دويتشه فيله: رغم نجاح تونس بالانتقال الديمقراطي، إلا أن الإرهاب قد يهدد الديمقراطية الناشئة فيها، وفق مخاوف برلين التي تعمل على إقناع شركائها الأوروبيين ومن مجموعة السبع بهمة لحماية حدود تونس وإطلاق مشاريع اقتصادية كبيرة فيها. ويبدو أن تداعيات العملية الإرهابية التي ضربت فندقا في مدينة سوسة الساحلية وأودت بحياة 38 سائحا أجنبيا، أغلبيتهم من البريطانيين، ثقيلة على قطاع السياحة في تونس. فبعد العملية بأيام نصحت بريطانيا رعاياها بمغادرة تونس في إشارة إلى إمكانية وقوع عمليات إرهابية أخرى. مثل هذه التحذيرات ووقوع عمليتين إرهابيتين، الأولى على متحف باردو في مارس/آذار الماضي والأخرى في سوسة، في غضون ثلاثة أشهر استهدفت سياحا من شأنه أن يلحق أضرار جسيمة بالسياحة التونسية قد تحتاج إلى سنوات حتى تتعافى منها. أن تكون تونس مستهدفة من قبل الإرهابيين يرجعه خبراء إلى أنه البلد العربي الوحيد التي نجح في القيام بانتقال ديمقراطي وبطريقة سلمية عبر صناديق الاقتراع وبالتالي في رغبة المتشددين بوأد الربيع العربي في مهده. ومن أجل إنقاذ الديمقراطية الناشئة في تونس وإنقاذ قطاع السياحة فيها والذي يعتبر أحد أهم الركائز الاقتصادية فيها، قررت الحكومة الألمانية إطلاق مبادرة تشارك فيها دول الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع الكبرى لحماية حدود واقتصاد تونس، وفق معلومات حصلت عليها صحيفة زود دويتشه تسايتونغ (Süddeutsche Zeitung) الألمانية.
"نريد حماية الديمقراطية الناشئة في تونس"
وفي سياق متصل، نقلت الصحيفة ذاتها عن مصدر بوزارة الخارجية الألمانية القول: "العملية الإرهابية في سوسة جعلت من التهديد الإرهابي صلب الاهتمام"، موضحا بأن "الإرهابيين حاولوا إضعاف الديمقراطية الناشئة في تونس وهذا ما يتعين علينا مجابهته بكل حزم." يذكر أن ألمانيا تدعم قطاع الأمن التونسي منذ عام 2012 وخاصة حرس الحدود من خلال تدريب أمنيين تونسيين وتزويدهم بمعدات مختلفة على غرار صدريات واقية من الرصاص ومناظير للرؤية الليلية بالإضافة إلى تقنية إبطال مفعول المتفجرات وأخرى لإنقاذ المنكوبين في عرض البحر. وتعتزم الحكومة الألمانية زيادة حجم المساعدات العسكرية لتونس بشكل كبير، حيث من المقرر توفير 100 مليون يورو لهذا الغرض توفرها كل من وزارتي الخارجية والدفاع الألمانيتين. كما تعتزم وزارة الداخلية الألمانية تقديم الدعم وخبرات الشرطة الألمانية ومكتب مكافحة الجريمة لمساعدة التونسيين في إرساء جهاز شرطة أكثر نجاعة.
ووفقا لوزارة الخارجية الألمانية، فإن برلين تهدف من خلال هذه الإجراءات إلى دعم تونس في مكافحة الإرهاب الإسلامي المتطرف وفي الوقت نفسه مساعدتها على ألاّ تعود إلى زمن الديكتاتورية والقمع. بيد أن تونس تواجه أيضا خطر نحو 3000 شاب انضم إلى تنظيمات إرهابية، على غرار "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق. وفي الوقت نفسه تجد تونس نفسها في محيط جغرافي صعب وخطير، ففي الجزائر –التي وإن كانت تواجه الإرهاب بقبضة من حديد- إلا أنها ما تزال بين الفينة والأخرى مستهدفة من قبل الجماعات الإرهابية. أما ليبيا فقد أصبحت مرتعا للميليشيات المسلحة المتطاحنة والجماعات المتطرفة الإرهابية. خاصة وأن إرهابي سوسة قد تلقى التدريبات على حمل السلاح واالقتل في ليبيا، وفق السلطات التونسية. وبالتالي، فإن حماية الحدود التونسية مع كل من الجزائر وليبيا أصبحت من الأولويات الضرورية.
برلين وباريس ولندن وراء مهمة أوروبية لحماية حدود تونس
ولهذا الغرض ووفقا لمعلومات صحيفة زود دويتشه تسايتونغ، فإن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير بصدد إجراء محادثات مع لندن وباريس لإطلاق مبادرة لمهمة أوروبية لحماية الحدود التونسية. يشار إلى أن الوزير الألماني قد قام عام 2014 بمحاولة مماثلة إلا أنه لم يجد آذانا صاغية. ولكن وبعد عمليتي باردو وسوسة هاهي بريطانيا وفرنسا تعربان عن استعدادهما لدعم المباردة الألمانية. ومن المقرر في 20 من يوليو/تموز 2015 أن يصادق وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الـ28 على هذه المهمة. يذكر أن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي أعلن عقب أسبوع من العملية الإرهابية في سوسة، أي في الرابع من يوليو/تموز، حالة الطوارئ لمدة شهر تحسبا لوقوع عمليات جديدة. وقتل 38 سائحا أجنبيا، بينهم 30 بريطانيا يوم 26 يونيو/حزيران في هجوم نفذه طالب تونسي مسلح برشاش كلاشنيكوف على فندق "إمبريال مرحبا" في ولاية سوسة (وسط شرق) وتبناه تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف.
إطلاق مشاريع كبرى لدرء خسائر قطاع السياحة
كما يبدو أن ألمانيا عازمة على استغلال موقعها كرئيسة لمجموعة السبع لتوفير المال والخبرات لإقامة مشاريع كبيرة في تونس لإيجاد بدائل اقتصادية تحتوي الخسائر التي تكبدها قطاع السياحة بعد عمليتي سوسة وباردو. ووفقا لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية، فإنه قد تم توفير المال الضروري لذلك وأن الأمر يتعلق بقرارات سياسية حول مشاريع محددة. ويعد قطاع السياحة أحد اعمدة الاقتصاد في تونس إذ يشغل أكثر من 400 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر ويساهم بنسبة 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يدر ما بين 18 و20 بالمئة من مداخيل تونس السنوية من العملات الأجنبية. ونهاية الشهر الماضي، توقعت وزيرة السياحة التونسية سلمى اللومي الرقيق أن يخسر اقتصاد بلادها في العام الجاري أكثر من 450 مليون يورو بسبب تداعيات الهجوم على فندق سوسة. كما أن نجاح مثل هذه المبادرة ومهمة حماية الحدود الأوروبية متعلق بمدى تعاون السلطات التونسية. فمثلا لا يمكن تسريع توسيع ميناء حلق الوادي في العاصمة تونس إذا لم تسرع البروقراطية التونسية في منح التراخيص الضرورية. أما فيما يتعلق بالتعاون الأمني، فتقول صحيفة زود دويتشه تسايتونغ نقلا عن مصدر بوزارة الخارجية الألمانية إن "ذلك يتعلق بمدى استعداد الشرطة وحرس الحدود في تونس التحدث عن وضعيتهم بشكل صريح".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق