دويتشه فيله: ستستمر الحرب ضد "داعش" وقتا طويلا، كما قال الرئيس الأمريكي براك أوباما. الصحفي كريستن كنيب يعزو ذلك إلى التطرف الديني المتفشي في الشرق الأوسط، وهو وضع يستفيد منه تنظيم "داعش" بقدر كبير. وستكون الحرب ضد التنظيم الإرهابي "الدولة الإسلامية" طويلة المدى. هكذا قال الرئيس الأمريكي براك أوباما بداية هذا الأسبوع في لقاء جمعه بكبار المسؤولين العسكريين. لو نظرنا إلى التفاصيل سنرى حقا بعض النجاحات: فالتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية شن حوالي 6 آلاف غارة جوية على مواقع تابعة ل "داعش"، ومن المفترض أن تكون الآلاف من العناصر الإرهابية قد قتلت خلالها، بل وفي كثير من الأحيان أجبرت تلك الغارات الجوية مقاتلي "داعش" على الانسحاب، غير أن تلك الإنسحابات لم تدم طويلا، حيث إنهم ما فتئوا يعودون مرة أخرى لإثارة معارك جديدة. إنها اللعبة الأبدية للقط والفأر ولاشك: فمن الناحية العسكرية يصعب الانتصار ضد "داعش" إذا استمر وضع المعارك على هذا الشكل. الغارات الجوية لوحدها لا تحقق الكثير. وبالنظر الى تكتيك حرب العصابات لا يمكن للصواريخ أن تحقق أهدافها إلا بشكل جزئي. تنظيم "داعش" الذي ينهج استراتيجية المجموعات الصغيرة المتناثرة هنا وهناك يجعل العمليات العسكرية بالصواريخ أمرا مكلفا جدا. بمنطق الحرب، إذا كانت تلك الصواريخ تضرب أهدافا قليلة فيتعين استخدام عدد أكبر من الصواريخ لضرب مواقع كثيرة. ويعني ذلك أن الحرب قد تصبح أكثر تكلفة، وبالتالي عدم إمكانية تحمل تكاليفها، عدا في حالة استخدام قوات برية على الأرض، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست لديها رغبة قوية في القيام بذلك وهو أمر يمكن تفهمه.
عوائق سياسية
المشاكل السياسية المرتبطة بهذه الحرب أكبر بكثير. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا ترسل مقاتليها إلى سوريا والعراق، إلا أنها تقوم هناك بمهمات التكوين العسكري. إشكالية هذا التكوين العسكري في العراق يتجلى في أنه يتم بالتشاور مع الحكومة العراقية ذات الغالبية الشيعية. وعندما يتعلق الأمر بتكوين مقاتلين سنة فإن الحكومة تبدي ترددا، لأنها تراهن على المقاتلين الشيعة المنتمين لنفس الطائفة التي ينتمي إليها أغلب سياسي الدولة وأعضاء الحكومة العراقية. بذلك تحمل الحرب ضد داعش "السنية" طابعا طائفيا. ومن جهة أخرى تلعب إيران دورا أساسيا في هذه الحرب، فهي منخرطة في الحرب ضد "داعش" في سوريا والعراق. كما تساهم الخبرة الإيرانية من ناحية أخرى في الحد من انتشار "داعش" في كل البلاد، ولكن تواجد إيران على أرض المعركة يدفع بالكثير من السنة للانضمام للقتال إلى جانب تنظيم "داعش". في المقابل تحصل إيران على ربح سياسي يتجلى في تزايد النفوذ الشيعي. مثال العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن: في كل هذه المواقع تعمل ايران على توسيع نفوذها. ويشكل التقدم في المفاوضات النووية، والإنفتاح في العلاقات مع إدارة أوباما حافزا في طموحات إيران التوسعية. هذه الأمور تبعث القلق في نفوس العراقيين السنة ولاشك. فبعد هروبهم من "داعش" وجب عليهم الإنتظار عند أبواب بغداد، حيث منعوا من الدخول إليها، لأن الحكومة العراقية تخشى تواجدهم في العاصمة. وبذلك يعتقد السُنة –وهم عن صواب في ذلك- أن الحكومة العراقية لا تشعر بالمسؤولية تجاههم. العراق هي دولة طائفية، والسنة غيرالمتطرفين لا يريدون الانخراط فيها لأسباب مفهومة، بل وأكثر من ذلك فقد تراودهم فكرة أن عيشهم في المناطق الواقعة تحت سيطرة "داعش" قد يكون أفضل بالنسبة لهم.
الطائفية والإديولوجية
الطائفية والإديولوجية
الطائفية المستمرة في العراق تدفع تركيا وباقي الدول السنية -وخاصة دول الخليج- إلى عدم الانخراط بشكل قوي ضد "داعش". إنهم يريدون بالطبع تدمير الجهاديين، ولكن يخشون في نفس الوقت تزايد نفوذ إيران في المنطقة. فتلك الدول تفضل أن تحد من نفوذ إيران على الحد من نفوذ مجموعة إرهابية، لا تضمن نجاحاتها القصيرة الأمد، استمراريتها لوقت طويل. لذلك فإن الحرب ضد "داعش" لن تنتهي سريعا في منطقة يسود فيها التفكير الطائفي. المتشددون إيديولوجيا لصالح الطرف الإيراني أو السعودي من جهة والمقاتلون "في سبيل الله" من جهة أخرى يعملون جميعا على تأجيج الصراع. وطالما بقي الأمر كذلك، وطالما استمرت الدول التابعة لهم في نهجها هذا، فإن هذه الحرب ستبقى مستمرة. إن المنطقة تُشيطن نفسها بنفسها وبالتالي تدمر نفسها. وكلما انتشرت الشوفينية الدينية لدى الجانبين السني والشيعي ولم تتوفر إرادة التفكير خارج التصنيفات الدينية، إلا وازدهر تنظيم "داعش"، وبالتالي فلن تكون حياة الناس سعيدة في تلك المنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق