العرب الندنية: فرضت التحركات السياسية والدبلوماسية في المنطقة المغاربية نفسها على المراقبين السياسيين الذين بدأت أنظارهم تتجه بشكل لافت نحو السيناريوهات المطروحة للتعاطي مع إرهاب تنظيم داعش الذي تمدد وتوسع في ليبيا، وسط أنباء متواترة حول بروز خلافات فرنسية-أميركية قد تحول دون حسم هذا الملف الذي بات يؤرق دول الجوار الليبي، وصولا إلى دول جنوب أوروبا. وترافقت تلك التحركات مع تزايد التحذيرات من بروز استقطاب ثنائي بين واشنطن وباريس قد يحول دون التصدي لخطر داعش الذي مازال يتمدد ويتوسع في ليبيا رغم الضربات التي تلقاها خلال الأسابيع القليلة الماضية. وعلمت “العرب” أن محسن مرزوق الوزير المستشار السياسي للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، يبدأ اليوم الإثنين زيارة رسمية إلى موسكو، يجري خلالها محادثات مع كبار المسؤولين الروس حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وينظر المراقبون إلى هذه الزيارة بكثير من الاهتمام نظرا لتوقيتها الذي يأتي على وقع توتر العلاقات بين تونس وحكومة طرابلس غير المعترف بها دوليا، إثر غلق القنصلية العامة التونسية في طرابلس، ودعوة التونسيين إلى مغادرة ليبيا فورا.
كما تأتي هذه الزيارة مع كشف مجلة “جون أفريك” الناطقة بالفرنسية النقاب عن وصول عدد من جنود المارينز إلى قاعدة “رمادة” العسكرية التونسية في أقصى الجنوب التونسي، وذلك في تطور جعل توقيت هذه الزيارة يتخذ أبعادا هامة لا سيما وان الزيارة المرتقبة تتزامن أيضا مع زيارة مماثلة لوزير الإعلام الليبي عمر القويري، الذي يُنتظر أن يصل اليوم الإثنين إلى موسكو. ويرى مراقبون أن هذه التحركات مُرتبطة بالزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى الجزائر خلال الأسبوع الماضي، وهي زيارة وُصفت بـ”الغامضة”، حيث تباينت الآراء وتضاربت حول أهدافها. ورغم ذلك، يسود انطباع لدى أغلب المراقبين أن تلك الزيارة أملتها التطورات في ليبيا، وهو ما يفسر إلى حد ما زيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى مصر، وتركيزه خلال محادثاته أمس الأول مع الرئيس عبدالفتاح السيسي وكبار المسؤولين المصريين على الملف الليبي.
وربطت أوساط سياسية تلك التحركات الفرنسية بتزايد الغموض حول معالم المرحلة المقبلة في ليبيا، وانعكاسات ذلك على فرنسا ونفوذها في المنطقة، على ضوء تراكم الخلافات بين باريس وواشنطن حول سبل معالجة الملف الليبي. وبحسب المحلل السياسي التونسي منذر ثابت، فإن ثمة مؤشرات تدل على أن فرنسا التي تراجع دورها في المنطقة بعد أن فقدت السيطرة على جزء من مناطق نفوذها التقليدي في أفريقيا، بدأت تتحرك الآن لاستعادة دورها عبر محاصرة الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. واعتبر في تصريح لـ”العرب”، أن ما تقوم به فرنسا الآن يندرج في هذا السياق، باعتبار أن زيارة فرنسوا هولاند للجزائر تأتي في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين واشنطن والجزائر نوعا من البرود على خلفية جملة من القضايا منها الملف الليبي، وكيفية معالجته. وذهب ثابت إلى القول إن الخلافات الفرنسية-الأميركية “عميقة”، وهي مرشحة لأن تتفاعل أكثر فأكثر ضمن إطار معادلة موازين القوى في المنطقة، واحتفاظ فرنسا بهامش كبير من المناورة السياسية في هذه المرحلة.
ولا تُخفي دوائر صنع القرار الفرنسية وجود مثل هذه الخلافات مع أميركا ارتباطا بتقييم خطر داعش في ليبيا وكذلك أيضا في تونس على فرنسا، وهو خطر متفاقم تنظر إليه باريس على أنه أكبر بكثير من خطر داعش في العراق وسوريا. وتمنح السلطات الفرنسية هذا الملف مساحة كبيرة من اهتماماتها على هذه الخلفية التي انعكست بشكل واضح في تباين رؤى وسيناريوهات واشنطن وباريس، للتعامل مع هذا الخطر، وصل إلى حد غضب فرنسا من محاولات أميركا الانفراد بهذا الملف المرتبط بعمقها الاستراتيجي. ومن الواضح أن باريس التي سلمت لواشنطن ملف التعامل مع داعش في سوريا والعراق، ليست في وارد سحب ذلك على ملف داعش في ليبيا، باعتبار أنسيناريوهات وخطط فرنسا لمواجهة خطر داعش في ليبيا تختلف كلـيا عن خطـط أميركا. وتسبب هذا التباين في بروز استقطاب ثنائي دفع دول المنطقة وخاصة منها تونس إلى البحث عن كسره عبر التوجه إلى موسكو بحثا عن مخرج يجعل الحرب علي الإرهاب في ليبيا تحظي بإجماع دولي بعيدا عن صيغ المماطلة التي مكنت داعش من التمدد والتوسع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق