العرب اللندنية: يقف فريق التفتيش التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية على أهبة الاستعداد للتحرك بسرعة في العاصمة النووية بانتظار إشارة عن مستقبل المفاوضات بين القوى العالمية وإيران، التي دخلت ساعاتها الأخيرة. وتسلح الفريق الذي يكونه 50 من خيرة خبراء الوكالة، بأجهزة مراقبة جديدة، أكثر تطورا من أي أجهزة سبق استخدامها في إيران أو في أي بلد آخر. وتشمل المعدات أجهزة استشعار تعمل بالليزر وكاميرات ذكية وشبكات مشفرة، من شأنها أن تسمح للمفتشين برصد أي حركة في البنية التحتية النووية الإيرانية حال وقوعها، ومن موقع قيادتهم المطل على نهر الدانوب في العاصمة النمساوية. ويأتي الحدث الأبرز في تاريخ الوكالة، في حال التوصل لاتفاق، بعد أن قطعت أجهزة التفتيش والتجسس شوطا طويلا من التطور وأصبحت تعتمد تقنيات رقمية منذ نحو 10 سنوات. وبدأت الدول الغربية منذ نحو 12 عاما في التركيز على تحديات البرنامج النووي الإيراني، ولجأت أحيانا إلى محاولات لتخريبه من خلال هجمات إلكترونية، لكن المفتشين واجهوا صعوبة في مراقبة تفاصيله المعقدة باستخدام التقنيات القديمة. وتسمح اللوائح الدولية القديمة قبل إبرام الاتفاق الوشيك، للدول بالتأثير على الأساليب والتقنيات المستخدمة في التفتيش على أراضيها من قبل فرق الوكالة الدولية للطاقة النووية.
تقنيات تفتيش متطورة
حاولت إيران مرارا حصر المعدات التي يستخدمها المفتشون بأجهزة قديمة، مما اضطرهم لجمع البيانات والصور بطريقة يدوية وشحنها في صناديق إلى مقر الوكالة في فيينا لتحليلها، وهي عملية يمكن أن تستغرق عدة أيام أو أسابيع. وقال أحد كبار المسؤولين في الوكالة، لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن الفريق سيستخدم أجهزة لم يسبق استخدامها من قبل وهي توفر الرصد الدقيق فورا، وتسمح بمراقبة كل ما يحدث في الوقت الحقيقي. وأضاف، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن الوكالة اتخذت إجراءات صارمة، في هذه الأيام الأخيرة من المحادثات، لتحديد التفاصيل الدقيقة جدا وأجهزة وأنظمة التفتيش. وأوضح أن الوكالة الدولية للطاقة النووية إذا أرادت أن تحصل على ضمانات بأن إيران سوف تلتزم بأي اتفاق نووي يتم إبرامه، فإن على فرق التفتيش ألّا تقف عند حدود ما كانت تحصل عليه من صور وما تضعه من أختام وأسلاك. وكان من النادر مناقشة تقنيات التفتيش بصورة علنية في السنوات الماضية، والسبب الرئيسي هو خشية أن تثير مخاوف الجيش الإيراني ورجال الدين وعموم جبهة المحافظين، الذين يرون أن عمليات التفتيش الدولية مجرد غطاء لنشاط وكالات الاستخبارات الدولية.
لكن يبدو اليوم أن بث بيانات التفتيش في الوقت الحقيقي من المحطات الإيرانية، أمر أساسي في تطبيق أي اتفاق يتم التوصل إليه. وفي شهر أبريل الماضي زعم الرئيس الأميركي باراك أوباما أن الاتفاق المبدئي مع إيران يفرض "عمليات تفتيش اقتحامية وشديدة الدقة وتتضمن معايير شفافية لم يسبق التفاوض بشأنها في أي برنامج نووي عبر التاريخ". وبرزت خلال المفاوضات نقطة حساسة أثارت خلافات بين الطرفين حول التّفاصيل الدّقيقة لإتاحة التحرك والوصول، التي يريد المفتشون الوُصول إليها. وتتضمن السماح للمفتشين بالذهاب أبعد مما تنص عليه بروتوكولات التفتيش المستخدمة في دول العالم الأخرى. ووصف مسؤولون أميركيون معدات التفتيش الجديدة في بعض المقابلات الإعلامية، بأنها في غاية الدقة والشمولية، وأنها قادرة على تقديم ضمانات بأن طهران لن تلجأ للغش والخداع في تطبيق التزماتها المعقدة بشأن عمليات التفتيش المشددة لمدة تصل إلى 25 عاما. وقال إرنست مونيز وزير الطاقة الأميركي، في مقابلة أجريت معه في غرفته في الفندق بفيينا، خلال استراحة بين اجتماعاته مع علي أكبر صالحي، الذي يدير منظمة الطاقة الذرية الإيرانية "إنه من مصلحة الجميع أن يساهموا في تطبيق هذا الاتفاق".
وأضاف أن إجراءات التفتيش تتطلب عددا أقل من الأشخاص، لكنها بدرجة أعلى من الكفاءة، والتي تعد عنصرا حاسما بالنسبة للإيرانيين والمجتمع الدولي. ووصف مونيز عمليات التفتيش المخطط لها بأنها “قوية جدا” وأن نظام التحقق من برنامج إيران النووي ينطوي على "خطوات غير عادية". وعلى مدى 20 شهرا الماضية، حاولت القوى العالمية كبح جماح برنامج إيران النووي من خلال اتفاقات مؤقتة خلال سير المحادثات. وقد حصل خلالها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة النووية على حق الدخول والوصول الواسع إلى 18 من المواقع النووية الرئيسية الإيرانية. وخلال تلك الفترة وبشكل يومي تقريبا، زار المفتشون في المجمع الرئيسي في نطانز، كما زاروا بانتظام مجمع آخر يدعى فوردو، الذي يقع تحت جبل.وتحتوى تلك المواقع وهي منشآت ومختبرات نووية على ملايين الآلات والمعدات وخزانات الوقود وأحواض الخلط والمضخات والمحركات وأجهزة القياس وقضبان الوقود النووي، إضافة إلى مئات الأميال من الأنابيب وأطنان من المواد الفتاكة، وبضمنها الكثير من المواد المشعة. ويقول الخبراء إن المهمة كانت شاقة على مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية، الذين كثيرا ما عبروا عن دهتشتهم من تطور المنشآت النووية الإيرانية التي تنتمي إلى جيل بيتاماكس من أحدث المعدات النووية.
دعم الرقابة المركزة
لدى الإيرانيين وجهة نظر مختلفة، وهم يصفون عمليات التفتيش بأنها "الأكثر اقتحاما وقوة" التي واجهت أي دولة في العالم. وقد قاموا مرارا بمنع بعض المفتشين من دخول المواقع النووية، وخصوصا الأميركيين الذين يقولون عنهم إنهم جواسيس. وبحسب آريان الطباطبائي، المتخصصة في الشؤون الإيرانية في كلية الخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون، فإن الإيرانيين يزعمون أن الإجراءات الجديدة لا علاقة لها بتفتيش المنشآت النووية، لأن المفتشين كانوا في البلاد طوال الوقت خلال السنوات الماضية. ويقول أولي هينونين، الذي كان يدير عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران وكوريا الشمالية وغيرها من المناطق الساخنة للفترة 2005- 2010، إن التواجد هناك طوال الوقت لا يعني التفتيش طوال الوقت. وأضاف أن عمليات تفتيش المنشآت النووية الإيرانية قد "تبدو مثيرة للإعجاب على الورق" ولكن في كثير من الأحيان تتضمن "الجلوس ولعب الورق"، بانتظار أن يسمح للمفتشين بدخول منشأة نووية أو تقييم نتائج الفحوص. وتتضمن أنظمة الرقابة التقليدية إغلاق المعدات أو المنشآت بأختام سرية تكشف أي تلاعب يحدث فيها، وهي من الوسائل البسيطة، رغم أن التقنيات المستخدمة فيها تطورت بشكل كبير.
وقد عملت تلك الأختام على مدى عقود بمثابة قفل سلسلة حديدية على جهاز كمبيوتر محمول، حيث يستخدم المفتشون على سبيل المثال أسلاكا تمر عبر أجزاء من المعدات في المختبرات والمنشآت النووية لمنع استخدامها والكشف عن أي محاولة للتلاعب والخداع. وهناك أختام معدنية حديثة توضع في أجهزة الطرد المركزي والتخصيب والمعدات النووية الأخرى، وهي تحتوي على تفاصيل خاصة تكشف أي محاولة لاستخدام تلك المعدات. لكن التعرف على أي محاولة للخداع يتطلب زيارة المفتشين لتلك المواقع وإزالة الختم وإعادته إلى فيينا لتحليله. أما الآن فإن المفتشين يمكنهم وضع أختام إلكترونية من الألياف البصرية، يمكنها أن تكشف عن أي محاولة للتلاعب، وتؤكد بدقة متناهية واقع المنشآت النووية في المواقع التي يجري تفتيشها ومراقبتها في أنحاء العالم. كما أن صعوبة إدارة كاميرات التفتيش وتقنياتها القديمة في الماضي كانت تعرقل جهود مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية.
ويقول المسؤول السابق في الوكالة الدولية توماس شيا، إن الوكالة استخدمت في البداية كاميرات 35 مليمترا من إنتاج شركة مينولتا التي كانت تقدم لقطة واحدة في كل 8 ثواني. وأضاف أن كفاءة التصوير كانت سيئة للغاية. وحتى وقت قريب كانت الكاميرات تخزن الصور في بطاقة إلكترونية، تتطلب من المفتشين زيارتها في الموقع لاستخراج البطاقة ونقلها للمختبرات لتحليلها. وعلى النقيض من ذلك فإن الكاميرات الحديثة تبث الصور فورا إلى مكاتب المفتشين في العاصمة النمساوية. ويؤكد وزير الطاقة الأميركي إرنست مونيز أن ذلك يقلل من الحاجة إلى أعداد كبيرة من المفتشين للذهاب إلى مواقع المنشآت النووية. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن طباطبائي قولها "إن نشر أنظمة التفتيش الحديثة في إيران قد يكون مكلفا، لكنه في النهاية قد يوفر الكثير من التكاليف". ويشدد هينونين كبير المفتشين السابق على وجود بعض المحاذير قائلا إنه سيكون من البلاهة أن نتوقع أن أجهزة التفتيش الحديثة ستتمكن من ضمان التزام إيران بجميع متطلبات الاتفاق النووي.
وأضاف أن طهران كانت تتعهد في الماضي بكثير من الالتزامات لكنها لا تقدم في الواقع إلا القليل. ورجح أن تقبل إيران ببساطة بجميع شروط الاتفاق النووي ومعايير التفتيش الصارمة للأجهزة التكنولوجية الحديثة، مثلما جربنا خلال السنوات العشر الماضية. ويؤكد هينونين أنه حتى في حال قبول طهران بنشر أجهزة التفتيش الجديدة والمتطورة، فإن ذلك سيكون خطوة مهمّة ولكنها صغيرة، مقارنة بجهود المراقبة المركزة، التي يجب أن تبذلها أجهزة الاستخبارات في الدول الغربية لمعرفة ما إذا كانت طهران تواصل سباقها لتحويل منشآتها النووية لتكون قادرة على إنتاج أسلحة نووية. وقال إن ذلك يبقى احتمالا بعيدا، ولكنه احتمال قائم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق