في الذكرى الرابعة لثورة 17 فبراير، "محامون من أجل العدالة في ليبيا" تسلّط
الضوء على جرائم حرب جديدة ومزيد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان
الضوء على جرائم حرب جديدة ومزيد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان
انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان
شهد العام الماضي ارتفاعاً ملحوظاً وخطيراً في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا. وقد أفادت التقارير باستمرار عن اعتداءاتٍ مباشرة وعشوائية على المدنيين وعلى الممتلكات المدنية، وعن أعمال قتل خارج القانون، وعن حالات خطف واعتداء على الإعلاميين والحقوقيين والناشطين القانونيين. وقد سجّلت أكثر من 860 حالة وفاة في المناطق التي شهدت احتداماً للصراع في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2014، ومنها ورشفانة، في الغرب، وبنغازي، في الشرق، وأوباري في جنوب البلاد. ولعلّ ما أفيد أخيراً عن ذبح عشرين مصرياً من الأقباط ورجل مسيحي آخر في سرت على يد المجموعات المسلّحة يجسّد مثالاً مروعاً آخر عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ترتكب في ليبيا.
لا بد من اتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة هذه الانتهاكات وضمان محاسبة المسؤولين عن ارتكاب هذه الأعمال. وبالإضافة إلى الإجراءات الممكن اتخاذها من جانب السلطات الوطنية، تذكّر منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" بوجود آليات أخرى لتطبيق المساءلة متوافرة على صعيد المجتمع الدولي وتحثّ على استخدامها. فالقرار رقم 2174 (2014) مثلاً الصادر عن مجلس الأمن يتيح فرض حظر السفر وتجميد الأصول المالية ضدّ الأفراد المشتبه بهم في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا. ولم يدخل مجلس الأمن حتى اليوم هذا القرار حيّز التطبيق، ما يعزّز فكرة أنّ مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان قادرون على التمتع بالحصانة والإفلات من العقاب في ليبيا.
كما لدى المحكمة الجنائية الدولية أيضاً صلاحية التحقيق في الجرائم الدولية التي وقعت في ليبيا منذ 15 فبراير 2011 وملاحقة الجناة. ورغم ذلك، لم يتمّ رفع أيّ دعاوى جديدة منذ العام 2011. وبالتالي، تحثّ "محامون من أجل العدالة في ليبيا" المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في الانتهاكات الأخيرة، بما في ذلك عملية الذبح الجماعي التي وقعت أخيراً، وإصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين عن تنفيذ هذه الجرائم.
وفي هذا السياق، أكّدت مدير منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا"، إلهام السعودي بقولها: "للسنة الرابعة على التوالي، لم تنجح الدولة الليبية في تحمّل المسؤولية أو اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الانتهاكات الكارثية لحقوق الإنسان التي شهدتها البلاد. فمبدأ الحصانة وليس المساءلة هو ما بات سائداً في ليبيا. على الجهات المعنية كافة أن تضع المساءلة في سلّم أولوياتها، وأن تحاسب المسؤولين عن ارتكاب هذه الأعمال المشينة، إن كان على ليبيا أن تخرج من هذه الفترة كدولة مستقرة، أو أن تتوصّل إلى حلّ مرضٍ وقابل للتطبيق فعلياً."
الأشخاص المشرّدون داخلياً
تعرب منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" عن قلقها في ما يتعلّق بالأشخاص المشرّدين داخلياً في ليبيا، سيما وأنّ أحوالهم قد ازدادت سوءاً على مرّ العام المنصرم. فنتيجة الصراع الذي عاشته البلاد في العام 2014، سجّل عدد المشرّدين في ليبيا ارتفاعاً وصل إلى 400 ألف شخص. وقد تعرّض ما يزيد عن 5600 شخص من أهالي تاورغاء، المشرّدين منذ العام 2011، لمعاناةٍ إضافية بعد أن أجبروا على مغادرة خمسة من مخيّماتهم في بنغازي في منتصف شهر أكتوبر من عام 2014 جرّاء اندلاع النزاع وأعمال العنف. كما أجبرت مجموعات أخرى على الفرار نتيجة احتدام الصراع، بمن فيهم أهالي ورشفانة والذين ناهز عددهم 100 ألف من بين مجموع الأشخاص المشرّدين داخلياً في ليبيا.
تقرّ منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" بالخطوة الإيجابية المتمثلة في الاتفاق الذي توصّلت إليه المجالس البلدية لمصراتة وتاورغاء في يناير 2015. وينصّ الاتفاق على إنشاء لجنة تتولّى زيارة السجون في مدينة مصراتة وتقوم بمراجعة التهم الموجهة ضدّ أهالي تاورغاء القابعين في السجون. كما نصّ الاتفاق أيضاً على حق أهالي تاورغاء في العودة إلى أرضهم. وتناشد المنظمة جميع الأطراف باحترام هذه الاتفاقات واتخاذ الخطوات الفاعلة لضمان نجاح تطبيقها.
الاعتداءات على الحريات الأساسية
تدين منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" عمليات الهدم الأخيرة للمواقع الدينية والتاريخية في طرابلس. فقد عمد مجهولون في 6 فبراير 2015 إلى تدمير تمثال اثري في منطقة زاوية الدهماني الذي يعود للعهد العثماني. وقد سبق أن تعرّض مسجد الشعاب المجاور له للهدم والتدمير. وتعدّ هذه الاعتداءات انتهاكات ضدّ تراث ليبيا الغني والحق في حرية الدين والثقافة الذي يعدّ حقاً غير قابل للتصرّف بالنسبة إلى الليبيين جميعاً.
وتعبّر "محامون من أجل العدالة في ليبيا" عن تخوّفها أيضاً من انعدام الاستقرار بسبب أعمال العنف المستمرّة والتهديدات التي تطال المجتمع المدني الناشئ في ليبيا. وقد أجبر العديد من أفراد المجتمع المدني على مغادرة ليبيا لأسبابٍ أمنية.
كما أدّت حالة انعدام الاستقرار المستمرّة في البلاد إلى عرقلة سير مؤسّسات الدولة. فمنذ شهر فبراير 2014، أوقف العمل بالنظام القضائي لجميع النشاطات غير المدنية أو الإدارية. ونتيجةً لذلك، بقيت الحصانة عن الجرائم، بما في ذلك الانتهاكات المستمرّة لحقوق الإنسان، منتشرةً ولم يتمكن ضحايا الانتهاكات من اللجوء إلى العدالة على المستوى الوطني.
وعلى ضوء الوضع المتردّي لحقوق الإنسان، تذكّر "محامون من أجل العدالة في ليبيا" الجهات المعنية بالتداعيات التي قد تؤثّر على مستقبل ليبيا. وتضيف السعودي: "في ذكرى الثورة هذه السنة، نشهد أسوأ عام مرّ في تاريخ ليبيا الحديث في ما يتعلق بجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان. فمن بين المعتقلين أو المحتجزين أو السجناء في ليبيا، شخص من أصل اثنين يخضع للتعذيب أو العنف. وتفقد أسرة من أصل خمس في ليبيا أحد أفرادها فيخطف أو يقع في الاعتقال أو الاحتجاز أو الحبس. وتشير هذه الإحصاءات إلى أنّ الانتهاكات قد باتت سائدةً على نحوٍ مقلق وتدلّ على انتقاص خطير لسيادة حكم القانون. لهذه الأسباب، يجدر بنا في ذكرى اليوم ألاّ نكتفي بالتأمل في الوضع الراهن، بل أن نسعى للتحرّك والتغيير."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق