العرب اللندنية: بدا رئيس وزراء اليونان ألكسيس تسيبراس واثقا عندما دعا اليونانيين إلى رفض مقترحات الدائنين والتصويت "بـ"لا"، في الاستفتاء المصيري حول مقترحات الدائنين المتعلقة بالإصلاح والتقشف. وقال تسيبراس إن "التصويت بـ"لا" لا يعني القطيعة مع أوروبا"، وإنما هي وسيلة قوية للضغط للحصول على"اتفاق أفضل". لكن يورن ديسلبلوم رئيس مجموعة اليورو رد بقوله إن "هذا ليس صحيحا". فهل هي مقامرة أم تفاؤل منقطع النظير؟ يقول هولغر شميدنغ، الاقتصادي لدى برنبرغ، إن الاحتمال محدود بأن تعود أثينا من موقع قوة في حال حصلت على تأييد الناخبين. ويضيف "إذا صوّت اليونانيون بلا، سيصبح التوصل إلى اتفاق مع الدائنين أكثر صعوبة بكثير". وسياسة القشف التي يرفضها ائتلاف اليسار الراديكالي في اليونان فرضتها الترويكا الأوروبية (صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي واللجنة الأوروبية). وتعد ألمانيا أكبر دائن لليونان وتليها فرنسا، فلهما 80 بالمئة من الديون. وأدى هذا التقشف إلى انهيار كامل في الخدمات الاجتماعية وتراجع التعليم والصحة والقيام بطرد 20 ألف عامل سنويا منذ عام 2011 وإلى الآن، وتقهقر الطبقة المتوسطة وهروب آلاف المعامل الصغيرة إلى بلدان أخرى. وقد ساعد في ذلك التهرب الضريبي الكبير للشركات اليونانية الكبرى، وحدث بالتوافق والتلاعب مع الاتحاد الأوروبي، والذي صار يتحكم باليونان بدءا من 2010، مع بداية الأزمة الاقتصادية الكبرى.
وباتت اليونان منذ الثلاثاء متخلفة عن تسديد ديونها بعد عجزها عن تسديد دفعة مستحقة لصندوق النقد الدولي من 1.5 مليار يورو. ويفترض أن تسدد 3.5 مليارات يورو للبنك المركزي الأوروبي في 20 يوليو. وقالت آنييس بيناسي كيري، من كلية الاقتصاد في باريس، إن "أثينا في وضع معقد جدا. وهي تحتاج لتمويل خارجي لتسديد ديونها ولكن كذلك لدفع رواتب موظفيها الآن مع تدهور اقتصادها مجددا". ويؤمّن البنك المركزي الأوروبي وحده حاليا استمرارية القطاع المصرفي اليوناني عبر دعم البنوك التي فرغت خزائنها تقريبا. والأربعاء الماضي قرر حكام المصرف الإبقاء على سقف المساعدة الطارئة مؤجلين اتخاذ قرار بوقفها، بانتظار انتهاء الاستفتاء. ولكن ما إن يجرى الاستفتاء، قد يتغير الأمر. فقد يتم الإبقاء على المساعدة الطارئة كما هي لبضعة أيام، لكن "بعد 20 يوليو، وإذا لم يحصل البنك المركزي الأوروبي على المال، سيصبح الأمر مستحيلا تقريبا" وفق أنييس بيناسي كيريه. وماذا سيحل بالاقتصاد اليوناني عندما يحرم من التمويل الخارجي؟ وكالة ستاندارد أند بورز للتصنيف قالت إنه "من دون دعم نظام اليورو، سيصبح نظام الدفع معطلا ولن تكون بنوكها قادرة على العمل". ومع تعطل أجهزة الصرف الآلي ووقف العمل ببطاقات الائتمان قد تعمد الحكومة لتيسير الأمور إلى عملة "موازية" مثل الأوراق التجارية أو الكمبيالات التي يتم من خلالها الاعتراف بالديون، وما إن تضعها الحكومة في التداول يمكن أن تنتشر في القطاع الخاص. ولكن إذا تم إصدارها بموازاة اليورو، فقد تفقد هذه الأوراق التجارية المؤقتة قيمتها سريعا. عندها قد تشهد البلاد تضخما متسارعا وانهيارا لنظام الادخار. وستبقى الفواتير غير مسددة والمرتبات غير مدفوعة، وقد يصاب الاقتصاد كله بالشلل.
لا لأوروبا
أمام استراتيجية ألكسيس تسيبراس باعتماد سياسة التصالح تارة والمواجهة تارة أخرى، برزت الانقسامات بين مناصري الخط المتشدد مثل ألمانيا ودول البلطيق ودول شرق أوروبا والمعتدلين مثل فرنسا. بدا نائب رئيس المفوضية الأوروبية فلاديس دومبروفسكيس مطمئنا بحديثه عن "إمكانية التوصل لاتفاق" قبل 20 يوليو في حين بدا رئيس المفوضية جان كلود يونكر جازما بقوله إن التصويت بلا في الاستفتاء يعني "لا لأوروبا". وقال إن التصويت بـ"لا" في استفتاء اليونان على شروط برنامج الإنقاذ المالي الدولي، سيجعل من "الصعب للغاية" استمرارها في منطقة اليورو. وقال هولغر شميدنغ "هل سيجعل التصويت بلا خروج اليونان من اليورو حتميا؟ هناك أمور قليلة مؤكدة مئة بالمئة. ولكن خطر حدوث ذلك في هذه الحالة سيكون كبيرا جدا"، متسائلا حول المساعدة التي ستقدمها أوروبا حينها لليونانيين “لتخفيف الصدمة". ولم يستبعد وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله خروج اليونان من منطقة اليورو. وقال شويبله، في تصريحات لصحيفة "بيلد" الألمانية أمس السبت، “سواء مع اليورو أو دونه مؤقتا، فهذا السؤال يجيب عليه اليونانيون وحدهم". وفي إشارة إلى استمرار عضوية اليونان داخل الاتحاد الأوروبي في كل الأحوال، أضاف شويبله "بديهي أيضا أننا لن نتخلى عن الناس في اليونان".
وأصر الوزير الألماني على مراعاة دول اليورو لقواعد العملة الموحدة بشكل صارم، وقال إن "أيّ وحدة يمكنها أن تنجح فقط في حال تمسك الأعضاء بالقواعد، ومن باب نقد الذات علينا أن نعترف أننا كنا، نحن الألمان والفرنسيين، أول من كسر قواعد استقرار اليورو في عام 2003 وكانت تلك هي الخطيئة". وتظهر استطلاعات الرأي تقاربا في معسكري "نعم" و"لا"، بما يعكس حالة الانقسام والتذبذب التي يعاني منها اليونانيون، وأيضا هذا بدوره يبيّن أن النتيجة في كلّ حالاتها لن تكون مخرجا جيّدا. وقد أظهر استطلاع أجرته" مؤسسة إبسوس" أن اليونانيين المؤيدين للموافقة على الشروط الصارمة لاتفاق الإنقاذ المالي في الاستفتاء يتقدمون بفارق نقطة مئوية واحدة على معسكر الرافضين. وقالت "إبسوس" إن حوالي 12 في المئة ممن شملهم الاستطلاع لم يتوصلوا إلى قرار بعد، وهو ما يبرز إمكانية كبيرة لتغيير النتيجة.
ورطة الـ"نعم" وورطة الـ"لا"
يواجه اليونانيون الأمرّين حيث أن التصويت بـ"نعم" يعني الاستمرار في مواجهة الاقتطاعات التقشفية، أما التصويت بـ"لا" فيعني مواجهة عواقب وخيمة على مستقبل البلاد في منطقة اليورو. ومن بين المؤيدين للتصويت بـ"نعم" رؤساء وزراء سابقون والكتلة الرئيسية في المعارضة التي ترى في "لا" خطرا على وضع اليونان في الاتحاد الأوروبي. وتعني "نعم" الدخول في مفاوضات جديدة مع الدائنين لإنقاذ الاقتصاد المترهّل، لكن المفاوضات قد تستغرق وقتا طويلا، ما يعني استمرار القيود الحالية على عمليات سحب ونقل الأموال. ومن المتوقع في تلك الحالة أيضا استقالة الحكومة الحالة المؤيدة للتصويت بـ"لا" وهي قد ألمحت إلى ذلك بالفعل، وقد تضطر إلى تشكيل ائتلاف حكومي جديد، لكن ليس واضحا عما إذا كانت البلاد ستشهد انتخابات جديدة. وليس واضحا أيضا انعكاس التصويت بـ"نعم" على إعادة حياة المواطنين إلى طبيعتها وفتح البنوك، إذ يتوقع أن ينتظر البنك الأوروبي لحين التوصل لاتفاق جديد. وبالنسبة إلى حزب سيريزا اليساري فإن فوز التصويت بـ"نعم" قد يعني الدخول في مرحلة من عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي لا يمكن للاقتصاد اليوناني أو النظام المصرفي أن يسمح به حتى وإن كان لفترة قصيرة. وعلى المدى المتوسط، سيدخل هذا الأمر اليونان في مرحلة تقشف جديدة.
أما فوز الـ"لا" في الاستفتاء فقد يدخل اليونان في المجهول، بحسب عدد من المراقبين، وحتى وإن كانت حكومة تسيبراس وعدت بالتوصل إلى اتفاق بعد أيام على الاستفتاء إذ أنها تعتقد أن من شأن ذلك أن يقوّي موقفها خلال المحادثات مع الدائنين. وفي النهاية، يتعلق الأمر أساسا بموقف الأوروبيين من الأمر، وهو متباعد. ورغم تأكيدات الحكومة أن التصويت بـ"لا" لا يعني الخروج من منطقة اليورو، إلا أن هناك مخاوف حقيقية لدى قطاع من المسؤولين والمستثمرين والمواطنين العاديين من عواقب ذلك. ويشعر المستثمرون بمخاوف حقيقة من إمكانية حدوث ما يعرف باسم "غريكزيت"، أي خروج اليونان من منطقة اليورو. بدوره، التصويت بـ"لا" لن يعني العودة التلقائية لاستخدام العملة المحلية، لكن من دون التوصل لاتفاق وضخ أموال في الاقتصاد، سترضخ اليونان في أعباء سداد ديونها ورواتب الموظفين. فهل ستبقى اليونان في هذه الحالة عضوا في منطقة اليورو؟ في الواقع، لا. ولكن "طالما لا توجد آلية قانونية للخروج من اليورو، فالخطر كبير بشأن ما سيحدث في أوروبا كلها في ما بعد"، وفق هنريك أنرلين من معهد جاك دولور. وترى آنييس بيناسي كيريه أن "ما سيحدث في اليونان في حال فوز الـ"لا" لن يتمثل فقط بحدوث سلسلة من الأحداث الاقتصادية وإنما سيتوقف على المفاوضات السياسية. نحن في وضع لم يسبق له مثيل، لا أحد يعلم إلى أين ستفضي الأمور". وعندما سئل وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس لماذا هو واثق من أنه سيتم التوصل إلى اتفاق حتى إذا صوت اليونانيون بـ"لا"على شروط اتفاق إنقاذ جديد محتمل قال إن عدم الموافقة سيكون باهظ التكاليف للجانبين. وقد يقرر التصويت مستقبل اليونان كعضو في منطقة العملة الأوروبية الموحدة. وأضاف فاروفاكيس، الذي وصف الإجراء الذي تتخذه أوروبا نحو بلاده بـ"الإرهاب"، "يوجد الكثير عرضة للخطر بالنسبة إلى اليونان مثلما هو لأوروبا فإنني لديّ ثقة. إذا انهارت اليونان فإن تريليون يورو (ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لأسبانيا) ستضيع. إنه مبلغ كبير للغاية ولا أعتقد أن أوروبا يمكن أن تسمح بذلك"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق