استهداف دائم للمصالح السعودية
لدى إيران تاريخ طويل من التخطيط لهجمات ضد منافسيها السعوديين ردا على ما تسمّيه "التجاوزات" التي تراها حقيقية والأخرى التي يصورها لها خيالها. وقد استهدفت تلك المؤامرات، التي نفذها عملاء إيرانيون ووكلاء "حزب الله"، المصالح السعودية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. ومن بين أحدثها – التي يمكن إرجاعها إلى قائد "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" قاسم سليماني وغيره من كبار صناع القرار في إيران – المؤامرة الفاشلة في أكتوبر 2011 لاغتيال السفير السعودي في واشنطن من خلال تفجير المطعم الذي كان يتردد عليه. وتعود مخططات طهران المعادية للسعودية تقريبا إلى وقت تأسيس النظام الإيراني، فبعد ثلاثة أشهر فقط على إنشاء "حزب الله" في مايو 1987، شن الفرع السعودي لـ"حزب الله" (الذي يعرف أيضا باسم "حزب الله الحجاز") أول هجوم له داخل المملكة. وقبل ذلك الهجوم بمدّة قصيرة كانت قد وقعت مواجهة بين حجاج شيعة وقوات الأمن السعودية في موسم الحج في يوليو 1987 تحوّلت بعد ذلك إلى مجابهة عنيفة، وتصاعدت إلى تدافع أسفر عن مقتل أكثر من 400 شخص. وفي سعيها للانتقام، بدأت إيران تلتفت إلى المتطرفين الشيعة في المنطقة الشرقية للمملكة بهدف جذبهم لتنفيذ هجمات. وبعد أسبوع من تلك المأساة، أصدر "حزب الله" (السعودي) أول بيان رسمي له، متعهدا بتحدي العائلة الحاكمة. وفي الشهر التالي، أعلن مسؤوليته عن هجوم على منشأة النفط في رأس الجعيمة. وفي بيانات صادرة ببيروت وطهران، هدّد الحزب بتنفيذ هجمات انتقامية إضافية تستهدف المسؤولين السعوديين. وبعد شهر من ذلك، هدّد بشن هجمات ضد المصالح الأميركية والسعودية في الخارج.
ووفقا لتقارير وكالة المخابرات المركزية الأميركية في ذلك الوقت، كانت إيران قد “هرّبت كمية من المتفجّرات إلى المملكة العربية السعودية في ذلك الحين ونفذت عمليات إرهابية ضدّ أهداف كويتية". وفي غضون عام، نفذ "حزب الله" (السعودي) تهديده عبر مهاجمة قطاع صناعة البتروكيماويات السعودية، الذي كان آنذاك كما هو الحال الآن، يشغّل العديد من الأميركيين. وفي آذار 1988، أعلن الحزب مسؤوليته عن الانفجار الذي وقع في مصنع “صدف” للبتروكيماويات في منطقة الجبيل. كما أن قنابل إضافية أصابت مصفاة رأس تنورة، في حين أن قنابل أخرى عثر عليها ولم تنفجر على ما يبدو في رأس الجعيمة. من جهتها، ردت السلطات السعودية بقوة، واعتقلت عددا من المشتبه بهم من المسلحين الشيعة المتطرفين. وألقت القبض على ثلاثة من أعضاء "حزب الله" (السعودي) بعد مواجهة دامية معهم، قتل فيها العديد من رجال الشرطة وأصيب آخرون بجروح. وقد أعدم هؤلاء الرجال رفقة عضو خلية آخر علنا في سبتمبر 1988.
ومن أجل الانتقام للعناصر المعدومين، أعلن "حزب الله" (السعودي) الحرب على أي شخص يعمل لصالح المملكة العربية السعودية، وشرع في حملة اغتيالات في الخارج، بشنه هجمات على مسؤولين سعوديين في تركيا وباكستان وتايلاند. وفي معرض تعليقه على إحدى هذه الهجمات، أشار تحليل أصدرته “وكالة المخابرات المركزية" في ديسمبر 1988 إلى أنّ "الرياض قلقة من أن يكون اغتيال دبلوماسي سعودي في أنقرة في 25 أكتوبر 1988 ضمن الجولة الافتتاحية في حملة إرهابية شيعية تستهدف مسؤولين سعوديين ومرافق سعودية". وكانت عملية إطلاق النار، مدار البحث، في أنقرة قد أودت بحياة عبدالغني البداوي، السكرتير الثاني في السفارة السعودية بتركيا. وجاءت محاولة اغتيال أخرى بعد شهرين، عندما أصيب أحمد العمري، السكرتير الثاني في البعثة السعودية في كراتشي، باكستان، بجروح خطيرة جراء إطلاق عيار ناري عليه في أواخر ديسمبر من نفس السنة. وبعد ذلك، في 4 يناير 1989، قتل صالح عبدالله المالكي، السكرتير الثالث في السفارة السعودية في بانكوك خارج منزله. وبالتوازي مع تلك الأحداث، تمّ القبض على مجموعة من الكويتيين والسعوديين الشيعة التابعين لـ"حزب الله" في الكويت أثناء قيامها بتهريب المتفجّرات إلى المملكة في يوليو 1989، ووضعها في محيط "المسجد الحرام" بمكّة. وفي سبتمبر من ذلك العام، تمّ إعدام ستة عشر كويتيا وأربعة سعوديين لضلوعهم في تلك المؤامرة، الأمر الذي دفع بكل من "حزب الله" (السعودي) و"حزب الله"(الكويتي) للدعوة إلى الانتقام في مؤتمر صحفي عقداه في بيروت، حيث كان بإمكان ممثليهما التحدث بحرية تحت حماية راعيهما، "حزب الله" (اللبناني). وقدّر تحليل لوكالة المخابرات المركزية، نُشر في أغسطس 1990، أنّ "تلك التصريحات ربما تكون قد شجّعت العناصر الشيعية المتطرفة على تنفيذ سلسلة من الهجمات ضد المنشآت السعودية وضد السعوديين".
حرب ظلال من نوع آخر
في حين لا يزال "حزب الله" عنصرا نشطا في حرب الظلال بين طهران والغرب، إلا أنّ "قوة القدس" قد خطّطت لأحدث مؤامرات النظام الإيراني المستهدفة للمصالح السعودية. وعلى غرار حملة الاغتيالات التي قام بها "حزب الله" في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، شملت المؤامرات الأخيرة استهداف المسؤولين في الخارج. وفي مايو 2011، أطلق عملاء إيرانيون النار على دبلوماسي سعودي آخر في كراتشي وأردوه قتيلا، الأمر الذي شكل إنذارا لمؤامرة تفجير المطعم في واشنطن، التي كان قد سبق التخطيط لها آنذاك. وفي يونيو 2012، اعتقلت السلطات الكينية مواطنَيْن إيرانيَيْن، قيل إنّهما عميليْن من “قوة القدس”، يُعتقد أنهما كانا يخططان لشن هجمات على أهداف أميركية أو بريطانية أو سعودية في كينيا أو أيّ مكان آخر في أفريقيا. وفي الآونة الأخيرة، بدا أنّ النظام الإيراني يعلّق هذه الحرب السرية بينما تتكشف المفاوضات النووية، ولكن التوترات الطائفية الراهنة في المنطقة وعودة السعودية إلى استلام زمام الأمور في جل القضايا الحارقة وعلى رأسها الأزمتين اليمنية والسورية، ربّما تكون قد أضرمت من جديد نيران الحقد الإيرانية ودفعت طهران و"حزب الله" إلى استهداف خصومهما السعوديين من خلال شن هجمات غير متناسقة ويمكن إنكارها بشكل معقول، شأن عملية تفجير المسجد الأخيرة.
وكانت التوترات الإقليمية شديدة بالفعل حول دعم الرياض وطهران للعناصر الفاعلة المتنافسة في لبنان وسوريا والعراق. ولكن القيادة السعودية للائتلاف الذي يستهدف المتمردين الحوثيين في اليمن، أتت بمثابة مفاجأة غير مرحب بها بالنسبة إلى إيران. ونظرا إلى هذه الخلفية المليئة بالهجمات الإيرانية وتلك التي شنها "حزب الله" في الماضي ضدّ المصالح السعودية، تشكّل التحذيرات الأخيرة أكثر بكثير من مجرّد انتقادات دلالية معزولة في الحرب الكلامية بين الرياض وطهران. ونظرا إلى هذا التاريخ والتوترات الفعلية بين السنة والشيعة التي تجتاح المنطقة، فإنّ تعهد نعيم قاسم في 13 أبريل المنصرم، بأنّ "حزب الله لا يمكن أن يكون صامتا" إزاء ما يسمّيه بـ"الإبادة الجماعية" التي ترتكبها السعودية في اليمن، قد يسفر عن أكثر من مجرّد تصريحات غاضبة، وهو ربما ما يترجمه التفجير الأخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق