العرب اللندنية: بعد اتصالات الشاه رضا خان بألمانيا خلال احتلال الجيش النازي لباريس 1941، اجتاحت القوات البريطانية والروسية الأراضي الإيرانية وأجبرت الشاه على التنازل عن عرشه لولده محمد رضا بهلوي. كان ذلك الشاه المخلوع مجرد عسكري من أسرة فقيرة قام بانقلاب على القاجار، ولبس التاج بيديه، مطلقا على نفسه لقب "بهلوي"، وفي ليلة نفيه إلى جنوب أفريقيا قُدّرت ممتلكاته بألفي قرية، وكان هناك ربع مليون فلاح إيراني يعملون مباشرة في الأرض التي يمتلكها. وعشية سقوط آخر ملوك إيران أثناء الثورة الإيرانية سنة 1979 كانت الحقائق التي تدعمها الأرقام أن كلا من الأسرة المالكة ومؤسسة بهلوي تتحكمان في 80 بالمئة من صناعة الإسمنت في البلاد و70 بالمئة من الفنادق السياحية و62 بالمئة من البنوك والتأمين و40 بالمئة من صناعة النسيج و35 بالمئة من صناعة السيارات. وفي أكثر من مناسبة أكد السيد علي خامنئي أن ثورة الخميني، لم تكن سوى انفجار للغضب الإيراني على المخابرات المركزية الأميركية، التي خططت من مبنى السفارة الأميركية بطهران للإطاحة برئيس الوزراء الدكتور محمد مصدق سنة 1953، بسبب إعلانه قانون تأميم النفط الإيراني. وبعد ربع قرن من إلغاء التأميم والانقلاب الأجنبي على مصدق انفجر الشعب الإيراني واحتل السفارة الأميركية وأخذ كل من فيها رهائن.
لقد مضت 35 سنة على أزمة الرهائن و62 سنة على الإطاحة بمصدق ليتم اليوم رفع العزلة والعقوبات عن إيران وتوقيع الاتفاق النووي معها بشكل نهائي. تعود إيران إلى المنطقة كلاعب إقليمي وشريك سياسي مهم، إلا أنها هذه المرة تعود بالمرشد الشيعي والعمامة وليس بالشاه المرصّع تاجه بالذهب والألماس. إن مسار الثورة الإيرانية هو أساسا ضد الفساد المالي والتبعية للأجنبي، فكيف يمكن لنا فهم احتوائهم للحكومة العراقية التي تمتاز بالفساد والعمالة المطلقة للمخابرات الأميركية؟ ولماذا شجّعت إيران الانقسام الطائفي الحاد وتهجير وذبح سنة العراق بتلك الطريقة الوحشية منذ احتلال العراق عام 2003؟ يبدو أن ضم العراق إلى إيران هو الهدف، ولن تنتهي المذابح الطائفية والفساد المالي والعنف والإرهاب إلا إذا تم ضم العراق الشيعي “عراق العجم” بشكل كامل إلى إيران باستفتاء شعبي. ويمكن للمرجعية الشيعية أن تدعو الناس للترحيب بهذه الفكرة في الوقت المناسب.
إيران بدأت بشعارات الموت لإسرائيل، والموت للشيطان الأكبر أميركا. خمس وثلاثون سنة وهم يعيشون في كنف دولة دينية ظلامية. التعليم يفرض الحجاب الشيعي والفقه الجعفري، دعموا ميليشيا إرهابية مثل حزب الله، وغامروا بتصدير صواريخ تسقط على إسرائيل. خطفوا رهائن وفجّروا سفارات. تحالف العالم ضدهم في الثمانينات، كان العراق يقتل الآلاف منهم يوميا على الجبهات، بسبب ضعف التسليح والتدريب الإيراني في بداية الحرب، واعتمادهم على الموجات البشرية بسبب العاطفة الملتهبة للمتطوعين، وطائرات الميغ الروسية العراقية وصواريخ أرض-أرض كانت تدك طهران وقم وجزيرة خرج النفطية. حاصرهم العالم بالعقوبات الاقتصادية. كان العراق يتمتع بمساعدات مخابراتية أميركية لوجيستية وسلاح روسي، وكان يأتي الرز والطحين مجانا بدعم سعودي، وحسني مبارك سهل إرسال مليون مصري للعمل في العراق بسبب انشغال العراقيين بالحرب. والنتيجة هي أن صور الخميني اليوم معلقة على صدور المراقد المقدسة وعلى جسور بغداد ومساجدها، بينما تم نبش قبر الرئيس صدام حسين عدة مرات.
رغم العقوبات الاقتصادية على إيران كانت الزراعة في تطور والبلاد تقاوم الجوع والانهيار بقمحها وفاكهتها. الشعب الإيراني تحمل، لم يقل لماذا إسلام شيعي؟ ولماذا رجال دين؟ ولماذا نتحدى أميركا؟ ولماذا نعود ألف سنة إلى الوراء؟ وما شأننا بحزب الله الإرهابي؟ ولماذا الأناشيد الاستشهادية؟ ولماذا المزاج المعادي للعالم؟ ولماذا نتبع سياسة دمرت الريال الإيراني ودمرت الاقتصاد وجعلت الجواز الإيراني مرفوضا في كل دول العالم المتقدم؟ كانت السياحة الإيرانية الوحيدة هي زيارة السيدة زينب بسوريا، وشراء الجوارب النسائية والصابون من سوق الحميدية. لقد صبر الشعب الايراني بعناده المعروف، حتى دار الزمن دورته. لقد بدؤوا بخميني مجنون "قائد ثوري عمره ثمانون عاما ليلة الثورة" عنيف يريد الكعبة، وحرق إسرائيل، ومحاربة الشيطان الأكبر، ثم مع الزمن طوروا اكتفاء ذاتيا بالاعتماد على الدين والثقافة المحلية، وتحقق استقلالهم السياسي فلم تعد إيران هي تلك التي يحتلها الروس والإنكليز والأميركان، بل نحن نتحدث عن أطماع فارسية اليوم بشكل جدي في المنطقة. كيف حدث ذلك؟
هل تم فتح القمقم للمارد الإيراني لأجل القضاء على دولة البغدادي حقا؟ هل هذا هو السبب أم هناك أسباب أخرى؟ لا يبدو الأمر بهذه البراءة. فالخليفة البغدادي يبدو أكثر دهاء مما ظننا، ولعله يدرك تماما أنه حتى أعظم الخلفاء العثمانيين مثل سليمان القانوني، لم يستطع إلغاء حقيقة جغرافية وسياسية هي الدولة الفارسية الصفوية. ولهذا ركز البغدادي جهوده على بناء دولته، غير مكترث بمن يريدون منه أن يكون نسخة من صدام حسين، صاحب الحظ العاثر الذي استخدمه الأميركان لضرب الخميني، ثم تخلصوا منه في أبشع مكافأة، لكل مَن يقاتل بالوكالة عن الآخرين.العرب أيضا من جهتهم لم يستطيعوا تجاوز غزو العراق للكويت واحتواء المشكلة، وقدّموا العراق على طبق من ذهب لإيران. حتى وصلنا إلى دعم شيعة الكويت علنا للحشد الشعبي بالملايين رغم ممارساته الإجرامية ضد سنة العراق.
قبل يومين نشر عضو مجلس الأمة الكويتي الدكتور عبدالحميد دشتي صورة له وهو يقبّل والد الإرهابي عماد مغنية علنا، وربما غدا يقبل يد أبي مهدي المهندس نائب سليماني، والأدهى كان رده على موجة الاحتجاج السياسي ضده قائلا "موقفي من زيارتي لعائلة الشهيد مغنية الذي يعتبره شرفاء وأحرار العالم والأمة قائدا استثنائيا، هو عمل يحسب في إطار دعمي للمقاومة التي رفعت رأسك ورؤوسنا، متجسدة في رجال الله وحزبه الغالب". الكويت لم تتعامل مع غزو العراق كحادثة عادية مثل غزو فيصل الدويش لها سنة 1920 مثلا، بل كانت هناك كمية كبيرة من العواطف المدمّرة. وما تفجير حسينية الصادق مؤخرا والحديث عن الوحدة الوطنية والصلاة الموحدة في الكويت، إلا علامات مبكرة لأزمة طائفية ف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق