إرم نيوز: يتجه المشهد السياسي والأمني التركي نحو مزيد من الفوضى والتصعيد وسط تعثر الجهود الرامية لتشكيل ائتلاف حكومي تنتهي مهلته في 23 أغسطس الجاري. وتأتي حالة الغموض السياسي في وقت صعب لتركيا، إذ تواجه الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي اضطرابات على حدودها مع سوريا والعراق إلى جانب تجدد الصراع مع الأكراد بعد هدنة دامت 3 سنوات. وفي موازاة الاشتباكات المتواصلة بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني، لا تزال تركيا تعيش تبعات أزمة سياسية خانقة بدأت مع ظهور نتائج الانتخابات التشريعية في حزيران/يونيو الماضي التي حرمت حزب العدالة والتنمية، الحاكم، من الأكثرية المطلقة. وترى المعارضة أن هذا التعثر السياسي لحزب العدالة والتنمية، يمكن أن يفسر الحماس حاليا بالدخول في حلقة جديدة من العنف مع المقاتلين الأكراد.
استراتيجية الفوضى
ويقول مراقبون إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اختار "استراتيجية الفوضى" استعدادا لانتخابات تشريعية مبكرة يأمل بأن تعيد لحزبه الأكثرية المطلقة عبر استنهاض الناخبين ضد الأكراد، الذين فازوا بـ 80 مقعدا في البرلمان، ودفعهم للالتفاف حول حزبه. ويرغب أردوغان بشدة تجنب تقاسم السلطة مع أي حزب آخر، لمنعه من الاطلاع على أعمال الوزارات التي تسلمها حزبه طيلة 13 عاما وشابت أعمالها الكثير من تهم الفساد والمحاباة. وباشر حزب العدالة والتنمية في الثالث عشر من تموز/يوليو محادثات مع حزب الشعب الجمهوري، القوة الثانية في البرلمان لتشكيل حكومة ائتلافية. ولا بد من إنهاء هذه المحادثات قبل 23 آب/اغسطس، لأن الكلمة عندها تعود لأردوغان لاتخاذ القرار المقبل في حال فشل هذه المحادثات. وبعد ثلاثة أسابيع من المفاوضات اتهم كمال كيلجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري أردوغان علنا بالعمل في الكواليس لافشال هذه المحادثات. ووفقا لاستطلاع اجرته شركة (جيزتشي) للأبحاث ونشرت نتائجه اليوم الثلاثاء تنظر أغلبية من الأتراك لأردوغان على أنه أكبر عقبة في طريق التوصل لاتفاق بشأن تشكيل حكومة ائتلاف. كما يرى نحو ثلثي من شاركوا في الاستطلاع أن العمليات العسكرية الأخيرة محاولة لتحقيق نتائج مختلفة في الانتخابات المبكرة المحتملة.
وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق على ائتلاف حكومي في الثاني والعشرين من آب/أغسطس، يمكن لأردوغان أن يطلب من رئيس الحكومة تشكيل حكومة أقلية معتمدا على موقف نواب حزب العمل القومي اليميني، وهو الحزب الذي يدعو إلى التشدد ضد الأكراد. إلا ان الاحتمال الذي يرجح الخبراء حصوله هو الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة يمكن أن تجري في تشرين الثاني/نوفمبر. ومنذ ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة أصبح حزب الشعوب الديموقراطي المؤيد للاكراد برئاسة صلاح الدين دمرتاش العدو اللدود للسلطات التركية التي تحمله مسؤولية فقدان حزب العدالة والتنمية للأكثرية المطلقة. ويلاحق القضاء دمرتاش حاليا بتهمة “الحض على العنف”، و”الاخلال بالنظام العام” في حين انه يؤكد أن هذه الاتهامات سياسية لحظر حزبه وإبعاده عن الساحة السياسية. ومن غير المؤكد أن تنجح استراتيجية أردوغان، إذ تفيد استطلاعات رأي عدة نشرتها صحف المعارضة أن الناخبين لا يزالون على مواقفهم الاخيرة، حتى أن أحد هذه الاستطلاعات أعطى حزب الشعوب الديموقراطي نسبة أعلى مما حققه في الانتخابات الأخيرة، بينما هبط رصيد العدالة والتنمية إلى ما دون الأربعين بالمئة.
في غضون ذلك، قال سميح يالجين نائب رئيس حزب الحركة القومية المعارض إن حزبه سيدعم حكومة أقلية لحزب العدالة والتنمية إذا وافق الحزب الحاكم على إجراء انتخابات مبكرة في نوفمبر/ تشرين الثاني. وفي علامة على حساسية الظروف المحيطة بالجهود الرامية لتشكيل حكومة جديدة أصدر يالجين بيانا في وقت لاحق قال فيه إن تصريحاته حرفت. وعادة ما تصدر البيانات السياسية الخاصة بحزب الحركة القومية من رئيس الحزب دولت بهجلي وحده لكن يالجين قال في بيانه اللاحق إن تصريحاته انتزعت من سياقها وإن حزبه لن يدعم حكومة أقلية. واجرى حزب العدالة والتنمية يوما أخيرا من المحادثات التمهيدية لتشكيل ائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري أمس الاثنين لكن لم تصدر سوى إشارات قليلة على إحراز تقدم ملموس. ووصف بولنت ارينج نائب رئيس الوزراء المحادثات بأنها “ايجابية” لكنه قال إن الكرة الآن في ملعب كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري.
دعوات للتهدئة
إلى ذلك، حض الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، أمس الثلاثاء، تركيا على التزام «رد متكافئ»، في هجماتها الجوية على حزب العمال الكردستاني، وأعربا عن قلقهما حيال حجم الغارات الجوية التركية التي تؤدي إلى اعمال انتقامية وقد تسفر عن مقتل مدنيين. وبدأت تركيا في 24 يوليو (تموز) ما سمته «حربا على الارهاب»، مستهدفة في شكل متزامن الاكراد ومتطرفي تنظيم «داعش» في شمال سوريا. لكن غالبية الغارات استهدفت حتى الآن مقاتلي حزب العمال الكردستاني. ووفق بعض الاحصائيات، فإنّ 19 عنصرًا على الاقل من الجيش والشرطة التركيين، قتلوا في هجمات لحزب العمال الكردستاني منذ انهيار الهدنة. وفي بيان صدر في بروكسل أمس أعرب المفوض الاوروبي لشؤون التوسيع يوهانس هان، عن «قلقه البالغ» حيال تصاعد العنف. وقال هان خلال لقائه الوزير التركي للشؤون الاوروبية فولكان بوزكير، إنّ «الاتحاد الاوروبي يعترف بحق تركيا في منع أي شكل من اشكال الارهاب الذي يستوجب الادانة من دون لبس والرد عليه. غير أنّ الرد يجب أن يكون متكافئا ومحدد الهدف ويجب ألّا يشكل في أي من الاحوال خطرًا على الحوار السياسي الديمقراطي في البلاد». وفي واشنطن، وجه المتحدث باسم الخارجية الاميركية مارك تونر، الرسالة نفسها وصرح للصحافيين “نريد أن يتخلى حزب العمال الكردستاني عن العنف ويستأنف المحادثات مع الحكومة التركية، ونريد أن نرى الحكومة التركية ترد في شكل متكافئ” على الهجمات. وشكل هجوم وقع في 20 يوليو/ تموز، في سروج (جنوب) الذي أوقع 32 قتيلا في صفوف ناشطين أكراد، شرارة اشعلت سلسلة من الردود والردود المضادة بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي الذي اتهم بعدم حماية السكان المدنيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق