العرب: أعلن ماثياس جيلمان، النائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، الأحد، تأجيل مشاورات الحوار اليمني، التي كانت قد دعت المنظمة الدولية إلى انعقادها في جنيف الخميس المقبل، إلى أجل غير مسمى. في الوقت الذي يبدو فيه المواطن اليمني، في ما كان يعرف بـ"اليمن السعيد"، لا يعلّق آمالا تذكر على هذا الحوار أو غيره، لخبرته بما آلت إليه جلسات الحوار المتكرّرة، التي أعقبتها الحروب، منذ قيام الوحدة عام 1994 في هذا البلد العربي الفقير.
أسباب التأجيل
هذا التأجيل الأممي أرجعه مصدر رئاسي يمني، مساء الأحد، إلى إصرار الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، المقيم حاليا في السعودية، على التأجيل لحين تنفيذ جماعة "أنصار الله" (الحوثي) لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، الذي يطالبها بالكف عن استخدام العنف، وسحب قواتها من المدن. كما يطالب هادي، وفقا للمصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، بأن تكون مقررات مؤتمر الرياض محورا رئيسيا يتم مناقشته في مؤتمر جنيف، وإشراك الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي في المؤتمر باعتبارها مشرفة على العملية السياسية في اليمن منذ عام 2011. وربما يعود التأجيل أيضا إلى اشتراط جماعة الحوثي، في تصريحات سابقة لإعلان التأجيل، وقف الغارات الجوية لطائرات التحالف مقابل مشاركتها في المؤتمر، الذي كان مقررا يومي 28 و29 من الشهر الجاري، وفق المبعوث الأممي إلى اليمن، الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد. وقد استضافت الرياض بين يومي 17 و19 من الشهر الجاري مؤتمرا للحوار اليمني، قاطعته جماعة الحوثي، ووقع المشاركون فيه على وثيقة أطلقت عليها تسمية “إعلان الرياض”، دعت إلى “إنقاذ اليمن، واستعادة مؤسسات الدولة وإسقاط الانقلاب، واستعادة الأسلحة، وإخراج الميليشيات من كافة المدن اليمنية، وعودة مؤسسات الدولة الشرعية إلى ممارسة مهامها من داخل الأراضي اليمنية”. ويذهب مراقبون إلى أنّ الأطراف السياسية اليمنية لم تعد في حاجة إلى حوار بقدر حاجتها إلى آليات تلزم المتمردين الحوثيين وأتباع صالح بتنفيذ مخرجاته، فاليمن يعيش أزمة ثقة، ويعاني من أطراف مراوغة تستغل الحوارات لترتيب أوراقها، ثم الانقضاض على أي مبادرات للتسوية السياسية، شأن ما تفعله جماعة الحوثي.
وهو ما عبر عنه وزير الخارجية اليمني السابق، عبدالله الصايدي، بقوله إن مؤتمر جنيف، في حال عقده، هو “آخر ما ينتظر اليمنيون من حوار، فإذا فشل ستكون بعده حرب طويلة مختلفة عما يجري في سوريا والعراق وليبيا”. ورغم الفترة القصيرة التي مرّت على توليه منصبه يوم 25 أبريل الماضي، إلاّ أنّ المبعوث الأممي الجديد قام بجولة مكوكية في المنطقة. وهي تحركات يبدو عليها قلق مفرط، لكون ولد الشيخ أحمد يدرك قصر الفترة الزمنية، وهو ما عكسه تصريحه بأنّه “لا يوجد لدينا رفاهية الوقت”، وصعوبة الأوضاع الإنسانية باليمن، ورغبته في النجاح في مهمة فشل فيها سلفه، المغربي جمال بن عمر، وهي استكمال المرحلة الانتقالية عبر التسوية السياسية، إضافة إلى قراءته لتاريخ مؤتمرات الحوارات في اليمن، والتي عادة ما تنتهي بمواجهات دموية في واحدة من أفقر دول العالم.
حوارات أعقبتها الحروب
يميط تاريخ اليمن، اللثام عن شواهد عديدة على انفجار الأوضاع بعد إجراء حوارات بين الفرقاء لحل أزمات، وكأن الحوار في اليمن ما هو إلا استراحة محارب. فخلال العقدين الماضيين، شهد عددا من مؤتمرات الحوار خاضتها القوى السياسية باءت بتصعيد مسلح بين الفرقاء، أبرزها:
* حوار 1994: بعد أربع سنوات من قيام الوحدة اليمنية في مايو 1990، جرى التوقيع في الأردن يوم 20 فبراير 1994، على “وثيقة العهد والاتفاق”، لتسوية الأزمة السياسية بين الرئيس اليمني آنذاك علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض، وتقضي بتحقيق جزء من مطالب الجنوبيين في ما يتعلق باللامركزية الإدارية (عن العاصمة صنعاء)، وإنشاء مجلس استشاري ووضع ترتيبات لدمج القوات المسلحة، فعندما قامت الوحدة لم تدمج القوات المسلحة ولا المعسكرات، فظلت قيادات الجيش في الشمال تسيطر على قواتها ومعسكراتها، وقيادات الجيش في الجنوب تسيطر على قواتها ومعسكراتها. لكن سرعان ما تطورت الأحداث إلى حرب دامت قرابة 66 يوما سنة 1994، عرفت بـ”حرب الانفصال”، وهي حرب أهلية بين الحكومة وبين ما سمي بـ”جمهورية اليمن الديمقراطية”، التي أعلنها علي سالم البيض. وبمساعدة قادة من الجيش المحسوب على الجنوب، تمكن علي عبدالله صالح من حسم الحرب لصالحه، وهرب قادة الانفصال خارج البلاد.
* حوار 2011: في عام 2006 أجريت أول انتخابات رئاسية في اليمن، وسادها تنافس حقيقي، حيث انفرط التحالف التاريخي بين صالح وحزب “التجمع اليمني للإصلاح” (إسلاميون)، وخرج حزب الإصلاح ومعه بقية أحزاب “اللقاء المشترك” (تحالف لأحزاب المعارضة الرئيسية) بمرشح (فيصل بن شملان) تمكن من إحراج القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية التي يمتلكها صالح وأسرته وحزبه. هذه الانتخابات شكلت مرحلة جديدة من الصراع السياسي، وعمل صالح على إشغال حزب الإصلاح بحرب غير مباشرة مع تمدد الحوثيين عسكريا في مناطق نفوذ للحزب، حيث يرى مراقبون أن صالح كان حريصا على عدم القضاء على الحوثيين، رغم ما توفر له من فرص لدحر تمردهم. وأسس حسين بدر الحوثي جماعة أنصار الله عام 1992، وبعد 12 عاما قتلته القوات الحكومية، ليشهد اليمن، تحت حكم صالح، ستة حروب بين عامي 2004 و2010 بين جماعة الحوثي والقوات الحكومية، خلفت آلاف القتلى من الجانبين. كما اندلعت انتفاضة في الجنوب عبر تشكيلات الحراك الجنوبي السلمي المطالب بحق تقرير المصير. كل ذلك تطلب عقد جلسات حوار ومفاوضات بين القوى السياسية، لا سيما وأن صالح، حسب المعارضة، كان يسعى إلى تعديل الدستور لضمان استمراره في الحكم ثم توريث الرئاسة لنجله أحمد.
المشهد اليمني برمته حينها كان مشتعلا، فحاولت القوى اليمنية المختلفة، قبل عامين من تلك الانتخابات، إصلاح الأوضاع عبر جلسات حوار بين عامي 2007 و2011 سادها الشد والجذب، وتوصلت إلى اتفاقيات لم تنفذ، مما أدخل البلد في أزمات سياسية متكررة، واتهامات متبادل بين الفرقاء بشأن المسؤولية عن إجهاض الاتفاقات. بعد كل تلك الحوارات وصل اليمن إلى طرق مسدود، وتأثر الشارع اليمني بما بات يعرف بـ”ثورات الربيع العربي”، فانفجرت عام 2011 احتجاجات شعبية تطالب برحيل صالح، وتوصلت الأطراف السياسية إلى اتفاق “المبادرة الخليجية”، الذي سلم صالح بموجبه السلطة عام 2012 إلى نائبه حينها هادي، مقابل حصوله على حصانة. وهي حصانة يرى مراقبون أنها مكنت صالح لاحقا من الانقضاض على التسوية السياسية، عبر تحالفه مع الحوثيين.
* حوار 2013 و2014: جرى الإعداد لمؤتمر الحوار الوطني الشامل خلال فترة طويلة شهدت عدة عراقيل، إلّا أنه، وبضغط دولي، بدأت أولى جلساته يوم 18 مارس 2013، في صنعاء، واستمر عشرة أشهر حتى 25 يناير 2014. وباختتام مؤتمر الحوار بنتائج ارتضاها الجميع للعديد من القضايا، تفاءل اليمنيون بقرب حلّ أزماتهم، لكن بدأ تصاعد عكسي للأحداث، قاد إلى زحف مسلحي الحوثي من معقلهم الرئيس بمحافظة صعدة إلى صنعاء. وتحت تهديد السلاح، توصّل الحوثيون مع قوى سياسية، وبمشاركة هادي، إلى “اتفاق السلم والشراكة”. وهو اتفاق فرض فيه الحوثيون شروطهم على الجميع، ثم لم يلتزموا بأحد أبرز بنوده، وهو الانسحاب من مؤسسات الدولة وخروج الميليشيات. ولدى قراءته لهذه الحوارات وما آلت إليه منذ عام 1994، قال عبدالسلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث، إنّ “الحرب في اليمن هي الحاسمة”.
أمّا الحوار، وفق تقديره، فإنّه “يخفف من تكلفة الحرب لكنه لا يمنعها، ثم يفرض المنتصر شروطه ويتبعه الباقون، فأطراف الصراعات لا تتحاور من منطلق الحوار، وإنّما تتحاور وأعينها على الحرب”. ونظرا إلى خبرته بالحوارات السابقة، يبدو أنّ المواطن اليمني بات يترقّب حوار جنيف، بعد أيام، متخوّفا من شبح قتال يحذر كثيرون من أنه سيكون الأطول، ما لم تدرك القوي اليمنية، وخاصة الحوثيين، ما ينزلق إليه اليمن، في ظل معارك دموية متواصلة وأزمة إنسانية طاحنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق