ليبيا المستقبل
العربية - نت: منذ اندلاع ثورة فبراير لإسقاط حكم العقيد معمر القذافي في العام 2011 تساءل كثيرون عن دور المثقف الليبي وغيابه شبه التام واستمر السؤال ذاته بعد سقوط نظام القذافي في ظل حالة الفوضى التي لا تزال تعاني منها ليبيا، ضمن أسئلة تستدعي دورا للمثقف الليبي في مقاومة التيارات الفكرية المتطرفة وعدم الاستقرار الأمني ثقافياً عبر إنتاج ما عرف في دول مجاورة بــ "أدب الثورة". خلال الأعوام الأربعة الماضية، لم تسجل وزارة الثقافية حضورا يذكر واكتفت بحضور خجول تمثل في رعاية معرض للكتاب أو طباعة بعض المنشورات التي لم يتجاوز صدروها بضعة أشهر. وبحسب مسؤول في الوزارة فإن وزراء الثقافة المتعاقبين كانوا في عملهم أقرب إلى السياسة بل منهم من لم يمارس الكتابة أصلا فضلاً عن عدم امتلاكه وعياً بدور المثقف. ولم تشهد الساحة الثقافية في ليبيا سوى عدد محدود من الأنشطة رعتها جهات خاصة أبرزها معرض للكتب المستعملة لقي إقبالا كبيرا وبعض المسرحيات جلها كان خارج ليبيا ومنها ما حصد بعض الجوائز. ويعزو الكاتب الليبي منصف الشاملي المسألة إلى حالة الفوضى في البلاد قائلا: "الفوضى تولد فوضى في التفكير وفي السلوك لدى المواطن، فلا قيمة للأعمال الأدبية أو الثقافية لدى الناس المنصرفين أصلا إلى مسائل الأمن والاستقرار، ومطالب الحياة اليومية التي يصعب عليه تأمينها". ويضيف أن "عرض المسرحيات وإقامة المعارض والملتقيات الثقافية وعرض الأفكار عبر الكتابة بكل حرية يحتاج إلى رعاية رسمية ودعم مالي حكومي فضلا عن توفر أهم عامل وهو الاستقرار الأمني، وكل هذه العناصر التي تتيح للمثقف لعب دور في هذه المرحلة غائبة تماما الآن في ليبيا". ولعل تزايد نشر الكتابات بأسماء وهمية وتحول عدد من الصحف إلى النشر الإلكتروني وبأسماء جديدة، يشير إلى حالة من الخوف يعيشها المثقف الليبي، إزاء عجز الدولة عن حماية هذا المثقف المغتال فكريا قبل أن يغتال جسديا بحسب الشاملي. ويضرب الأديب الليبي الناجم قريرة مثلا بمدينة درنة التي كانت تعتبر محج المثقفين والأدباء في ليبيا قبل الثورة قائلا بلوعة وأسى: "لقد اغتيلت الثقافة في عاصمتيها الليبيتين بنغازي ودرنة على وجه التحديد، فلا يمكن على الإطلاق لشاعر أو أديب أو مثقف العمل في مدن يسطر عليها سافكو الدماء".
ويمضي قائلا" لقد طلب منا مسؤول بارز في الحكومة الليبية أن نوقف نشاطنا وأكد أن الحكومة تخلي مسؤوليتها عن أي ناشط ثقافي معتبرة أن الأولوية اليوم ليست للثقافة". ورغم اعتراف معز دياب، الشاعر الليبي الذي لجأ إلى الخارج، بقسوة الظروف الأمنية الحالية فإنه وجه لوماً للمثقف الليبي قائلا: "منذ متى كان للمثقف دور؟ الثقافة في حالة ركود منذ أربعة عقود، وهي فترة زمنية كافية لإنتاج جيل معاق يفضل الجلوس في المقاهي لنقد الوجوه الشابة الجديدة"، معتبراً أن "المثقف الليبي اعتاد على مبادرات الحكومة فيما غابت عنه المبادرة الذاتية، حيث بات ينتظر دعوة من مؤتمر في دولة أجنبية أو أن يكون عضواً في لجنة بجناح ليبي مشارك في معرض للكتاب خارج ليبيا". وتساءل: "قبل الثورة كانت وزارة الثقافة تنشر كل ما يصلها من أعمال للمثقفين الليبيين، ومخازن الثقافة تشهد على الكميات الكبيرة التي لم يقبل المواطن الليبي على شرائها فأين أثر هذه الأعمال الثقافية في المجتمع". ومعز القاص الليبي الذي يقود حركة شبابية أدبية يقول إن "أعدادا لا بأس بها انخرطت ضمن حركته لقناعتهم بأنه يجب القفز فوق الخراب والانفتاح على أوجه الحياة المختلفة" مؤكداً أن "أعمالا ستصدر قريبا عن حركته تركز على كشف أخطاء الإدارات السياسية وأخرى تعالج الفراغ الديني الذي سبب انزلاق قطاع كبير من الشباب في هوة الأفكار المتطرفة". وأضاف أن "الثقافة ليس لها تربة خصبة وأخرى غير خصبة الثقافة نتاج أي وقت ويفترض أن يكون المثقف أكثر إنتاجا في الظروف الحالكة، فهو من يجب عليه أن يضحي". ورغم تفاؤل معز ورفاقه فإن ليبيا شهدت تصفيات جسدية لمثقفين وإعلاميين ليبيين جاهروا بآرائهم المعارضة لسيطرة التيار الإسلامي خلال الأعوام الماضية وكان أبرزهم مفتاح بوزيد وسلوى بوقعيقيص في بنغازي والشاعرة نصيب كرنافة التي وجدت مذبوحة في سبها جنوب البلاد، بالإضافة إلى حالات الاختطاف التي طالت العشرات منهم حتى إن أحد الأدباء المعروفين طلب عدم ذكر اسمه قال إن "الوضع لا يسمح حتى للتأبين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق