وعزا متابعون خسارة التنظيم لدرنة الواقعة على البحر الأبيض المتوسط إلى غياب حاضنة شعبية للتنظيم في المدينة حيث ينظر إليه أبناؤها على أنه دخيل، وترجم ذلك في تحركات شعبية طالبت بخروجه من مدينتهم خاصة بعد قتله لـ7 مدنيين. وتعد هذه أول انتكاسة في ليبيا للتنظيم الذي أرسل إلى ليبيا مقاتلين ورجال دين من تونس واليمن ودول عربية أخرى في محاولة لتكرار النجاح الذي حققه في العراق وسوريا حيث استولى على أجزاء واسعة من أراضي البلدين وأعلن قيام “خلافة” إسلامية. وكان التنظيم قد أعلن في تسجيل مصوّر عقب هزيمته في المدنية أنه سحب مقاتليه لكن القتال لم ينته بعد.
وتعتبر مدينة درنة ذات التضاريس الوعرة وسط سهل ضيق بين ساحل المتوسط وسفوح الجبل الأخضر أحد المناطق الليبية المفضلة للجماعات الجهادية، وتكتسب هذه المدينة تاريخيا مكانة خاصة لدى الجهاديين حيث كانت الحاضنة للجماعة الإسلامية المقاتلة في عهد معمر القذافي. ومن هذه المدينة خرجت العديد من القيادات المتطرفة حيث وقع رصد قرابة مئة عنصر من درنة وحدها في العراق إبان قيادة أبو مصعب الزرقاوي لفرع تنظيم القاعدة في العراق (أصبح اليوم تنظيم داعش). وسعى تنظيم الدولة الإسلامية إلى الاستفادة من الفوضى الليبية في ظل غياب سلطة مركزية قوية قادرة على ضبط الوضع الأمني في البلاد إلى جانب انقسام الولاءات وانتشار السلاح وتعدد المليشيات التي تتبنى معظمها الفكر المتطرف.
وكان يأمل تكرار نجاحه في سوريا والعراق حيث تمكّن تنظيم داعـش من السيطرة تقريبا على ثلث الأراضي العراقية ونصف مساحة سوريا، معلنا “الخلافة”. ورغم شن طيران التحالف الدولي الذي التحقت به تركيا مؤخرا وذلك بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لأكثر من 5000 طلعة في كل من سوريا والعراق ضده إلا أنه ما يزال يحقق انتصارات في هاتين الدولتين. ويقول الخبراء إن سبب فشل تنظيم الدولة الإسلامية في تحقيق إنجازات ميدانية بليبيا على خلاف البلدين في الشرق الأوسط يعود لعدة اعتبارات منها وجود تنظيمات متطرفة قوية هناك وبالتالي هناك ما يعبّر عنه “توازن الرعب”، كما أن في ليبيا ليست هناك عداوات طائفية يمكن أن يستغلها التنظيم.
وأكد أحد سكان درنة “الناس ملّوا من داعش (الدولة الإسلامية)، وهناك كتائب إسلامية أخرى منافسة تتمتع ببعض التأييد بمدينتنا منذ اندلاع الثورة التي أطاحت بالقذافي”. وقال ماتيا توالدو الباحث السياسي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إنّ من المحتمل أن يركز تنظيم الدولة الإسلامية الآن على موطئ القدم الآخر له بليبيا وهو مدينة سرت مسقط رأس القذافي والتي تقع في وسط الساحل الليبي ويتمتع فيها داعش بدعم غير معتاد من جانب بعض الموالين للقذافي المعارضين للحكومة التي تحظى بغطاء دولي أو للحكومة الموازية التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقرا لها. وهاجم مقاتلو الدولة الإسلامية حقول النفط جنوبي سرت الواقعة في وسط البلاد وخطفوا نحو تسعة عمال أجانب، كما أعدموا 21 مسيحيا مصريا قرب المدينة واقتحموا فندقا في العاصمة طرابلس وقتلوا خمسة أجانب.
وتوقع توالدو أن يحاول متشددو التنظيم إقامة نقاط أمنية على مفترق طرق استراتيجي في وسط ليبيا حيث يتصل طريق ساحلي سريع بين شرق وغرب البلاد بممر إلى سبها وهي مدينة في أقصى الجنوب. وأضاف “سوف يكون بإمكانهم طلب الكثير من المال نظير الحماية (هناك)”. وبخلاف ما حدث في العراق وسوريا لا يستطيع تنظيم الدولة الإسلامية كسب ملايين الدولارات من بيع النفط في السوق السوداء لأن النفط الليبي يهيمن عليه أهل البلاد، ولذلك يعتمد التنظيم على الفدى التي تدفع عن سجناء وعلى أجور أعضائه المحليين إذ لا يزال معظم الشبان الليبيين يتقاضون رواتب من السلطة. ومن الممكن أيضا أن يحاول تنظيم الدولة الإسلامية اللعب على شكاوى سكان الجنوب الفقير، حيث ليس للحكومة الشرعية سلطة في تلك المنطقة النائية التي قتل فيها عشرات الأشخاص منذ الأسبوع الماضي في اشتباكات بين قبيلتي الطوارق وتبو.
وقال جيفري هوارد محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز الأبحاث (جلوبال ريسك أناليسيس) الذي يتخذ من لندن مقرا له “يمكن أن يسعى المتشددون المرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية لاستغلال مشاعر التهميش في الجنوب الغربي خاصة بين أفراد مجموعة الطوارق العرقية لتجنيد مقاتلين وللسيطرة على الأراضي”. وعلى الدوام بإمكان الدولة الإسلامية اتخاذ الجبل الأخضر وهو منطقة في وسط البلاد بعيدة عن الساحل اختبأ فيها بطل المقاومة للاحتلال الإيطالي عمر المختار ملجأ لها. وقال فردريك ويهري وهو باحث كبير في (كارنيجي إنداومنت فور انترناشونال بيس) “هو حقل مزدحم.. كل شيء في ليبيا متشرذم.. كل شيء يخضع للسيطرة المحلية.. لذلك يصعب على أيّ جماعة أن تتوسع”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق