أ ف ب: ارتدى لاعبو الفريقين في طرابلس قمصانا طبعت عليها احرف تشكل معا اسم ليبيا، ليشاركوا في مباراة ودية لكرة القدم ضمن مجموعة مباريات في شهر رمضان تهدف الى جمع الليبيين من كل مناطق البلاد التي تمزقها الحرب منذ سنوات على هدف واحد: انهاء الحرب. وتحت شعار "في الميدان من اجل السلام" الذي توسط لافتة كبيرة علقت خلف احد المرميين، جلس عشرات المتفجرين داخل وخارج الملعب الصغير المسيج في وسط العاصمة الليبية، يتابعون بحماسة المباراة وقد حمل بعضهم اعلاما بيضاء طبع عليها شعار المباراة نفسه. وقال العارف بن ساسي (52 عاما) الذي يعمل تاجرا في طرابلس لوكالة فرانس برس "افتقدنا واشتقنا للخير والسلام والرياضة (...) فقد ابتعد عنا هذا الجو منذ سنتين. اليوم نجتمع مع بعضنا البعض هنا في شهر رمضان مثل الاخوة. نحن ليبيون، اذا نحن اخوة". واضاف بن ساسي الذي كان يجلس بين مشاهدين اخرين داخل الملعب يوم الاثنين "نتمنى ان يتحقق ما قامت من اجله الثورة، حتى ولو قليلا منه، فنحن لا نطمع بالكثير. نريد فقط ان نراه يتحقق. لقد ظلمنا في السنوات الاخيرة، وهذا ليس ما توقعناه. مللنا الحرب، وحان الوقت كي تنتهي".
وتعيش ليبيا الدولة الغنية بالنفط والغاز والبالغ عدد سكانها نحو ستة ملايين نسمة، صراعا على السلطة منذ اسقاط نظام معمر القذافي في العام 2011، اثر ثورة شعبية دامية اطاحت بالسلطة التي حكمت هذا البلد بيد من حديد لنحو اربعين عاما. ولم تنجح الحكومات التي تولت السلطة بعيد الثورة في السيطرة على الجماعات المسلحة التي حاربت النظام السابق، لتغرق البلاد شيئا فشيئا في فوضى امنية انقسمت معها ولاءات المسلحين بين محورين يقودان منذ عام سلطتين سياسيتين عسكريتين متخاصمتين تتقاسمان البلاد ومواردها.
ويقول محمد محمود حمودة رئيس مجلس ادارة جمعية "اتش تو او" غير الحكومية التي تعنى بتفعيل دور الشباب في المجتمع الليبي منذ 2011 وتنظم مباريات لكرة قدم في طرابلس في رمضان "جمعنا لاعبين قدامى وشبانا من اجل رفع شعار بات مطلب كل الليبيين: ليبيا الى السلام". ويضيف "اللاعبون هنا من مناطق مختلفة، وقد قررنا تنظيم مباراة اليوم والمبارتين الاخريين في شهر رمضان كونه شهر التسامح". وتابع حمودة "اخترنا كرة القدم لتحمل رسالتنا لان شعبيتها كبيرة في ليبيا، ولان كرة القدم فيها تواصل وفيها تنافس شريف وفيها هدف مشترك، وهذا ما ينقصنا حاليا في ليبيا من اجل ان نصل الى السلام، وهو ان يكون لنا هدف مشترك وتنافس شريف وتواصل بين بعضنا البعض".
وليبيا في رمضان الحالي، وبعد نحو سنة من المعارك التي شهدها رمضان السابق وانقسمت معها البلاد بين محورين، هادئة وكانها دخلت في هدنة غير معلنة، حيث تراجعت وتيرة المعارك بين طرفي النزاع عند اطراف المناطق الخاضعة لسيطرة كل منهما في الغرب والشرق، وقلت اخبارها في وسائل الاعلام الموالية للجهتين. ولا يخرق هذا الهدوء سوى اخبار المواجهات التي يخوضها مسلحون مع تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف في مدينة درنة في الشرق، والغارات التي يتعرض لها مسلحو هذه الجماعة الجهادية في مدينة سرت الخاضعة لسيطرتها على بعد نحو 450 كلم شرق العاصمة. وفي طرابلس التي تديرها حكومة لا تحظى باعتراف المجتمع الدولي ويساندها تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى "فجر ليبيا"، تكتظ اسواق الخضار واللحوم والمواد الغذائية يوميا بالزبائن، بينما اختفت اصوات الرصاص وراجمات الصواريخ المجهولة المصدر والهدف والتي كانت تبلبل مساء المدينة في وتيرة شبه يومية. حتى ان الكهرباء التي كانت تنقطع لساعات طويلة قبيل بدء شهر رمضان في طرابلس، استعادت وتيرتها شبه الطبيعية، حيث لم تعد تنقطع في اغلب مناطق العاصمة سوى لساعة ولساعتين في اليوم الواحد.
وفي ملعب كرة القدم في وسط طرابلس، حيث كانت تنظم واحدة من المباريات الجامعة الثلاث بمبادرة من منظمة "اتش تو او"، رفعت عند زوايا السياج الذي يلف الملعب لافتات عمودية كتب عليها اسماء العديد من المدن الليبية، من الشرق والغرب والجنوب والشمال. وتعالت صيحات المتفرجين مع الاهداف التي كان يسجلها لاعبو الفريقين المؤلفين من ثمانية افراد لكل فريق، وقد جلس بعض المشاهدين امام جدارية كتب عليها "ليبيا حرة" قرب صورة للقذافي وهو يرتدي نظارات شمسية كتب تحتها "مجرم مطلوب". وقال هشام زياني وهو احد اللاعبين المشاركين في المباراة التي نظمت قبيل موعد الافطار "مبادرة اليوم يشارك فيها لاعبون من كل المناطق، من الزنتان ومصراتة وبنغازي وطرابلس وغيرها من المدن". ويتابع "مللنا الحرب فعلا. يجب ان نصلح حالنا، فنحن شعب طيب".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق