تخاذل الإخوان في مصر
في ما يتعلق بالتطورات التي شهدتها الساحة المصرية التي مرت عليها شأنها شأن العديد من بلدان المنطقة موجة الانتفاضات الشعبية، يرى موريل أنّ حلول محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين محلّ الرئيس الأسبق حسني مبارك، أضرّ بمسار التحول المصري منذ بالبداية، حيث أنّ مرسي سرعان ما بدأ في منح نفسه سلطات غير عادية. كما أنّه اتّخذ قرارات سيئة بشأن الأمور السياسية والاقتصادية. وبـ"ذلك فقد ضاعت الفوائد الّتي كانت منتظرة من وجود قائد منتخب انتخابا شعبيا، بسبب الحوكمة السيئة"، وفق تعبيره. وقد أودت تلك الحوكمة الضعيفة إلى العديد من التداعيات السلبية أبرزها ما يتعلق بمكافحة الإرهاب. حيث أنّه وعلى الرغم من أنّ آليات مكافحة الإرهاب في مصر ظلّت سليمة إلى حدّ كبير، إلاّ أنه لم تكن هنالك إرادة سياسية لاستخدامها زمن حكم الإخوان. وقد توقفت جهات الجيش والاستخبارات وتنفيذ القانون بشكل أساسي عن محاربة القاعدة لأنّها شعرت، وفق موريل، بأنّها لا تحظى بدعم سياسي كي تواصل عملها. وفى وقت قصير وعلى نحو ملحوظ كانت القاعدة، التي هُزمت في مصر قبل عقدين تقريبا، قد عادت حيث أقامت مواطئ أقدام جديدة لها في سيناء وغيرها من أنحاء مصر. ولأنّ حكومة مرسي لم تكن تفعل شيئا إزاء هذا الخطر المتنامي، أرسل البيت الأبيض في النهاية "قيصر مكافحة الإرهاب"، جون برينان، ليخبر مرسي بأنّ القاعدة تتعافى بسرعة في مصر وأنّ هدفها الأساسي هو قتله (مرسي) والإطاحة بحكومته.
وبعد أن لفت برينان انتباه الإخوان لهذا الأمر، استؤنفت عمليات مكافحة الإرهاب بشكل جزئي ضدّ القاعدة، إلى أن ثار عليه الشعب المصري، بعد أن طفح الكيل من سياساته الفاشلة والمتخاذلة على جميع المستويات، وتمّ عزله عن منصبه وإنهاء تلك الحقبة من حكم الإخوان التي كادت تجرّ مصر إلى الهاوية لو دامت أكثر من ذلك. لكن وعلى الرغم من تلك الخطوة الشعبية المسنودة من مؤسسة الجيش إلاّ أنّ الضرّر كان قد وقع بالفعل. إذ كسبت القاعدة أرضا هائلة في أكبر وأهم بلد عربي في المنطقة. وبذلك تحوّل الربيع العربي، الذي نبع من معين أساسه الحق في تقرير المصير والتعبير، إلى محفّز لأسوأ نوع من العنف والقمع، فتحول الربيع العربي من ثمة إلى شتاء ملبّد السماء.
عدم تقدير ليبي لحجم التهديدات
الوضع الدامي الذي تشهده ليبيا، وهي التي كانت كذلك أحد بلدان المنطقة التي هبت عليها رياح "الربيع العربي"، وتغلغل التنظيمات الجهادية فيها اليوم، يقول نائب رئيس الـ "سي آي إيه" السابق، إنّه لم يكن مستبعدا بل كان متوقعا وبشدّة. حيث يقول إنه زار ليبيا في يناير 2012، بعد نهاية عهد العقيد معمر القذافي، بصحبة نائب وزير الدفاع لشؤون المخابرات، مايك فيكرز، بهدف إقناع رئيس وزراء ليبيا الجديد (لم يذكر اسمه) بـ"الحاجة الملحّة إلى بناء جهاز مخابرات قادر على التعامل مع مشكلة القاعدة، بعد أن انهار جهاز حقبة القذافي السابق، ولم يعد له وجود". وأوضح أنه "قال لرئيس الوزراء إنّ القاعدة وضعت أنظارها على ليبيا، وأنّ جهاز مخابرات هو ضرورة مطلقة للتّعامل معها. فتراجع رئيس الوزراء قائلا إنّه يقود حكومة مؤقتة فحسب، وأنّ لديه الكثير ممّا يجب عمله، وأنّ الأمر سيستغرق وقتا لإدراك كيفية بناء جهاز على النّحو الصحيح"، وهو ما يميط اللثام عن عدم تقدير حكومي لحقيقة الأخطار المحدقة. وأضاف قائلا “شعرت بالإحباط، لنهاية الاجتماع مع وعود غامضة ببناء جهاز مخابرات"، خاصّة أنّه علم أنّ ذلك لن يحدث فعلا، على الرغم من تأكيده لرئيس الوزراء أنّ قوة القاعدة المتزايدة في ليبيا يُمكن أن تؤدّي إلى هجمات على المصالح الليبية، والمصالح الأميركية على حدّ سواء، و”هو ما تجسّد بالفعل في شكل واقع مأساويّ بعد أقل من عام من ذلك التحذير"، في إشارة إلى الهجوم الذي طال مقرّ السفارة الأميركية في بنغازي، والذي أسفر عن قتل السفير كريس ستيفينز.
جدل حول السياسات الأميركية
لم ينته كتاب موريل بعرض الحالتين المصرية والليبية فحسب، بل شدّد على أنّ "الحرب التي نخوضها ضدّ الإرهاب ستستمرّ لعدّة أجيال"، مضيفا أن "داعش يسعى إلى تنفيذ عملية مشابهة في أصدائها وتأثيرها لضربة القاعدة في 11 سبتمبر 2001"، ليتجاوز ذلك إلى جملة من القضايا السابقة المتعلقة بالسياسات الأميركية (سواء تلك المتعلقة بالبيت الأبيض أو بجهاز المخابرات الأميركية) المتبعة لمجابهة الإرهاب، ومواقفه منها. وقد أثار كتاب موريل ضجّة في الأوساط الإعلامية الأميركية لكونه يدافع عن جورج بوش الابن، في اتّهامه "نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بامتلاك أسلحة دمار شامل"، حيث أكّد أنّ "جميع الأجهزة الاستخباراتية الأميركية، وعلى رأسها وكالة المخابرات المركزية، ومراكز البحث، كانت تؤكّد امتلاك نظام صدام حسين لتلك الأسلحة". أمّا القضية الأخرى التي أثارت لغطا كبيرا، وخاصة لدى المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين للتّعذيب، فتتعلق بإصرار موريل على أن ما يدعوه "وسائل الاستجواب المعزّزة" التي استخدمتها "سي آي إيه"، بعد أحداث 11 سبتمبر، أدت لـ"درء العديد من المخاطر عن البلاد، ونتج عنها الوصول إلى زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن".
وقد أوضح قائلا “أفضل مثال على نجاح تلك الأساليب هي تصرّفات مُخطّط هجمات 11 سبتمبر، خالد الشيخ محمد، التي كانت مختلفة بشكل كبير بعد استخدام وسائل الاستنطاق المعزّزة معه؛ فقد كان متحديا بشراسة وغير راغب بالكلام في البداية، وبعد استخدام الوسائل (تم تطبيق أسلوب الإيهام بالغرق عليه 183 مرّة) أصبح متعاونا وراغبا بالكلام بصدق، والإجابة تقريبا على أيّ سؤال طُرح عليه”. كما تناول مايكل موريل قصة اغتيال بن لادن في مايو 2011، وجاءت روايته مطابقة لرواية البيت الأبيض، الّذي يؤكّد أنّ الوصول لمخبأ بن لادن في باكستان "كان أميركيا بالكامل ولم يكن للباكستانيّين علم بالأمر”. ويذهب موريل إلى أبعد من ذلك ليقول "قائد وحدة العمليات المشتركة الخاصة في وزارة الدفاع ويليام مكرايفين، خطّط لأن يقوم رجاله في العمليات الخاصّة للبحرية الأميركية (سيلز تيم 6) بالهبوط على المجمع الّذي يحتمي فيه بن لادن فيما يبحث مسؤلو الإدارة الأميركية عن حلّ يمكن التفاوض عليه مع باكستان في حال اكتشفت العملية بعد أو أثناء تنفيذها". ولفت موريل إلى أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما قال لمكرايفين إنّه إذا تدخّلت السلطات الباكستانية أثناء تنفيذ العملية، فإنّ عليهم (الأميركيين) "شقّ طريقهم إلى الخارج بالقوة". وهنا قال موريل "أوباما لم يحبّذ فكرة أن تتعفّن قوات مكرايفين في أحد السّجون الباكستانية لعدّة أشهر بينما نحاول العمل دبلوماسيا لإطلاق سراحهم". وبالمقابل يرى مراقبون أنّ هذه الأساليب والسياسات الزجرية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأميركية إنّما زادت من حدّة التطرّف لدى الجهاديين، وغذّته، وهي التي تسببت اليوم في تضاعف أعدادهم واشتداد شوكتهم، خاصّة في ظل "العجز" أو ربما التلكؤ الأميركي الظاهر في التصدي لهم في البلدان التي سيطروا فيها على أراض شاسعة شأن العراق وسوريا وليبيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق