ومع أن المسلمين والمهاجرين يبدون مخاوف من صعود اليمين المتطرف الذي لم يحقق أي شيء يذكر في الانتخابات الماضية، بيد أن المهاجرين تحديدا باتوا أكثر قلقا مع حكم المحافظين هذه المرة لا سيما مع طرح مسألة "الانفصال" عن أوروبا لما لها من تأثير عكسي على المدى البعيد عليهم. وهناك العديد من الأسباب التي يبرزها كاميرون في كثير من خطاباته بخصوص الخروج من النادي الأوروبي على الرغم من أنه يرى أهمية للاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى البريطانيين، لكن الجالية المسلمة لا تبدو متخوفة من هذه الخطوة التي لن تجعلها في عزلة عن بقية أوروبا. ولن يكون المهاجرون نحو بريطانيا بمعزل عن التجاذبات السياسية بخصوص الاستفتاء المثير للجدل ولا سيما بعد أن تعهد رئيس الوزراء، الأسبوع الماضي، بحملة لا هوادة فيها لتقليل الهجرة إلى بلاده وذلك في أول حراك له عقب فوزه بالانتخابات العامة مطلع الشهر الجاري.
ويرى متابعون في "استفتاء كاميرون" مناورة سياسية يسعى حزب المحافظين من خلالها إلى الضغط بقوة بغرض إعادة التفاوض مع الاتحاد على شروط جديدة تعيد لبريطانيا "هيبتها" التي انتزعت منها. ويريد كاميرون استعادة بعض السلطات التي تخلت عنها لندن للاتحاد بما في ذلك تحديد ساعات العمل والاتفاقيات المتعلقة بالجوانب الأمنية وتبادل المجرمين والأهم هو تبديد مخاوف بريطانيا من سيطرة دول منطقة اليورو الـ17 على مجريات اتخاذ القرار في الاتحاد. وعلى الرغم من هذه الأسباب الذي وضعها كاميرون وحزبه لرسم مستقبل أكثر استقرارا أمام المملكة المتحدة، إلا أن البعض يؤكد أن خروج بريطانيا من الاتحاد قد يؤثر على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ما سينعكس سلبا على شتى المجالات الأخرى المرتبطة أصلا بقيام التكتل. وفي ردود فعل الأحزاب السياسية البريطانية، اتهم زعيم الديمقراطيين الليبراليين ونائب رئيس الوزراء السابق نك كليغ، كاميرون بالتخلي عن "الموقف الليبرالي" الذي تبناه التحالف الحكومي السابق. في المقابل، قالت هاريت هارمان التي تتولى قيادة حزب العمال ثاني أكبر حزب في البلاد بالنيابة حاليا إن "المحافظين يريدون جعل شعوب البلاد في خلاف ضد بعضها ويهددون حقوق العمل الأساسية".
وعلى الصعيد الخارجي، ترى دول أوروبية وخاصة فرنسا وألمانيا أن الاتحاد ضرورة حتمية لما بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت نتائجها مدمّرة بالنسبة إلى أوروبا، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة ترى أهمية ومحورية الاتحاد، حيث تعتقد أن دور بريطانيا داخله أهم بالنسبة إليها من دورها خارجه، وهو بالتالي ما يعقد الأمور بالنسبة إلى البريطانيين أنفسهم. واضطر كاميرون خلال فترة ولايته الأولى للتعهد بتنظيم الاستفتاء استجابة لضغط من أحزاب المعارضة وفي مقدمتهم العمال وكذلك من عدد كبير من نواب حزب المحافظين بسبب تذمر قسم لا بأس به من البريطانيين من تدفق المهاجرين الأوروبيين واستفادتهم غير المشروطة من نظامي الخدمات الاجتماعية والصحية، فضلا عن الوظائف والتعليم. ورغم الكم الهائل من الانتقادات فإنه بات بإمكان رئيس الوزراء عقب فوزه بالغالبية الساحقة في الانتخابات العامة، المضي قدما في خطط كان حلفاؤه السابقون يعرقلونها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق