العرب: كّدت مصادر عراقية بذل رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال الأيام الماضية مساعي لدى إيران طالبا تدخّلها لوقف الضغوط الشديدة التي تمارسها عليه قيادات في ميليشيات شيعية بالتواطؤ مع شخصيات من داخل حزب الدّعوة الذي ينتمي إليه بغرض إسقاطه في سيناريو يخدم مصلحة سابقه على رأس الحكومة نوري المالكي الذي يشغل منصب نائب لرئيس الجمهورية، ويؤكّد مقرّبون منه أنه مازال مؤمنا بأحقيته بالمنصب، ولم يفقد الأمل في العودة إلى موقع رئيس الوزراء بشكل مبكّر. ويقول مطلّعون على كواليس الأحزاب الدينية الشيعية العراقية، إن المالكي أوعز لميليشيات وشخصيات داخل الحزب ونواب برلمان تابعين لائتلاف دولة القانون، بتكثيف الهجوم على العبادي مستغلا ثلاثة عوامل، تتمثل في امتعاض إيراني من تصريح للعبادي خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة بشأن حرصه على سيادة القرار العراقي وعدم سماحه لأي قوة إقليمية بالتدخل فيه، فيما فهم على أنه إشارة لإيران. وأكّد هؤلاء أن طهران كانت في الأصل مرتابة من الزيارة وتخشى تأثر العبادي ببعض الأفكار الأميركية، ومن ثم لا يُستبعد أن تكون إيران بحد ذاتها وراء الهجمة على العبادي.
وثاني العوامل التي يوظفها المالكي في حملته على خلفه غضب ميليشيات شيعية على العبادي، وذلك على خلفية اتهامها له بالرضوخ لأطراف سياسية سنية ولشيوخ عشائر بشأن عدم إشراك ميليشيات الحشد الشعبي في معركة محافظة الأنبار ضدّ داعش. أما ثالث العوامل فيتمثل في استغلال تعثر الحرب وانتكاساتها في كثير من المواقع بما فيها المناطق التي أعلنت “محرّرة” من تنظيم داعش مثل محافظتي ديالى وصلاح الدين حيث عاد التنظيم يوجّه ضربات موجعة للقوات الحكومية والميليشيات المساندة لها. وبدا هذا المعطى واضحا في الهجوم الشرس من قبل قيادات ورموز شيعية على العبادي ووزير الدفاع السني في حكومته خالد العبيدي وتحميلهما مسؤولية تعثر المجهود الحربي، وخصوصا بعد هجوم التنظيم على قاطع التقسيم قرب بحيرة الثرثار وإلحاقه بعض الخسائر بالقوات المسلّحة هناك، وهي الخسائر التي جرى تهويلها من خلال مضاعفة أرقام القتلى ما أخرج العابدي عن تحفظه ودفعه للحديث عن مؤامرة ضدّه. وذهب البعض حدّ اتهام قيادات شيعية نافذة في الجيش والشرطة بتعمّد اقتراف أخطاء بدائية في الحملة العسكرية بمحافظة الأنبار لإفساح الطريق أمام تنظيم داعش لغزو مناطق جديدة وارتكاب مجازر قصد إحراج رئيس الوزراء ومنح الميليشيات مشروعية دخول المحافظة التي تتمسّك أغلب عشائرها بإسناد مهمة استعادتها للقوات المسلّحة ولأبناء العشائر ذاتها.
وبحسب مصادر عراقية فإن مساعي العبادي لاسترضاء إيران بلغت حدّ إيفاد وزير خارجيته إبراهيم الجعفري سرا لإيران. ونقل موقع “شبكة أخبار العراق” عن مصادر من حزب الدعوة قولها إن الجعفري قام نهاية الأسبوع الماضي بزيارة سرية لطهران التقى خلالها بعدد من كبار المسؤولين الإيرانيين على رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي وقائد فيلق القدس قاسم سليماني. وتزامن هذا الإعلان أمس مع سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى في هجوم جديد بسيارة مفخّخة فجرها تنظيم داعش قرب مقر لميليشيا “كتائب الإمام علي” في منطقة الكرادة وسط العاصمة. وأوضحت ذات المصادر أنّ زيارة الجعفري كانت على علاقة مباشرة بتوتر العلاقة بين حكومة العبادي وميليشيا حزب الله وعصائب أهل الحق، وأن وزير الخارجية حمل مطلبا محدّدا للقيادة الإيرانية يتمثل في تدخّلها للجم التحريض العلني من نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي ضد الحكومة ووقف مساعيه للإطاحة بها.
وفي ما اعتبر عملية استرضاء لإيران بعد تلويح العبادي بالحد من تدخلها وخصوصا العسكري الميداني، قالت المصادر ذاتها إنّ الجعفري طلب من قاسم سليماني السفر إلى العراق مجددا للحد من الفوضى في قيادة الميليشيات والإشراف بشكل مباشر على العمليات العسكرية بمحافظة الأنبار. كما أكدت المصادر التي نقل عنها ذات الموقع أن سليماني أبلغ الجعفري بأن موضوع سحب يده من ملف العراق جاء بأمر من المرشد وعليه التحدث معه في ذلك، وهو ما دفع بالجعفري إلى لقاء خامنئي، لكنه لم يحصل منه على موافقة باستثناء توجيه أمر للميليشيات الشيعية باحترام حكومة بغداد. وتعرّضت حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبوع الماضي لأشرس حملة، تمثلت ميزتها الأولى في صدورها عن ذات العائلة السياسية الشيعية الموسّعة وما يتبعها من ميليشيات.
وزاد تعقد الوضع الميداني في الحرب على داعش وتعدد مجازر التنظيم بحق المدنيين والعسكريين من صعوبة موقف رئيس الوزراء ووزير دفاعه خالد العبيدي. وبلغ العبادي درجة من الإحباط دفعته حدّ إعلانه خلال جلسة لمجلس النواب خصصت لمناقشة بعض تفاصيل الحرب عن استعداده لمغادرة منصبه إذا أخفق في المعركة ضد داعش أو فشل في بسط الأمن وحماية المواطنين. ويشكو مقرّبون من رئيس الوزراء مما يسمونه مؤامرة من قبل رئيس الحكومة السابق نوري المالكي لإسقاط الحكومة الحالية. لكنهم يندّدون في مجالسهم الخاصة بما يعتبرونه تخاذلا من قبل كتل سياسية شيعية تبدي تعاطفا لفظيا مع رئيس الوزراء لكنها لا تفعل شيئا ملموسا لمساندته. ويشير هؤلاء إلى رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق