العرب: كان البعض يدفع عربات يدوية أمامه وقد حملها بكومة عالية من أمتعته ومتعلقاته عبر الجسر الوحيد المؤدي إلى بغداد. وكان آخرون يحاولون ضبط توازن حقائب مهترئه فوق رؤوسهم أو يرفعون أطفالهم الرضع عاليا فوق الرؤوس حتى لا ينسحقوا تحت الأقدام خلال النزوح عن محافظة الأنبار في غرب العراق. وقالت الأمم المتحدة يوم الأحد إن أكثر من 90 ألف خرجوا من ديارهم في الأنبار منذ الثامن من ابريل نيسان عندما بدأ تنظيم الدولة الاسلامية يحقق مكاسب على الأرض حول مدينة الرمادي عاصمة المحافظة على مسافة 90 كيلومترا تقريبا من بغداد. ويتسبب هذا النزوح الأخير في تفاقم أزمة انسانية تتزايد حدتها في العراق الذي بلغ عدد النازحين عن ديارهم فيه 2.7 مليون شخص منذ يناير كانون الثاني 2014. وتتوقع وكالات الإغاثة رحيل مئات الالاف عن بيوتهم إذا تدخلت القوات العراقية لمهاجمة المتشددين في معاقلهم الباقية في الأنبار وفي نينوى في الشمال.
وفتحت المساجد في العاصمة أبوابها لإيواء مئات العائلات التي وصلت من الأنبار رغم أن بعضها أصبح عالقا خارج العاصمة بغداد عند حاجز جسر بزيبز. قال موظف حكومي يدعى أحمد عبد الرحمن كان قد عبر الجسر لتوه وقد بدا عليه الإرهاق إنه ترك بيته في الصوفية الواقعة شرقي الرمادي قبل عدة أيام بسبب انقطاع الكهرباء ونقص الغذاء والمياه لا بسبب القتال. وقال عبد الرحمن البالغ من العمر 56 عاما وهو يجر حقيبة وقد كسا الغبار وجهه "كل شيء نفد ولم يبق إلا الهواء." وأضاف "حتى أصوات الحياة توقفت من حولنا. وأصبح الوضع لا يطاق." وقال المسلحون إن من يريد الرحيل حر في ذلك ودلوا عبد الرحمن وعائلته على طريق آمن للخروج من الصوفية. وثبت أن دخول بغداد كان أصعب لأن السلطات تشترط على بعض النازحين وجود كفيل لهم داخل العاصمة وذلك من أجل الحيلولة دون تسلل متشددين. وقال عبد الرحمن "عندما وصلنا جسر بزيبز وجدنا أن الحكومة عطلت زحفنا... وتميز بين هذا وذاك." نزح أكثر من نصف مليون عراقي عن الأنبار حتى قبل اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية مدينة الموصل الشمالية في الصيف الماضي وسيطرته على ثلث العراق تقريبا. ومنذ ذلك الحين تضاعف هذا الرقم تقريبا.
ويمثل نازحو الأنبار ما لا يقل عن 30 في المئة من اجمالي النازحين في العراق منذ بداية العام الماضي. وتوضح بيانات المنظمة الدولية للهجرة أن هذا هو ثاني أعلى مستوى للنازحين من محافظة واحدة. وقالت أم صباح (37 عاما) "جاء جيراننا وقالوا لنا إنهم راحلون لأن الوضع سيء ولأن الدولة الاسلامية قد تدخل في أي لحظة." وأضافت إنها حشرت بعض الملابس على عجل في حقيبة وأخذت أوراق هويتها وانضمت لهم. وقالت "وكأنه كتب علي أن اتنقل من مكان إلى مكان في بلدي دون أن أمتلك قطعة أرض أو بيتي الخاص." أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قبل أسبوعين أن الدور على الأنبار بعد هزيمة متشددي تنظيم القاعدة في مدينة تكريت الواقعة إلى الشمال. لكن الحملة الجديدة لاسترداد الأراضي الصحراوية الشاسعة لم تكن قد بدأت بعد عندما هاجم المتشددون الرمادي واستولوا على مناطق في الشمال والشرق مما دفع مسؤولين محليين إلى التحذير من أن المدينة على وشك السقوط. ووصلت التعزيزات إلى الرمادي خلال العطلة الأسبوعية وبدا أن زحف المتشددين قد توقف. وخفت حشود النازحين يوم الاثنين وبدأت بضع عائلات تعود إلى بعض المناطق رغم أن المتشددين مازالوا يسيطرون على مشارف المدينة.
وقال المهندس محمد الفهداوي الذي غادر منطقة سجارية إلى الشرق من الرمادي يوم السبت "كل المسؤولين المحليين هربوا إلى بغداد وغيرها. فلماذا نبقى نحن؟" واتجه أغلب النازحين في الأيام الأخيرة صوب بغداد بينما تنقلت أعداد أقل داخل الأنبار التي يخضع أغلبها لسيطرة تنظيم الدولة الاسلامية. واتجهت أقلية جنوبا صوب كربلاء وبابل أو شمالا في اتجاه اقليم كردستان. وأبدى الفهداوي تشككه في إمكانية تحرير الأنبار بقوات الجيش وحده وقال إنه يرحب بأي قوة تحارب الدولة الاسلامية بما في ذلك الفصائل الشيعية المسلحة التي لعبت دورا رئيسيا في وقف تقدم المتشددين في أماكن أخرى. لكن سعد جابر كريم الذي يعمل مدرسا ويبلغ من العمر 42 عاما قال إنه إذا كان ما سمعه عما ترتكبه الفصائل الشيعية بحق السنة في المناطق التي تمت استعادتها من التنظيم حقيقية فهو يفضل أن تظل السيطرة للمتشددين. وقال عبد الرحمن إنه لا فرق يذكر لأهل الرمادي أي القوتين تكون لها السيطرة. وأضاف "التحرير والاحتلال وجهان لعملة واحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق