الحياة اللندنية: شهد منتجع الصخيرات جنوب العاصمة المغربية الرباط مساء السبت التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق لتقاسم السلطة في ليبيا أُقر برعاية الأمم المتحدة. ووقع على مسودة الاتفاق مختلف فرقاء الأزمة في ليبيا باستثناء وفد المؤتمر الوطني المنتهية ولايته الذي غاب عن جولة أخيرة للحوار انطلقت الخميس الماضي في المنتجع المغربي تحت إشراف المبعوث الدولي برناردينو ليون. وإلى جانب ممانعة المؤتمر (المنتهية ولايته) الذي يمسك بالسلطة والسيطرة في الغرب الليبي بما في ذلك العاصمة طرابلس، قوبل الاتفاق بمعارضة وتشكيك من جانب أطراف مؤثرة في الشرق الليبي (وعاصمته بنغازي) خصوصاً الفيديراليين ودعاة انفصال المنطقة المعروفة تاريخياً ببرقة، اضافة الى انصار الفريق خليفة حفتر الذين أخذوا على الوثيقة عدم اعترافها بتثبيته «قائداً عاماً للجيش الليبي» المنصب الذي منحه إياه مجلس النواب (البرلمان) الذي يتخذ من طبرق مقراً له.
وأُجريت مراسم التوقيع بالأحرف الأولى على «اتفاق الصخيرات» بمشاركة وفد برلمان طبرق وممثلين عن المجالس البلدية لمصراته وسبها وزليتن وطرابلس المركز ومسلاته والمستقلين وممثلين عن المجتمع المدني، وفي حضور وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار ورئيسي مجلسي النواب والمستشارين رشيد الطالبي العلمي ومحمد الشيخ بيد الله والسفراء الأجانب والمبعوثين الخاصين إلى ليبيا. ونوّه ليون بالتوقيع على «الاتفاق السياسي الليبي»، باعتباره «خطوة بالغة الأهمية في الطريق إلى السلام الذي يسعى الليبيون الى تحقيقه منذ أمد بعيد». وأضاف مخاطباً الموقعين: «تضعون من خلال هذا النص حجر الأساس لدولة حديثة ديموقراطية، مبنية على مبادئ الشمول وسيادة القانون والفصل بين السلطات واحترام حقوق الإنسان». وأكد أن الهدف الأساس للإتفاق هو «إنهاء الانقسام السياسي والمؤسساتي وتغليب روح المصالحة الوطنية والمعالجة الحكيمة لمخاوف ومصالح كل الفئات من دون انحياز أو إقصاء أو تهميش، وبشكل يتماشى مع المبادئ الواردة في الاتفاق والمتمثلة في سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان».
وشدد على ان الاتفاق «يتضمن رؤية واضحة للبناء المؤسسي اللازم لتفعيل وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية على أسس ومبادئ واضحة تستجيب لطموحات الشعب الليبي في الأمن والاستقرار، بشكل بعيد عن الشخصنة ويحترم سيادة القانون». ويأتي التوقيع بالأحرف الأولى على «اتفاق الصخيرات» تتويجاً لمسار طويل من المفاوضات، اختتم الجمعة الماضية بسلسلة من الاجتماعات عقدها المبعوث الدولي إلى ليبيا في منتجع الصخيرات مع مجموعة من المشاركين في جلسات الحوار الليبي إضافة إلى ممثلين عن المجالس البلدية لكل من مصراته وسبها وزليتن وطرابلس المركز ومسلاته. ونقل بيان صادر عن الأمم المتحدة عن ليون قوله إن حضور ممثلين من البلديات والأحزاب والشخصيات السياسية يهدف الى «إرسال رسالة واضحة بتكامل عمل المسارات (الحوار) وتوافقها»، مضيفاً أن جميع المشاركين في المسارات الأخرى ستتم دعوتهم عقب إجازة عيد الفطر للمشاركة في اجتماع مشترك لكافة المسارات للتأكيد على أن الحوار «أنهى شوطاً مهماً من أعماله بإنجاز وثيقة الاتفاق السياسي الليبي تمهيداً لبدء المرحلة التالية من الحوار». وطالب ليون كل الأطراف بـ»الخروج من أسر الماضي والتطلع إلى صوغ مستقبل مشترك يعزز التعاون والمصالحة والوحدة الوطنية».
في المقابل، شدد فرقاء الأزمة الليبيين خلال تلك اللقاءات على ضرورة «توفير ضمانات واضحة لأطراف الحوار حول بعض البنود المتضمنة في الاتفاق». وقال مصدر دولي إن النقاش حول القضايا الخلافية تأجل إلى ما بعد عيد الفطر، في إشارة إلى مطالب المؤتمر الوطني المنتهية ولايته بإدخال «تعديلات جوهرية» على الاتفاق، مشيراً الى بحث تركيبة «مجلس الدولة» في أحد ملاحق الاتفاق. وقال ليون إن المجال يبقى مفتوحاً لمعالجة القضايا الخلافية «من خلال ملاحق الاتفاق والتي ستعد جزءاً لا يتجزأ من الاتفاق وسيتم التفاوض حولها بين الأطراف المشاركة بذات الآلية التي تم إتباعها للتفاوض على بنود الاتفاق». وأكد أن الاتفاق «لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد قيام أطراف الحوار السياسي الليبي بإقراره واعتماده كاملاً وتوقيعه وهي ضمانة من بين الضمانات العديدة التي رغب الأطراف في تضمينها بالاتفاق». وأوضح أن قبول أحد الأطراف للإتفاق مع تقديم تحفظات محددة «أمر متعارف عليه ويحفظ للأطراف حقها في الاستمرار في التفاوض حول تلك التحفظات حتى التوقيع النهائي وإقرار الاتفاق». وأكد ليون في غضون ذلك أنه سيعمل مع حكومة الوفاق الوطني في سعيها لاستصدار قرار من مجلس الأمن يؤيد الاتفاق ويدعم تنفيذه ويعيد ليبيا إلى المسار الديموقراطي.
وقال وزير الخارجية المغربي إن الاتفاق يفتح صفحة جديدة «بأبعاد تاريخية واستراتيجية كبرى، لأنها لا تعني ليبيا وحدها بل تعني منطقة المتوسط كلها، والقارتين الإفريقية والأوروبية والعالم». وعبّر عن دعم بلاده «لما يخدم السلم والازدهار لهذا البلد الشقيق وللمنطقة ككل». وخفف مزوار من غياب المؤتمر الوطني، معتبراً أن الأمر لا يعدو «كبوة فارس لن يتأخر في الالتحاق بباقي إخوته، ولن يرضى لنفسه ولشعبه أن يخلف الموعد مع اللحظة التاريخية لتأسيس ليبيا الجديدة». وفي بيان مشترك على هامش مشاركتهم في الحوار، رحب سفراء: الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمغرب والبرتغال وروسيا وأسبانيا وتركيا والمملكة المتحدة، بالاتفاق «بين الغالبية العظمى للوفود المشاركة في المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة». ووصف السفراء الوثيقة التي تم التوقيع عليها بأنها «اتفاقية ليبية تفاوض عليها الليبيون بالنيابة عن الشعب الليبي». وحضّوا «بقية الوفود وكافة صنّاع القرار الليبيين» على «الاتحاد الآن والانضمام إلى دعم هذه الاتفاقية لصالح بلادهم ومن أجل مستقبل ليبيا».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق