DW عربية: في تل أبيض البلدة الكردية، اختفت الأعلام السوداء ولم يبق من آثار "داعش" سوى "قفص المخالفين" الذي يذكِّر سكان البلدة الواقعة شمال سوريا، بفظاعات التنظيم ويثير خوفهم من عودة مقاتليه. ونرصد الأجواء في تل أبيض. وبدأ التطور الميداني بعدما فرض المقاتلون الأكراد وحلفاؤهم من فصائل الجيش الحر، سيطرتهم على المعبر الحدودي الواقع بين مدينة أقجه قلعة و"تل أبيض" السورية، وهو القسم السوري الذي كان تحت سيطرة مقاتلي التنظيم. وبات المقاتلون الأكراد والجيش الحر بدعم من غارات التحالف الدولي، على بعد نحّو خمسين كيلومتراً من مدينة الرقة التي اتخذها زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي عاصمة "للدولة الإسلامية" المعلن عنها قبل عام.
من يخالف يوضع في قفص
الآن عاد محمود الذي كان في السابق يزاول مهنة خياطة الألبسة النسائية لفتح ورشته واستئناف عمله من جديد، بعد أن كان ذلك ممنوعاً في ظل حكم تنظيم "داعش"، ويعبر محمود في حديثه لـ DW/ عربية عن سعادته لعودة أهالي البلدة الحدودية مع تركيا إلى ما كانت عليه قبل سيطرة التنظيم، ويقول: "التنظيم حول "تل ابيض" الى سجن كبير، فكل من خالف قوانينهم يحاسب على ذلك بعقوبات لم نسمع عنها قط". ويشير محمود بيديه الى قفص حديدي وسط السوق ويقول: "من يخالف يوضع لعدة أيام في ذاك القفص، ومن يرتكب مخالفة ما يسجن أيضا في نفس القفص". وأشار محمود إلى أن الخبز كان متوفرا وتم توزيعه بالمجان خلال الأيام الأولى من عودة النازحين، حيث انخفض سعره إلى النصف فتم بيع الربطة بـ 50 ليرة أي ما يعادل 20 سنتاً أمريكياً. ويعتبر محمود بلدة "تل أبيض" كأحد الشرايين الرئيسية التي يتدفق عبرها المقاتلون الأجانب من تركيا. فعبره تمر الإمدادات إلى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" في سوريا والعراق. ويرى مراقبون بأنها تشكل أيضاً معبرا باتجاه السوق السوداء للنفط الذي يتم ضخه في حقول الإنتاج التي يسيطر عليها التنظيم في شرق سوريا. ويروي كانيوار لـ DW/ عربية كيف اضطر الى ترك مسقط رأسه مع جميع أفراد أسرته قبل عامين، حيث قصد تركيا بعد دخول فصائل منتمية إلى حركة أحرار الشام وجبهة النصرة وقال: "آنذاك تم الانتقام من اكراد البلدة، فهجرونا قسراً بعد قيام المقاتلين الاكراد بالهجوم على مدينة رأس العين شمال الحسكة".
"سلطة الأمر الواقع"
اليوم عاد كانيوار مثل الكثيرين من أبناء البلدة النازحين إلى "تل أبيض" ليتفقد منزله، غير أن المنزل كان فارغا بالكامل، ويقول: "حتى الشبابيك والأبواب سرقوها، الله ينتقم منهم"، رافعاً يديه الى الله بطلب معاقبة الجهة التي سرقت ما بداخل منزله. وتُعتبر "تل أبيض"، أهم بلدة تابعة لمدينة الرقة ولها معبر حدودي مع تركيا، وسُميّت بهذا الاسم نسبة إلى تل أثري قريب منها، وتبعد عن الرقة بحوالي 100 كم شمالاً، وتُعتبر من المدن الغنية وهي معروفة بتنوعها العرقي، حيث يعيش فيها الكرد والعرب والأرمن والتركمان جنباً إلى جنب. أما السيد جاسم العواد في عقده الخامس فبدأ حديثه مع DW /عربية قائلا: "عشنا المرارة في كنف "داعش"، عشنا كل شيء تحت سلطة أمر الواقع"، وحكى جاسم كيف انه لم يتمكن من نقل أخيه إلى المشفى بعد مرضٍ ألمّ به وقال: "لم يكن بإمكاننا نقله بسبب منع التجول ليلاً من طرف التنظيم، وساءت حالته كثيراً ولولا وجود ممرض في الحي للقي مصرعه". وينفي جاسم ما يقال عن تهجير العرب والتركمان، مؤكدا أن "جميع المكونات (الديموغرافية) في المنطقة تنعم بالحياة بعد طرد "داعش" منها"، وأشار أنه يسكن في حي كردي منذ ولادته، "عشنا كأخوة، لم يفرقنا إلا العدو "داعش" ومحاولات سابقة من النظام"، واستدرك قائلاً: "سعادتي لا توصف لعودة جيراني الاكراد الى منازلهم".
عودة الطمأنينة
ويحكي الأهالي أنه بعد مرور حوالي عامين تباع الآن السجائر علانية في شوارع "تل أبيض". ولاتزال الراية السوداء مرسومة بشكل ملفت للنظر على جدار أحد مكاتب الأمن التابعة للتنظيم. وخلال فترة "داعش" تم رش واجهات المتاجر المغلقة باللون الأحمر، حيث كتب عليها باللون الأسود كلمة: "الدولة" بمعنى أنها ملك للدولة الإسلامية. "سيبان جان" مسؤول في قوات الاسائيش( شرطة محلية تابعة للإدارة الذاتية الكردية) ذكر لDW /عربية أن "القوات المشتركة تعمل على إعادة الأمن والطمأنينة الى المواطنين"، مشيرا إلى أن "تل ابيض" كانت نموذجاً للتعايش السلمي بين كافة المكونات، وأضاف: "نعمل وفق أدبياتنا وثقافتنا والتي تنص على العدل والمساواة بين الجميع للعيش بحرية وكرامة". يمكن الآن مشاهدة العلم الكردي إلى جانب علم الثورة السورية مرفرفا في مداخل ومخارج المدينة. ويتم جلب المحروقات والوقود والمواد الغذائية من مدينة رأس العين (150 كلم شرقاً)، حيث أصبح الطريق مفتوحا بين مناطق شمال شرق سوريا التي هي تحت سيطرة القوات المشتركة. كما نفى المسؤول الكردي قيام أية جهة بتهجير للمواطنين، قائلا بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة"، وشدد على ان الإدارة المؤقتة المعنية بتسيير شؤون المدينة تعمل على توفير المواد الأساسية والغذائية الضرورية مثل الخبز، كما قامت بإعادة تزويد المنطقة بالتيار الكهربائي من خلال تشغيل عدد من المولدات ومد خطوط في كافة أحياء المدينة وبعض القرى المحيطة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق