العرب اللندنية: ساعد أربعة رجال بعضهم البعض في تسلق الجانب الآخر من خندق إلى أرض فضاء بين خطوط المواجهة في شمال العراق وهم يخشون ما ينتظرهم، على حدود "دولة الخلافة" التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنهم لا يستطيعون العودة إلى قراهم التي طردهم الأكراد منها. ويروي أحد الرجال، ويدعى أبو مهند، ما حدث قائلا “قام الأكراد بنقلنا بالسيارات إلى خط المواجهة ثم طلبوا منا الذهاب إلى داعش". وينفي أبو مهند أنه عضو أو متعاطف مع تنظيم الدولة الإسلامية ويقول إنه طرد من قريته بعد اعتقاله لثلاثة أسابيع دون أيّ وسيلة لتبرئة نفسه. وأضاف "المسألة لا تتعلق بالتهمة أو البراءة فهم يريدون تحويل المنطقة إلى منطقة كردية لأنفسهم. وما حدث لأبي مهنّد، ومن معه، حدث ويحدث لمئات من العراقيين السنّة، الذين يواجهون حملات تطهير عرقي موسّعة، لا فقط في المناطق التي سيطر عليها الأكراد بل وفي المحافظات والمدن والقرى التي دخلتها ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية بعد أن أخرجت منها مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يمارس بدوره حملات تطهير عرقي بحق الأقليات العراقية، ولم ينج منه حتى العرب السنّة الذين يعارضونه.
وكان الأربعة بين المئات، أغلبهم من العرب السنة، الذين جرى إبعادهم من مناطق واقعة تحت سيطرة الأكراد في الشهور الأخيرة بتهمة التعاطف مع تنظيم الدولة الإسلامية، في إجراء يقول العراقيين السنّة إنه يخلق حالة من الاستقطاب العرقي الخطير في مناطق استعاد الأكراد السيطرة عليها من المسلحين. وبالرغم من أن حجم عمليات الطرد هذه من المناطق الكردية لم يتضح إلا أن التقارير الإعلامية والحقوقية تؤكّد أنه يجري ترحيل العراقيين السنّة وأن هذه الممارسة الانتقامية واسعة الانتشار. وذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن القوّات الكردية منعت أعدادا كبيرة من العرب الذين هربوا إثر الهجوم الذي شنه داعش في يونيو الماضي من العودة إلى منازلهم في تلك المناطق، خصوصا في أجزاء من محافظتي نينوى وأربيل، في حين سمح للأكراد بالعودة، وحتى بالانتقال إلى منازل العرب الذين لاذوا بالفرار. وقالت ليتا تايلر، الباحثة الأولى في برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في "هيومن رايتس ووتش": يبدو أن تطويق السكان العرب ورفض السماح لهم العودة إلى ديارهم يرمي لما هو أبعد من أن يكون استجابة أمنية معقولة لتهديد داعش. ينبغي على الولايات المتحدة والدول الأخرى العاملة على تسليح القوات الكردية العراقية أن توضح أنها لن تسمح بالتمييز تحت غطاء مكافحة الإرهاب. وأكد مصدران أمنيان كرديان في المنطقة وقوع حالات طرد ولكنهما وصفا هذه الممارسة بأنها محدودة، بينما زعم مصدر في المخابرات الكردية في المنطقة أن الطرد إجراء "وقائي". وقال إن 50 شخصا تقريبا طردوا وكلهم كان يمكن أن تصدر عليهم أحكام بالسجن لفترات طويلة إذا كانت هناك طريقة لإدانتهم. وتابع "الطرد أكثر رحمة". الانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية يستخدم كذريعة لطرد العرب من الأراضي المتنازع عليها والتي يطالب الأكراد بضمها لمنطقتهم
وقف الإبادة الجماعية
يستخدم تنظيم الدولة الإسلامية العنف الشديد في جميع أنحاء المناطق التي استولى عليها في العراق وسوريا لكن سيطرته على سنجار وزمار في العراق كانت دموية حتى وفقا لمعاييره. وتمكّنت قوات الأمن من إقليم كردستان العراق، شبه المستقل، من طرد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من المنطقة في ديسمبر الماضي في هجوم مضاد حظي بإشادة واسعة ومنذ ذلك الحين أكد المسؤولون الأكراد على المصالحة في المقام الأول. وتمكنت قوات البيشمركة إثر ذلك، من وضع يدها على مناطق متنازع عليها منذ فترة طويلة مع الحكومة المركزية في بغداد، ووسّع ذلك مساحة مناطق نفوذ الأكراد بنحو 40 في المئة، لا سيما في مدينة كركوك الغنية بالنفط. وفي وقت سابق هذا العام دعا مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان، شيوخ العشائر العربية السنية من سنجار وزمار لمناقشة المستقبل. وقال لهم إن الذين يرتكبون الجرائم يجب أن يدفعوا الثمن لكن بطريقة قانونية وإن الذين لم يرتكبوا جرائم يجب ألا يدفعوا ثمن جرائم الآخرين. وأشاد الشيوخ بكلمة الزعيم الكردي وتعهدوا بالتخلي عن أفراد عشيرتهم الذين تعاونوا مع تنظيم الدولة الإسلامية. وقدم أحدهم جوادا هدية للبارزاني. لكن لم يدم كثيرا هذا الإعجاب حيث تمادى الأكراد، مستغلّين الوضع في العراق والدعم الأميركي، في عمليات تهجير في المناطق المتنازع عليها ومحاولة تغيير تركيبتها الديمغرافية. وقد ألمح البارزاني، نفسه، أن المناطق التي استعادتها قواته أصبحت ضمن كردستان، وقال "أنجزنا كل ما كان بوسعنا، والآن غالبية المناطق محررة، ونعتبرها جزءا من إقليم كوردستان، ونحن مستعدون للمساعدة في تحرير المناطق الأخرى".
حجة داعش
أصبح قادة الميليشيات الشيعية يقودون القطعات العسكرية والأمنيّة في العراق، بينما تحصل قوات البيشمركة على دعم دولي من قوات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، والحجة التي يسوقها الطرفان لتبرير ذلك هي الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية. ويقول مسؤولون أكراد إن معظم المتشدّدين قتلوا أو فروا من المنطقة بعد استعادة السيطرة عليها لكن يبقى بعض أنصار تنظيم الدولة الإسلامية ويجب التعامل معهم. وتشكّلت لجان تجوب القرى لتدوين احتياجات السكان وأيضا لوضع قوائم بأسماء الأشخاص المشتبه في تعاونهم مع تنظيم الدولة الإسلامية. وقال أحمد خلف وهو ممثل عربي بإحدى اللجان "ليس عددا صغيرا". وجمعت اللجان قائمة بأسماء حوالي 500 مشتبه به من 76 قرية. واعترف خلف بأنه في بعض الأحيان يمكن اعتقال أشخاص بالخطأ بسبب تلفيق المخبرين للاتهامات لتصفية حسابات شخصية. وقال إنه لم يتم طرد سوى عدد قليل من الأشخاص وبشكل مؤقت. ويقول بعض العرب إن تهديد تنظيم الدولة الإسلامية يستخدم كذريعة لطردهم من الأراضي المتنازع عليها والتي يطالب الأكراد بضمها لمنطقتهم وذلك بهدف الانفصال عن العراق في يوم من الأيام.
ويخشى مراقبون أن تدفع هذه الممارسات بالسنّة العراقيين إلى القبول بتنظيم الدولة الإسلامية الذي تمكّن من اجتذاب بعض المجنّدين المحليين، ويرجع ذلك جزئيا إلى تصوير نفسه كمنقذ للعرب السنة في العراق الذين يعتقد كثيرون منهم أنهم تعرضوا للتهميش سواء من جانب الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد أو الأكراد الذين يحكمون في الشمال. وقال أحد سكان هذه المناطق، وهو من العرب السنّة، طلب عدم نشر اسمه خوفا من الانتقام، إن بعض الناس الذين كانوا سعداء برؤية طرد المتشددين سيرحّبون بهم إن عادوا الآن. ويدعم ذلك قول أحد أولئك الذين طردوا من منطقة زمار مع مجموعة من حوالي 20 شخصا وهو تاجر سلع استهلاكية يبلغ من العمر 41 عاما “حالما تنتصر الدولة الإسلامية بإذن الله سوف نعود لديارنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق