وحتى الآن اقتصر موقف المملكة على إشادة علنية فاترة بالاتفاق بالتزامن مع تنديد غير معلن وهو رد فعل يأتي بعد نهج أكثر صرامة تجاه ايران تجلى في حربها ضد المقاتلين الحوثيين المتحالفين مع طهران في اليمن وتقديم مزيد من الدعم لمقاتلي المعارضة السورية. لكن بعض السعوديين المقربين من الأسرة الحاكمة حذروا أيضا من أنه اذا كانت إيران قادرة على استخدام برنامجها النووي في أغراض تسيلحية فإنه سيكون على المملكة أن تحذو حذوها على الرغم من الثمن الذي ستدفعه حين تصبح دولة معزولة وتتضرر علاقاتها بالولايات المتحدة. وانقسم محللون يتابعون الشأن السعودي حول ما إذا كانت المملكة تمثل خطرا على صعيد الانتشار النووي نظرا لموقفها الحازم الذي تبنته حديثا تجاه الولايات المتحدة والأهمية الشديدة التي توليها للصراع مع ايران أو أنها تراوغ فحسب.
كما ينقسمون أيضا حول ما إذا كانت الضغوط الدولية من خلال العقوبات يمكن أن تمارس على دولة يعتمد اقتصادها بالكامل تقريبا على التجارة لكن قدرتها على الحفاظ على تصدير كميات هائلة من النفط ضرورية لأسواق الطاقة العالمية. وعند التطرق الى الاتفاق النووي الإيراني دأب كبار المسؤولين السعوديين على القول إنهم سيطلبون نفس الشروط تماما. وسيوفر هذا لهم دورة للوقود النووي يمكن أن تنتج مواد تصلح لتصنيع قنبلة لكنها ستستدعي أيضا نظام تفتيش صارما. وعلى غرار خطط ايران للطاقة النووية فإن خطط المملكة تستند إلى المبدأ الاقتصادي القائل إن من الأفضل استخدام النفط الخام في الصادرات التي تدر عائدا للحفاظ على الامتيازات الاجتماعية بدلا من إهداره على استهلاك الكهرباء المتزايد.
وأوصت هيئة الطاقة النووية السعودية وهي مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة في 2012 بأن تنتج المملكة 17 جيجاوات من الطاقة النووية لكنها لم تعرض خططا لتنفيذ ذلك. ووقعت الرياض اتفاقات للتعاون في مجال الطاقة النووية مع عدة دول تملك القدرة على بناء مفاعلات لكن اتفاقات وقعت مؤخرا مع فرنسا وروسيا وكوريا الجنوبية تتجاوز هذا إذ تشمل دراسات جدوى لمحطات للطاقة النووية وأنشطة تتصل بدورة الوقود. وقد تعرقل عقبات فنية اي محاولة سعودية لتصنيع قنبلة وهو ما يمكن تنفيذه على الأرجح من خلال عملية لتخصيب اليورانيوم يخضع انتقال التكنولوجيا المستخدمة فيها بين الدول لرقابة صارمة. وقال كارل ديوي محلل الشؤون الكيماوية والبيولوجية والاشعاعية والنووية في مؤسسة آي.إتش.إس. جينز “ينطوي الحصول على المواد الانشطارية اللازمة لصنع سلاح على تحديات فنية كبيرة وفي ظل الضمانات الواردة في البروتوكول الإضافي النموذجي فإن خطر رصدها كبير.” والبروتوكول الإضافي جزء من نظام أقوى للتفتيش والضمانات اعتمدته ايران ويرجح أن يكون شرطا لأي اتفاق نووي سعودي.
في الوقت الحالي ترتبط الولايات المتحدة بصلة وثيقة بالبنية الأساسية السياسية والأمنية السعودية بحيث سيكون من الصعب تصور أن تبدأ الرياض مشروعا لامتلاك أسلحة نووية دون أن تكتشف واشنطن ذلك. واذا سعت المملكة الى تصنيع قنبلة نووية دون علم واشنطن فإن هذا سيحدث تصدعات كبيرة في علاقة أمنية استراتيجية ستظل ضرورية للسعودية على الرغم من جهودها لإنشاء تحالفات بديلة مع قوى عسكرية أخرى. وضعفت العلاقات بين البلدين في الأعوام الأخيرة لكن في حين أنهما مختلفان على طبيعة الدور الذي يجب أن تلعبه واشنطن في الشرق الأوسط فإن الولايات المتحدة لاتزال الضامن الأساسي لأمن السعودية وبالتالي فإنها تتمتع بتأثير لا يستهان به على الرياض.
وموقع السعودية الفريد في سوق الطاقة العالمية يجعل من المستحيل فرض عقوبات على صادراتها من الخام فهي ليست فقط أكبر مصدر للنفط وإنما تحتفظ بطاقة انتاج فائضة كبيرة تمنحها نفوذا لا يضاهى على أسعار النفط بتكلفة لا يبدو أن أي منتج آخر مستعد لتعويضها. لكن في حين أن مبيعات النفط مثلت 33 في المئة من النشاط الاقتصادي و87 في المئة من العوائد في المملكة العام الماضي فإن قطاعاتها الأخرى تعتمد بشدة على الاستيراد ويشمل ذلك الأغذية والسلع الاستهلاكية. وهي تشكل نقطة ضعف في حال فرض عقوبات من الناحية النظرية. وتجنبت الرياض لسنوات استخدام قدرتها على التأثير على الاقتصاد العالمي لتحقيق مكاسب سياسية لكن هذا قد يتغير اذا شعرت بتهديد كاف. وقد تراهن على أن تمنع المخاوف من تكرار حظر النفط الذي فرضته عام 1973 اي ضغوط دولية حقيقية بشأن خططها النووية. وقال خاشقجي “أنا واثق أن السعودية مستعدة لتحمل الضغط. إنها مسألة مبدأ. اذا كان الإيرانيون والإسرائيليون لديهم فيجب أن يكون لدينا ايضا.” وعبر خاشقجي عن اعتقاده بأن صادرات الرياض النفطية ستحصنها من الضغوط. لكن تجربة هذه النظرية ستمثل مغامرة بالنسبة للرياض. ولا شك أن السعودية تدرس ما إذا كانت المخاطر التي تنطوي عليها تفوق تلك التي تعتقد أنها ستترتب على السماح لإيران بالتمتع بميزة نووية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق