وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري، قد وصف، في افتتاح الاجتماعات، الوضع في ليبيا بـ"غير المقبول"، قائلًا "الجرائم البشعة التي ترتكبها التنظيمات، والميليشيات، وداعش أصبحت تنتشر بسرعة"، مشيرًا إلى أن "هذه التنظيمات الإرهابية لا تقل خطورة عن التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق". ودعا شكري إلى ضرورة تنسيق الجهود للقضاء على العناصر الإرهابية في ليبيا، وقال "إن مجلس الأمن الدولي ما زال يفرض على الحكومة الليبية حظرا لاستيراد الأسلحة"، مضيفا "إن مصر تعتبر استمرار حظر السلاح تقاعسا من قبل المنظمة الدولية التي تتذرع بأسباب غير منطقية، وهو أمر غير مقبول بالنسبة إلى مصر". ولفت شكري إلى "إننا في مصر لا نعتد بوجود حكومة، أو مجلس تشريعي في طرابلس، ونرجو الحرص فيما يطلق على أنه لا يعبر عن إرادة الشعب الليبي". وأشار وزير الخارجية المصري إلى أن "الوضع في ليبيا لا يسمح بإجراء انتخابات جديدة في ليبيا، ولا يمكن أن يحدث فراغ سياسي، كما يدّعيه البعض، طالما قال الشعب الليبي كلمته، في انتخابات اعترف بها المجتمع الدولي"، داعيًا "كافة الأطراف الداعمة للميليشيات المسلحة المنغّصة على الشرعية إلى تغيير نهجها السلبي، الذي يهدد وحدة ليبيا، وسلامة شعبها".
وتتحفظ القاهرة على المساعي الدولية لإشراك تيارات وشخصيات إسلامية في العملية السياسية في ليبيا، التي يقودها المبعوث الأممي برناردينو ليون، خاصة وأن بعضها له صلات وثيقة بالمتطرفين الأمر الذي سيصعب من عملية مكافحة الإرهاب في هذا البلد. وشارك في اجتماعات جوهانسبرغ الأخيرة 9 دول أفريقية هي (مصر، الجزائر، تشاد، النيجر، السودان، تونس، نيجيريا، جنوب أفريقيا، إضافة إلى زيمبابوي، الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي)، وذلك بحضور أعضاء مجلس الأمن الدائمين (الصين، وفرنسا، وروسيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة)، ومشاركة الأمم المتحدة والجامعة العربية، وتجمّع الساحل والصحراء، وإيطاليا، وإسبانيا. ويرى متابعون أن ما حصل في اجتماعات جوهانسبرغ يعكس وجود أزمة صامتة بين الجزائر ومصر أساسها الأزمة الليبية. وبدأت مؤشرات هذه الأزمة تظهر من خلال تراجع التنسيق بين الجانبين حول الوضع في ليبيا، كما انخفضت اللقاءات بينهما إلى الحد الأدنى رغم وجود إطار يجمعهما للحوار في سياق ما يعرف بـ"مبادرة دول الجوار".
التحفظ المصري إزاء موقف الجزائر، لا يقف عند حدود إشراك الإسلاميين، بل يتعداه إلى سعي الجزائر للعب الدور الإقليمي الأبرز في هذا الملف، في سياق الصراع على النفوذ بالمنطقة. وظهر هذا المسعى الجزائري في إقدامها على توسيع صلاحياتها ليطال الجانب السياسي الذي كان من مشمولات القاهرة عند تشكيل "مبادرة دول الجوار" فيما تتولى الجزائر الجانب الأمني. هذا السلوك من الجانب الجزائري رأت فيه مصر محاولة لسحب الملف الليبي منها كليا، وحصره بيدها. ويقول متابعون إن تصريحات كمال رزاق بارة، مستشار الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لشؤون الإرهاب حول رفضهم لعب دور شرطي المنطقة، في انتقاد ضمني لمصر، يعكس حجم الأزمة بين البلدين. وقال كمال رزاق بارة، في تصريحات للإذاعة الجزائرية الرسمية مؤخرا "هناك دول تقبل القيام بمهام بالوكالة، لكننا لسنا شرطي المنطقة، ونرفض التدخل في الشؤون الداخلة لدول أخرى، مثلما لا نقبل التدخل في شؤوننا الداخلية، ونريد حماية استقلالية قرارنا الداخلي".
وكان مستشار بوتفليقة يرد على سؤال حول أسباب تمسك بلاده بالحلول السياسية لإنهاء الأزمة الليبية. ولا تنحصر الأزمة بين مصر والجزائر حول ليبيا فقط بل تتعداها إلى عدة قضايا تهم المنطقة لعل أبرزها طريقة التعاطي مع الملف اليمني، فالجزائر اتخذت موقفا متمايزا عن باقي الدول العربية، من خلال رفضها ضمنيا التحالف العربي القائم لإنهاء الانقلاب الحوثي بهذا البلد. واعتبر مراقبون أن الموقف الجزائر يعكس رغبتها في التسويق لدور الوسيط المحايد، و"رجل المطافئ" بالمنطقة. وكان المسؤولون الجزائريون قد اقترحوا في أكثر من مرة التوسط لحل الأزمة الليبية، متحاشين أيّ انتقاد لانقلاب الحوثيين. مسألة أخرى تزيد من التباعد بين القاهرة والجزائر هي موقف الأخيرة من مقترح إنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات الأمنية القائمة وفي مقدمتها التنظيمات الإرهابية الآخذة في الانتشار في عدد من الدول العربية. وفسر المراقبون الموقف الجزائري بخشيتها من تدخل عسكري عربي في ليبيا، والخشية من تزايد نفوذ مصر في المنطقة، خاصة وأن هناك أنباء توحي بأن رئيس أركان القوات المسلحة المصرية محمود ابراهيم حجازي، هو المرشح لقيادة هذه القوة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق