دويتشه فيله: عشية لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضيفه عبد الفتاح السيسي بموسكو بعد لقائه ملك الأردن وولي عهد أبو ظبي،عبر بشار الأسد في تصريحات له عن أمله في استعادة مصر لدورها التاريخي كـ"دولة شقيقة فاعلة"...فما دلالات ذلك؟ لم يكن موعد اختيار بث الحوار الذي أجراه الرئيس السوري بشار الأسد مع القناة الفضائية "المنار" التابعة لحزب الله اللبناني، مساء أمس الثلاثاء (26 أغسطس/آب 2015)، من قبيل الصدفة، بل إنه جاء تزامنا مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى روسيا، حيث أجرى اليوم الأربعاء لقاءات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول القضايا الآنية وعلى رأسها الأزمة السورية، في ظل تسارع وتيرة الحراك الدبلوماسي الذي تقوده موسكو منذ التوصل إلى الاتفاق حول النووي الإيراني بين طهران والقوى الغربية، لحلحلة الأزمة السورية مع طرح خطة لإنشاء تحالف إقليمي ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" تكون دمشق طرفا فيه.
بُث حوار الأسد قبيل اللقاء بين الرئيسين فلاديمير بوتين وضيفه السيسي، تودد فيه الرئيس السوري إلى مصر ورئيسها عبر التأكيد على حرص بلاده الدائم على العلاقة مع القاهرة مضيفا: "حتى خلال وجود الرئيس المعزول محمد مرسي وكل إساءاته لسوريا لم نحاول أن نسيء لمصر والتواصل بين البلدين لم ينقطع". كما طلب الأسد "من مصر لعب دور الدولة الهامة الفاعلة الشقيقة التي تساعد بقية الدول العربية انطلاقا من تاريخها العريق"، مشددا على أن بلاده في نفس الخندق مع الجيش المصري والشعب المصري في مواجهة الإرهابيين "الذين يبدلون مسمياتهم كما تبدل مسميات أي منتج فاسد". وفي نفس الوقت استبعد الأسد إمكانية الانضمام إلى التحالف ضد "داعش" وفقا للخطة الروسية المطروحة، باعتبار أن دمشق لا يمكنها أن تحارب الإرهاب إلى جانب دول "داعمة" له في إشارة إلى المملكة العربية السعودية وتركيا. وتأتي تصريحات الأسد أيضا في وقت دخلت فيه القاهرة على خط الأزمة السورية بعد استضافة قوى للمعارضة السورية في القاهرة على أرضية تسمح ببقاء الأسد في المشهد السياسي. الأمر الذي يجعل مصر-السيسي تبتعد عن المقاربة الخليجية بقيادة العربية السعودية التي ترى أن لا حل بسوريا مع بقاء بشار الأسد في سدة الحكم. فيما كان الرئيس المصري المعزول محمد مرسي قد دعا إلى قطع العلاقات مع دمشق، وهو ما رفضته المؤسسات المصرية، حسب تصريحات الأسد الأخيرة.
مكافحة الإرهاب كأولوية كبرى
وحسب المحلل السياسي المصري حسن نافعة، فإن بشار الأسد يأمل من خلال تصريحاته أن تعود مصر إلى دوري قيادي تبتعد فيه عن النفوذ السعودي-الخليجي، وهي الدول التي ضمنت بدعمها المالي نظام السيسي في وقت مصيري. في المقابل يضيف د. نافعة أن ما يشغل مصر رسميا وشعبيا هو بقاء سوريا موحدة مع وجود حكومة قوية قادرة على ضبط الأوضاع وإعادة الاستقرار حتى لا تنزلق إلى كونها دولة يحكمها إرهابيون في الشرق الأوسط. فبغض النظر عن موضوع الأسد، فإن لمكافحة الإرهاب أولوية قصوى، وهو ما يتطابق مع الرؤية الروسية للملف. ومن هذا المنطلق يقول المحلل السياسي المصري: "تسعى القاهرة على المساعدة في إنهاء الأزمة السورية ووقف القتال ووقف انهيار الدولة السورية. والأهم من ذلك أن لا يقوم انهيار النظام الحالي إلى تقسيم سوريا وتفتتها لما لذلك من انعكاسات هائلة على المشرق العربي وعلى الأمن القومي المصري". ومن المعلوم أن مصر تواجه خطر "داعش" سواء في شبه جزيرة سيناء أو على حدودها الغربية المتاخمة لليبيا. ومنذ توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، وما تلاه من توافق روسي-أمريكي أخذت فيه موسكو الضوء الأخضر للبحث عن حل، تتطلع القاهرة من خلال هذه الزيارة إلى أخذ دور فاعل في هذا الاتجاه، مستندة في ذلك على قوة العلاقات المصرية-الروسية، إضافة إلى أن المحور المصري-الأردني- الإماراتي يدفع بإتجاه إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
مصر بين السعودية وروسيا
بيد أن من الواضح أن التقارب المصري-السوري أو المصري-الروسي لم يمر دون تأثير على العلاقات السعودية-المصرية، بدليل أن الرياض تراجعت عن مشروع بناء قوة عربية مشتركة، وهي الفكرة التي دعا إليها السيسي في القمة العربية الأخيرة بشرم الشيخ. لكن المحلل السياسي حسن نافعة، يقلل من هذا الاحتمال، باعتبار أن الخليجيين باتوا يدركون أن المنطقة برمتها على "شفا بركان"، بدءا من اليمن، مرورا بالعراق وسوريا وإلى غاية ليبيا. كما أن هذه الدول "تدرك تماما أنه لا يمكن لمصر أن تكون تابعة، بل إن لها دور محوري، وترحب بأي تحرك يفضي إلى التوصل إلى حل توافقي، شريطة أن يحظى بإجماع دولي-إقليمي يضمن له النجاح". ومن ثمة ينطلق حسن نافعة من أن التحركات المصرية حاليا تحظى بتزكية سعودية حتى وإن كانت على مضض، فحقيقة أن لا حل عسكري في سوريا فرضت نفسها على الملف، بل وحتى التقارب السعودي-الروسي يمكن قراءته، حسب نافعة ضمن إطار منح مصر هامشا للتحرك. وينفي الخبير المصري من أن يؤدي تباين المقاربتين السعودية والمصرية إلى تدهور العلاقات الثنائية، والملف الليبي خير دليل على ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق