من التفاصیل بھدف التوصل إلى حل نھائي والعودة إلى السلام.
• سلام لم یدم طویلا
أن اتفاق السلام قد كان قصیر الأمد، تشیر تقاریر لم یتم التحقق منھا من المنطقة أن العنف استؤنف في سبھا بعد احتجاجات یوم 31 یولیو وسرعان ما امتدت إلى أوباري، حیث تم قتل اثنین من الصبیة في معارك بین التبو والطوارق.
ھناك سمة رئیسیة لمحاولة الوساطة وھي الانتقادات العلنیة التي أبداھا مجلس الشیوخ حیث أن الدولة اللیبیة لیست فقط غائبة عن جھود الوساطة ھذه ولكنھا أیضا فشلت تماما في حل الأزمة في الجنوب. بطبیعة الحال، لیس ھناك شيء یمكن أن یقال عنھ الدولة اللیبیة في الوقت الحالي، ھناك فقط حكومات متنافستان في حالة فعالة من الحرب الأھلیة.
• تغذیة القتال من الخارج
نقطة الإدانة التي أدركھا الشیوخ كما أدركتھا جمیع الأطراف المتحاربة وخاصة الطوارق ھي أن الحرب یتم تغذیتھا لتحقیق مصالح خارجیة وخاصة مصالح الحكومات المتنافسة أما في حالة الطوارق فإن فرنسا دائما ھي المعنیة.
في الواقع، أحداث القتال الأخیرة أوجدت على الأقل تأثیرا لافتاً للانتباه إلى أن الصراع في الجنوب ھو في الأساس انعكاس للانقسام والصراع بین حكومات طبرق وطرابلس. ظھرت الدلائل للعیان أن حكومة الشرق (طبرق) تقوم بدعم وتسلیح التبو، في حین أن حكومة طرابلس، جنبا إلى جنب مع قوات مصراتة القویة تتحرك خلف الطوارق.
ھناك وجھان للصراع، ولكن الطوارق أساساً محقون في رؤیتھم للتبو كمعتدین. الھدف الرئیسي من عدوان التبو، على الأقل حسب رؤیة الطوارق، ھو تأمین السیطرة على حقل الشرارة النفطي الذي كان تحت حراسة مجموعة من الزنتان والتبو حتى تم إغلاقھ في نوفمبر 2014 من قبل مسلحین یعتقد أنھم كانوا على ارتباط مع حكومة طرابلس. الشرارة ھو ثاني أكبر حقل نفطي في لیبیا وحكومة الثني في طبرق التي تسیطر بشكل فعال على المؤسسة الوطنیة للنفط (NOC) تود تأمین التحكم بھذا الحقل. من ھنا جاءت رؤیة الطوارق لمیلیشیات التبو كوكلاء للحكومة الشرقیة في محاولة لتوسیع سیطرتھا على قطاع النفط في منطقة ُینظر إلیھا عادة باعتبارھا مجال نفوذ حكومة طرابلس.
• ھل یدعم الفرنسیون الصراع؟
الطوارق أیضا یعتبرون التبو وكلاء للفرنسیین ، فمع انتشار القوات الفرنسیة الآن في جمیع أنحاء منطقة الساحل في مالي، والنیجر، وتشاد وھي أیضاَ شریك رئیسي في المداولات الدولیة حول لیبیا، ینظر الطوارق لكل ذلك على أنھا إشارة إلى محاولة فرنسیة لتوسیع مصالحھما الاستعماریة وھذه المصالح یرى الطوارق أن الثروة النفطیة في فزان ھو محور ارتكازھا خصوصا في حقل الشرارة، حیث تمتلك شركة النفط الفرنسیة توتال حصة. شركة النفط الفرنسیة لدیھا اھتمام ب 30٪ في المناطق العقد رقم 129/130 و24٪ في المناطق العقد رقم 130/131، والامتیازات الخاصة بحقل الشرارة العملاق ، كما تبدى توتال اھتمام ب 100٪ من امتیاز NC191 في حوض مرزق القری.
حقل الشرارة الذي تدیره شركة ریبسول الاسبانیة كان لھ قدرة إنتاجیة بلغت 400000 برمیل یومیا (قبل الثورة عام 2011). وفي فبرایر 2012، أعلنت المؤسسة الوطنیة للنفط أن الإنتاج قد بلغ 300000 برمیل یومیا مرة أخرى. منذ ذلك الحین، أصبح الإنتاج متقطع وأدت المصاعب الأمنیة إلي إغلاق الحقل أخیراً.
• شیطنة الطوارق
على الرغم من أن الموارد النفطیة ھي التي تقود الصراع الحالي في فزان، ولكن الذریعة ھي الإرھاب. على النقیض من التبو، الطوارق یجري تصویرھم كذبا في كثیر من الأوساط على أنھم متعاطفین أو حتى تربطھم علاقة مع العناصر الجھادیة ومھربي المخدرات اللذین انتقلوا إلى جنوب لیبیا منذ سقوط نظام القذافي. ھناك عدد من الطوارق، جنبا إلى جنب مع أفراد من كل مجموعة عرقیة أخرى تقریبا في الصحراء قد ارتبطت بطریقة أو بأخرى مع مختلف الجماعات الجھادیة العاملة بالاتجار في جمیع أنحاء المنطقة. أحد الأمثلة على ذلك یأتي من مالي "إیاد أغ غالي" وھو من طوارق مالي و ینظر إلیھ بعض المحللین كعمیل الثلاثي، في خدمة المخابرات الجزائریة بالإضافة الحكومتین الفرنسیة والمالیة.
یعد الطوارق ككل، أكثر من أي مجموعة أخرى أو حتى أیة حكومة في منطقة الصحراء الكبرى أشد مقاومة بعنف وباستمرار لزحف الإسلامیین المتشددین المتطرفین إلى أراضیھم التقلیدیة. في الواقع، فشل كل من الغرب والحكومات المحلیة في إدراك ھذا الواقع ھو السبب الرئیسي في أن المنطقة لا زالت تتغلب علیھا الحركات الجھادیة تدریجیا.
في لیبیا، الأساس الرئیسي للادعاء في تورط الطوارق في العنف الجھادي یتعلق بجماعة إرھابیة معینة تعرف باسم جماعة حركة أنصار الحق .على سبیل المثال، عند اشتداد القتال في أوباري في مارس ومایو من ھذا العام والآن في الآونة الأخیرة في یولیو، ادعت مختلف وكالات الأنباء أن قوات التبو قد تحالفت مع الجیش والوطني اللیبي لمھاجمة مجموعة إرھابیة تعرف باسم حركة أنصار الحق. عبد الرزاق الناظوري، رئیس أركان جیش حكومة طبرق قال لوسائل الإعلام أن القوات التي تقاتل في أوباري - قاصدا ملیشیات التبو- تقاتل ضد "الإرھابیین" اضطر لاحقا إلى الاعتذار للطوارق على الرغم من أنھ یبدو لا یزال مصرا على أن الصراع في أوباري یجرى ضد الإرھابیین.
• نسج الخیال
وجود جماعة تدعى جماعة أنصار الحق ھو أمر قابل للنقاش. العدید من وسائل الإعلام تنسب لمصادر تابعة لشخصیات بارزة من التبو وحكومة طبرق أن ھناك جماعة متطرفة في أوباري بھذا الاسم، ولكن یبدو أن الذي حدث أنھ قد نشأت في أواخر عام 2013 مجموعة صغیرة من الشبان في أوباري (لا یزید عددھم عن عشرة) قاموا بتسمیة أنفسھم بكتیبة الحق. ھذه المجموعة لیس لھا أي توجھ دیني أو أیدیولوجي ولیس لھا مقر إداري ویعتقد أنھا قامت بحل نفسھا في بدایة عام 2014. ومع ذلك ھناك، مجموعة میلیشیا تسمى الكتیبة 315، والتي كانت جزء من حرس المنشآت النفطیة وشاركت في ثورة 2011 لدعم الدیمقراطیة وتعارض بشدة التوجھات الجھادیة وتقول بعض المصادر أن زعیم ھذه المجموعة ھو أحمد عمر.
بطریقة ما، یبدو أن اسم أحمد عمر قد تم تحویله لأحمد الأنصاري، مع الكتیبة 315، أو مجموعة أخرى، تسمي كتیبة الحق وتم تحویلھ إلي أنصار الحق یبدو أن الواقع یشیر إلى أن كلا من الشیخ أحمد الأنصاري وأنصار الحق، ھي القصة التي فبركھا التبو المدعومین من قبل حكومة طبرق لتبریر عدوانھم على الطوارق.
• دعم القذافي؟
یجري شیطنة الطوارق اللیبیین بطرق أخرى، وھي وصفھم بكونھم أنصار للقذافي، ھذه صورة مبسطة وخاطئة أساسا، الطوارق مثل التبو تعرضوا للاضطھاد من قبل القذافي وكانت النتیجة أن الكثیر من الطوارق اللیبیین كانوا من المعارضین لھ. صحیح أن القذافي قد جلب العدید من المرتزقة من منطقة الساحل، معظمھم من الطوارق، وھم أساسا یكونون الطوارق الذین غادروا البلاد بعد أن تركوا سمعة سیئة للطوارق اللیبیین، في ظل نقص المعلومات لدى الصحافة الأجنبیة یستغل التبو وحكومة طبرق الداعمة لھم ھذا الانقسام الزائف لبدایة لصق سمعة سیئة بالطوارق.
• السیاسة النفطیة
صحیفة عین الشرق الأوسط یوم 16 یولیو نقلت عن محمد السنوسي، وھو من محاربي التبو الذین استقروا في مدینة مرزق بعد مغادرة عائلتھ أوباري، قوله "إن المشكلة تكمن في الأجندة السیاسیة، الھدف ھو السیطرة على مدینة الطوارق - أوباري - وحقول النفط."
أصدر المجلس الاجتماعي للطوارق بیانا قائلا: "إن مجموعة التبو التي قامت بمھاجمة أوباري تحاول السیطرة على المدینة بسبب قربھا من الاحتیاطات النفطیة الھامة، الھجوم على الطوارق ھو إھانة لجمیع أولئك الذین یؤیدون الحوار والاحترام المتبادل كحل للصراع في لیبیا، الطوارق یعارضون الإرھاب وسیكونون أول من یكافحه إذا ثبت وجوده في الجنوب وذلك بالتنسیق مع قوات الأمن المحلیة والوطنیة والدولیة، لا توجد قبیلة أو مجموعة أخرى لدیھا الحق في القیام بعمل عسكري في منطقة سكنیة مثل أوباري بحجج واھیة.".
• دعم فرنسا للتبو
مجتمع الطوارق في كل من لیبیا وأماكن بعیدة، یرى على نحو متزاید أن فرنسا تلعب دورا رئیسیا وراء الكوالیس لدفع الطوارق خارج أراضیھم التقلیدیة في لیبیا، بسبب المجاورة لحقول النفط الشرارة والفیل.
یؤكد الطوارق حقیقتین: الأولي ھي أن الطوارق والتبو عاشوا في سلام ووئام في لیبیا منذ أكثر من 120عاما. الثانیة ھي أن ھذا السلام وصل إلى نھایته تماما في نفس الوقت الذي أقدمت فیھ فرنسا على زیادة قواتھا العسكریة في مالي من خلال عملیة "سیرفال" وعبر الساحل من النیجر إلي تشاد وعلى طول الحدود الجنوبیة للیبیا من خلال عملیة "بارخان".
على الجبھة الإعلامیة، تبرھن فرنسا على أنھا حلیفاً قویاً للتبو. في دیسمبر 2014 زار وزیر الدفاع الفرنسي جان ایف لودرین القاعدة العسكریة الفرنسیة الجدیدة في مادما، التي تقع شمال النیجر بالقرب من الحدود اللیبیة حیث النفوذ التبو القوي. بعض السكان المحلیین ومعظمھم من الطوارق أصبحوا ینظرون لھذه القاعدة كونھا غوانتانامو فرنسا الصحراویة.
في خطاب متلفز ُبث على نطاق واسع من وسط ھذه القاعدة، أشار الوزیر لو درین بأذرع ممدودة نحو لیبیا مخاطبا جمھوره من القوات الفرنسیة والتبو قائلاً "ھذا ھو جنوب لیبیا حیث ستجدون زعیم الجھادیین مختار بن مختار وكذلك إیاد أغ غالي زعیم جماعة أنصار الدین. جنوب لیبیا أصبح مركزا للاھابیین". لكن بشأن كل من مختار بن مختار وإیاد أغ غالي ولم یتم التحقق منھا. وفي الواقع ھناك بعض التقاریر والأدلة على أن مختار بن مختار قد قُتِل في 10 مناسبات على الأقل، ربما یكون قد مات منذ فترة طویلة في یونیو عام 2012. ولكن عندما یتحدث وزیر دفاع غربي من الذي یھتم بالتفاصیل الصغیرة؟ ما تنشره تقریر وسائل الإعلام ھو الذي سیؤخذ في الحسبان. إذا كانت فرنسا، كما یقول الطوارق تدعم عدوان التبو في فزان، لیس ھناك أي احتمال بأن الاتحاد الأوروبي أو أي ھیئة دولیة أخرى سوف تفعل أي شيء لإیقافه ، وذلك ببساطة لأن كلمة فرنسا بشأن مسائل شمال أفریقیا في المحافل الأوروبیة ھي بمثابة قرار نھائي. لأن فرنسا ھي القوة السائدة في المنطقة في فترة ما بعد الاستعمار، لدیھا أكثر معرفة من أي قوة أخرى، ولھا قوات على الأرض، ومع تراجع الولایات المتحدة الآن للمقعد الخلفي، یبقي الرأي الفرنسي حول المنطقة مؤثر بشكل خطیر في المجتمع الدولي.
وعلاوة على ذلك، إذا ظل توازن القوى بین حكومات طبرق وطرابلس كما ھو، فمن غیر المرجح أن حكومة طبرق ستسحب دعمھا لدفع التبو عبر فزان . وإذا حدث ذلك، فإنھ من المرجح أیضاً أن تدفع طرابلس ومصراتة بالمزید من القوة إلى المنطقة، وبكل بساطة یتم تكرار فوضى وعنف الشمال في الجنوب أیضا. ھذا السیناریو سوف تستغلھ الدولة الإسلامیة (IS) والجماعات الجھادیة الأخرى.
المسؤولیة إذاً تقع بشكل كبیر على المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي (بروكسل) والأمم المتحدة للعمل على وأدھا ھذه الحرب الجدیدة في مھدھا، وھذا یعني عدم الانسیاق وراء المصالح الفرنسیة أو أي دولة أخرى أو طرف ثالث خارجي.
* ترجمة أبوبكر أكحتي
- إضغط هنا للإطلاع علي التقرير باللغة الإنجليزية (المصدر)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق