ويتعرض قطاع الاثار في هذا البلد الذي يعتبر متحفا مفتوحا على التاريخ، لاعتداءت متنوعة منذ نحو اربع سنوات اذ هدمت اضرحة وجرفت مواقع وسرقت قطع اثرية، بحسب علماء اثار ومصادر رسمية.
وقال رئيس مصلحة الآثار الليبية احمد حسن لوكالة فرانس برس “نخشى ان تطال ايدي العابثين من المتطرفين (…) موروثنا الثقافي كما حدث في العراق”. واضاف “نعمل للحفاظ على هذا الموروث بالتعاون مع مختلف الفاعلين الليبيين والشركاء الدوليين”.
ويشهد هذا البلد الغارق بالسلاح منذ اسقاط نظام معمر القذافي في 2011 فوضى امنية بعدما احتفظت غالبية الجماعات التي قاتلت النظام السابق باسلحتها، وسط صراع عسكري بين ادارتين تتنازعان على الحكم والشرعية.
وفي ليبيا عشرات المواقع الاثرية التي تعود الى حقبات متنوعة في التاريخ. وتصنف منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) خمسة مواقع اثرية فيها ضمن قائمة التراث العالمي.
وهذه المواقع هي موقع صبراتة الاثري الذي يجمع الحقبتين الفينيقية والرومانية ويضم مسرحا في مقابل البحر غرب طرابلس، ومدينة شحات (قورينا) التي بناها الاغريق في شرق البلاد، وموقع لبدة الرومانية قرب طرابلس، ومواقع تادرارت اكاكوس الصخرية الغنية بآلاف النقوش والتي يعود اقدمها الى 21 الف عام قبل الميلاد في جنوب غرب ليبيا، ومدينة غدامس جنوب غرب العاصمة التي تعود اثار العيش فيها الى نحو 10 الاف سنة قبل الميلاد.
والى جانب الصراع العسكري والسياسي المستمر بين السلطتين في ليبيا، تشهد البلاد تصاعدا لنفوذ جماعات متطرفة، بينها تنظيم الدولة الاسلامية الذي يسيطر على الاجزاء الاكبر من مدينة سرت، ويتواجد في مدينة درنة في الشرق، ويتبنى عمليات تفجير وهجمات انتحارية في بنغازي وطرابلس.
واكد مراقب آثار بنغازي محمد الشلماني المسؤول في مصلحة الآثار الليبية لفرانس برس ان بروز هذا التنظيم في ليبيا “دفع جميع الخبراء الى ان يبدوا مخاوفهم من تكرار سيناريو العراق في تدمير الموروث الانساني” في ليبيا.
وكان تنظيم الدولة الاسلامية عرض شريطا يظهر قيام عناصر يستخدمون مطارق وآلات ثقب كهربائية، بتدمير تماثيل آشورية وغيرها يعود تاريخها الى مئات الاعوام قبل الميلاد، في متحف الموصل في شمال العراق وموقع أثري ثان في المدينة.
وسبق له ان عرض صورا واشرطة مصورة تظهر قيامه بتفجير مزارات واضرحة واماكن عبادة اثرية في العراق وفي سوريا ايضا، معتبرا اياها “شركا” بالله.
وقال الشلماني انه في ظل هذه المخاطر قررت هيئة الاثار في ليبيا “القيام بحصر سريع لكافة الموروث الأثري في البلاد وتصويره وتخزينه بشكل جيد تحسبا لأي طارئ”، والتوجه “الى الامم المتحدة واليونسكو لطلب مساعدة البلاد في الحفاظ على موروثها التاريخي”.
وراى انه “يجب نقل جميع آثارنا المهددة الى خارج البلاد للحفاظ عليها واستعادتها بعد استتباب الامن”.
ويتعرض قطاع الاثار في ليبيا بالفعل منذ سنوات الى اعتداءات متكررة من قبل عصابات سرقة، ومتشددين ايضا.
وقال مدير مكتب الاعلام في مصلحة الآثار الليبية فتح الله كمش لفرانس برس انه منذ 2011 “تعرضت العديد من الاضرحة للتدمير على ايدي متشددين”، بينها اضرحة في زليتن شرق طرابلس، وفي العاصمة نفسها، واضرحة زويلة التاريخية في الجنوب واضرحة في درنة والاضرحة والمواقع الصوفية في مدينتي صرمان وصبراتة غرب العاصمة.
في موازاة ذلك، قال كمشة ان مصلحة الآثار وثقت عدة سرقات تمثلت في “سرقة بعض الاواني الفخارية من متحف سلطان بالقرب من مدينة سرت (450 كلم غرب طرابلس)، وسرقة عدد من الأواني الفخارية من متحف سوسة (اقصى الشرق الليبي)، اضافة الى سرقة لوحتين من الفسيفساء في شحات، وكنز بنغازي”.
وفي اواخر عام 2011، سطت عصابة على “كنز بنغازي” وهي مجموعة من القطع النقدية الذهبية والفضية والبرونزية التي يعود بعضها الى عصور ما قبل التاريخ ويبلغ عددها نحو 7700 قطعة بعدما قامت العصابة بحفر سقف خزانة تحت الارض في البنك التجاري الوطني في بنغازي حيث كانت مودعة.
من جهته قال عالم الاثار الليبي فضل الحاسي ان اكثر من 15 موقعا اثريا في ليبيا تعرضت للتجريف منذ 2011 وتحولت الى مساكن، بينها مواقع داخل مدينة شحات.
وذكر ان نقوشا صخرية في جبال اكاكوس في قلب الصحراء البعيدة عن انظار السلطات الهشة تعرضت ايضا الى اعمال تخريب بالطلاء، فيما طالت عمليات القصف العشوائي قصرا عثمانيا في بنغازي.
وتابع الحاسي انه جرى “تخريب قصر اسلامي بناه المعز لدين الله الفاطمي في منطقة العزيات غرب مدينة طبرق على الحدود الليبية المصرية، ليتحول الى حظيرة للحيوانات”.
وكان متشددون في العاصمة ازالوا نهاية العام الماضي تمثال الغزالة والحسناء الشهير الذي يعود الى فترة الاحتلال الايطالي، وهو عبارة عن امراة عارية قرب غزالة، وكان يعد من اجمل معالم المدينة.
ولان معظم الآثار الليبية مسرحا مفتوحا على الطبيعة، فان جميع المواقع الاثرية لم تغلق فعليا امام الزوار فيما عدا المتاحف التي اقفلت نتيجة للاضرابات الامنية وخشية السطو على محتوياتها، وبينها متحف السرايا الحمراء في طرابلس.
وتقتصر حراسة المواقع الاثرية حاليا على الموظفين المدنيين غير المسلحين والتابعين لمصلحة الآثار، بعدما كان يحميها في السابق جهاز للشرطة السياحية.
وقال الحاسي ان الاخطار المحدقة بقطاع الاثار ازمة وطنية يجب تدراكها سريعا.
وتابع “انها اكبر كارثة في ليبيا حاليا”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق