الأربعاء، 19 أغسطس 2015

سوريا_انتكاسة القوة السورية الجديدة درس قاس لواشنطن


وكالات: مُنيت مجموعة صغيرة من عناصر "القوة السورية الجديدة"، التي تعدّ ثمرة برنامج التدريب والتسليح الأميركي بهزيمة سريعة على الأرض لدى مواجهتها لعناصر تابعين لجبهة النصرة، بعد أن انتشرت، في منتصف يوليو الماضي، في الأراضي السورية انطلاقا من تركيا، بغاية قتال تنظيم "الدولة الإسلامية"، عدوّها المفترض. وقد شكّلت الاشتباكات التي وقعت في 31 يوليو الماضي والأحداث التي تلتها، مسألة معقّدة، إذ سلّطت الضوء على برنامج التدريب والتسليح الأميركي الذي خضعت له هذه القوات، ووضعته تحت طائلة النقد والتشكيك. وعلى الرغم من أنّ نتيجة المعركة الأولى لا تمثّل بالضرورة الحكم النهائي على القوة السورية الجديدة أو البرنامج عموما، إلّا أنّها تثير مجددا تساؤلات حول هدف هذا الأخير وقابلية استمراره في ساحات القتال الخطير على الأرض السورية. فهذه الهزيمةً الأولى لا تعني بالضرورة إنهاء البرنامج، بل هي تعني حقا وجوب الاعتراف بالتحدي الخطير المتمثّل في القتال في سوريا وضرورة إعادة النظر في نطاق البرنامج وأهدافه.
وقد برزت أسئلة كبرى بشأن عدد من المسائل، حتى قبل الانتشار الأولي للقوة السورية الجديدة، ومنها جدوى مهمة هذه القوة والمنطق الكامن وراءها، وقدراتها القتالية، وحجمها نسبة إلى نطاق مهمتها، ومفهوم عملياتها، فضلا عن كيفية توجيهها ودعمها في القتال. ولكن هذه القضايا لم تجد طرفا جديا يتكفل بالإجابة عليها، قبل معركة يوليو الماضي والكارثة التي أصابت تلك القوة. وقد كانت هناك علامات أولى واضحة عن المتاعب التي من المُحتمل أن تواجهها القوة السورية الجديدة، وكانت جلية قبل وقوع الاشتباكات؛ ففي أواخر عام 2014، كانت جبهة النصرة قد هاجمت بالفعل وهزمت أساساً جماعتين تدعمهما الولايات المتحدة، هما جبهة ثوار سوريا وحركة حزم، النشطة في منطقة عمليات النصرة في شمال البلاد. وبالتالي، فإنّ هاتين الجماعتين اللتين تلقّتا دعماً أميركيا كبيرا، ولكن لم تكونا جزءا من برنامج التدريب والتسليح، قد أزيلتا بفعالية من المعادلة العسكرية. وبدءا من سبتمبر 2014، كانت الولايات المتحدة قد شنّت أيضا غارات عسكرية على عناصر مرتبطة بما يُسمى بجماعة خراسان المنضوية تحت خيمة النصرة. وفي الآونة الأخيرة، أفادت أنباء بمقتل زعيم بارز في تلك الجماعة بغارة جوية، مما أثار الأحقاد تجاه العمليات الجوية الأميركية، وضد الذين اعتبرتهم النصرة عملاء أميركيين ومتعاونين معهم.
وقد شملت الاحتمالات كذلك إشارات عن المشاكل القائمة في إطار برنامج التدريب والتسليح نفسه، من خلال وجود تقدم بطيء في تجنيد الأفراد والتدقيق عنهم، وبالتالي العدد الضئيل لخريجي البرنامج الفعليين، فضلا عن الذين غادروه بسبب أشكال مختلفة من خيبات الأمل. ويبدو أنّ عملية التدقيق الصارمة وضرورة الالتزام رسميا بقتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، مثّلتا أهمّ الأسباب الكامنة وراء عدد الأفراد المنخفض في رصيد البرنامج. وعلى الرغم من أنّ التفاصيل الكاملة عن العملية التي وقعت في أواخر يوليو الماضي، لا تزال غير معروفة إلى حدّ الآن، إلاّ أنّ عناصرها الأساسية تبدو واضحةً؛ ففي 12 يوليو، أُرسلت مجموعة صغيرة من القوة السورية الجديدة، والتي أفادت بعض التقارير أنّ عددها يبلغ ما بين 54 و60 رجلا، إلى منطقة عمليات "الفرقة 30"، وهي وحدةٌ في شمال حلب تدعمها الولايات المتحدة. وفي الـ 30 من نفس الشهر صادف أن وجّهت جبهة النصرة ضربة إلى تلك الفرقة، فاختطفت بعض قادتها ومن ثمّ هاجمت قواتها في اليوم الموالي، ممّا أرغم الفرقة على الانسحاب من مقرّها قرب بلدة أعزاز، شمال محافظة حلب. وأثناء القتال، أمّنت الولايات المتحدة الدعم الجوي، فوجهت ضربات ضد عناصر جبهة النصرة، منعت على ما يبدو ما كان يمكن أن يكون إلحاق هزيمة أكبر بعناصر القوة السورية الجديدة، الذين تمّت محاصرتهم أثناء العملية. وبالنسبة إلى القوة الجديدة، فقد أسفرت العملية عن نتائج سيئة منها مقتل أحد عناصرها، على الأقل، واختطاف خمسة آخرين أو أكثر، وانهيار ما تبقّى من عناصرها وتشتّتهم، فضلا عن كون هذه الهزيمة أضحت تمثل مصدر إحراج عظيم لهم ولبرنامج التدريب والتسليح عموما. أمّا التبعات التي طالت الفرقة 30، فقد شملت سجن عددٍ من مقاتليها وانسحابها القسري من مقرّها والتعهّد العلني "المُهين" بألّا تقاتل جبهة النصرة في المستقبل.
نقاط ضعف أساسية
تشمل نقاط الضعف الرئيسية التي كشفتها المعركة الأخيرة، القرارَ نفسه القاضي بإرسال مثل هذه القوة الصغيرة إلى سوريا رغم ما تتمتع به من قدرات وعتاد، وتشي بسوء تقدير وغياب فهم واضح للوضع المعقّد على أرض الواقع؛ ففي ما يتعلّق بمفهوم التوظيف، يبدو أنّه قد تمّ تضمين بعض عناصر القوة السورية الجديدة في وحدة من الثوار تحظى في الأصل بدعم أميركي. والميزة البادية لمثل هذا النهج هو أنّ الولايات المتحدة ستتمتّع بفهمٍ كافٍ لقدرات الوحدة والثقة في قيادتها وإدراك ماهية الوضع على أرض الواقع. غير أنّ المفهوم تضمن نقطة ضعفٍ تمثلت في الاعتماد على شيءٍ من التعاون، أو على الأقل غياب مقاومة نشِطة، من قبل عناصر مسلحة أخرى في المنطقة. وكما اتّضح في ما بعد، لم يتبلور السيناريو المتفائل، الأمر الذي يكشف عن وجود عيوب جوهرية في مفهوم التوظيف، في التصميم والتنفيذ على حد سواء.
ومنذ وقوع المعركة، أشارت التقارير إلى أن التحكّم بالقوة السورية الجديدة، انتقل من الجنود الأميركيين إلى الفرقة 30 بعد أن دخلت هذه المجموعة إلى سوريا. وفي حين أنّ دمج بعض عناصر القوة السورية في تشكيلات الثوار القائمة التي تدعمها الولايات المتحدة قد يكون ضروريا، على الأقل إلى حين تأمين وحدات كبيرة تابعة لها، يستوجب هذا النهج إلماما تامّا ومعرفة جيدة بالتشكيلات القائمة على الأرض. ومن الواضح أنّ هذا الإلمام قد غاب، نظراً إلى الهزيمة السهلة التي مُنيت بها الفرقة 30. وتشير بعض التقارير الأميركية إلى أنّ القوة السورية الجديدة قاتلت بشكلٍ جيّد، لكن من غير الواضح إلى أيّ مدى كان انخراطها في القتال الفعلي، بخلاف الفرقة 30. وفي حين ورد أنّ النصرة تكبّدت خسائر كبيرة، إلّا أنه من غير الواضح إلى أي مدى كانت القوة السورية هي التي كبّدتها تلك الخسائر، وليست الفرقة 30 أو الغارات الجوية الأميركية هي التي قامت بذلك. ومن جانبها، تدّعي جبهة النصرة أنّ معظم ضحاياها وقعوا بسبب الغارات الأميركية. ويبدو أنّ الدعم الجوي الأميركي للقوة الجديدة، الذي نسّقه على الأرجح أفرادٌ منها درّبتهم الولايات المتحدة، قد جنّبها كارثة أعظم. وقد أعلنت الولايات المتحدة على إثر ذلك أنّها سوف توفّر الدعم الجوي الدفاعي لتلك القوة لمواجهة جميع التهديدات، بالإضافة إلى الدعم الجوي الهجومي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". وفي انتظار الاختبار الفعلي لهذا التأكيد، إلّا أنّه يساهم بالفعل وإلى حدّ ما في حلّ مسألة رئيسية تتمحور حول البرنامج الأميركي.
انتكاسة بمثابة درس
إلى جانب كون هزيمة القوة السورية الجديدة الناشئة في أول عملية لها في سوريا إحراجا، فإنّ لها أيضا تداعيات عملية. وفي الواقع، فإن مقتل الأفراد، وفقدان الأسلحة والمعدّات على نحوِ شبه مؤكد، وتشتّت عناصر تلك القوة، دون أن يكون ذلك إبادة تامة أو فرارا يختلط فيه الحابل بالنابل، يعكس أيضا نتيجةً عسكرية لا يمكن أن يتخيل المرء أسوأ منها. وبالمثل، كانت المخاطر العميقة نتيجة نشر عدد صغير من مقاتلي تلك القوة في ساحات القتال المُبهمة، جلية. ومن المرجح أن تشمل التبعات، المعنويات المنهارة لدى عناصر القوة السورية في التدريب وأن توجّه ضربة مقابلة لعمليات التجنيد. وتطرح تلك الكارثة سؤالا آخر يتمحور حول المسؤول عن صنع القرارات بشأن التزام القوة السورية الجديدة، وكيف تمّ اتخاذ هذا القرار على وجه التحديد. وتنطوي الأسئلة ذات الصلة، على العلاقة والمزامنة لبرنامج الدعم السري الذي تناولته التقارير، والذي أطلقته وكالة الاستخبارات المركزية لقوات مختارة من الثوار، يُفترض أن تشمل أيضاً الفرقة 30 ووزارة الدفاع الأميركية وبرنامج التدريب والتسليح.
وكما تبيّن المعركة الأخيرة، من الواضح أنّ جبهة النصرة لن تقبل بوجود قوة كبيرة تدعمها الولايات المتحدة في منطقة عملياتها في شمال سوريا. فعمليات النصرة السابقة للقضاء على جبهة ثوار سوريا وحركة حزم، وهجماتها الحالية ضدّ الفرقة 30 وتباعا ضدّ القوة السورية الجديدة، لا بدّ أن تؤخذ بعين الاعتبار في أيّ انتشار مستقبلي لعناصر تلك القوة. وعلى نطاق أوسع، يجب أن تكون القوة السورية مستعدة للقتال من لحظة دخولها إلى سوريا ضدّ مجموعة من الأعداء الذين يتمتّعون بقدرات عالية، ومن بينهم تنظيم "الدولة الإسلامية" وإسلاميون آخرون ومقاتلون موالون للنظام. وعلى نحوٍ مماثل، يُعدّ رسم صورة مفصّلة للغاية عن الوضع الميداني ضروريا قبل دخول المقاتلين. ولا بدّ أن تمتلك الولايات المتحدة وسيلة للحصول على معلومات دقيقة وفورية عمّا يجري مع القوات التي تدعمها، فبالإضافة إلى تلقّيها التقارير عن المقاتلين الذين درّبتهم، يتعيّن على واشنطن أيضا استحداث وسائلها الخاصة لجمع البيانات وتقييم التطوّرات التي تطرأ على ساحات القتال، وهو مطلب يعني أغلب الظنّ وجود عسكريين أميركيين على الأرض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق