سكاي نيوز عربية: يعاني القطاع الصحي في ليبيا من شبه انهيار تركته الحكومات السابقة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي، التي سيطر عليها إسلاميون وأعوانهم، وآخرها المجلس السابق بأغلبية من الإخوان. كأي ثورة من الثورات في العالم فإنها تقوم لأسباب أهمها يتعلق بالقضاء على الفساد، ولم تكن الثورة الليبية التي أطاحت بحكم القذافي عام 2011 مختلفة المآرب، إلا أن "أثرياء الحرب" الذين يسيئون استخدام السلطة لتحقيق أهداف شخصية باستغلال الأوضاع الأمنية المتردية في البلاد، أثروا سلبا على شريان الحياة بطرابلس وأصابوه بالشلل. في 2011 تأسست هيئة شؤون الجرحى في طرابلس، وهي هيئة مستقلة يرأسها أشرف يكن إسماعيل ويشرف عليها نائب رئيس الوزراء السابق مصطفى أبو شاقور، وتعنى بعلاج الجرحى من الثوار، إلا أن هذه الهيئة اعتمدت على إحالة كل المصابين للعلاج في الخارج، دون الاتفاق مع المستشفيات المحلية أو التحقق من توفر العلاج في تلك البلدان.
وفي حديث لسكاي نيوز عربية، قالت وزيرة الصحة السابقة فاطمة الحمروش إن "أموالا طائلة غير معروفة الوجهة، صرفت بشكل عشوائي من ميزانية هذه الهيئة، استفاد منها كل من المشرفين على الهيئة، والمستفيدين من الجرحى أنفسهم، ما أدى بهم إلى استغلال هذه الأموال كمصدر رزق لهم". وأوضحت الحمروش أن هذا أدى إلى قناعة المستفيدين، من كلا الطرفين، بأن تحسين القطاع الصحي في ليبيا "لن يصب في المصلحة المشتركة تلك"، فكان هذا من أهم أسباب تدهور القطاع وعرقلة تحسين الخدمات به، من قبل المعنيين. وفي محاولة حثيثة لإيقاف الهيئة والنهوض مجددا بالقطاع، قدمت وزارة الصحة في منتصف مارس 2012 طلب للتحقيق والتدقيق بالهيئة، التي صرفت حتى ذلك الوقت ما يقدر بمليار و800 ألف دينار ليبي.
وقامت الوزارة بتكليف شركة PWC المعنية بالتحقيق بالحسابات الجنائية، التي اكتشفت جرائم اقتصادية وتزوير في الفواتير شارك فيها موظفون بالسفارات الليبية وشركات أجنبية في الخارج، على حد قول الحمروش. ومن أكبر ملفات الفساد الذي اكتشفته هذه الشركة البريطانية، يعود إلى السفير الليبي في تركيا عبد الرزاق مختار، الذي أحيلت إليه عشرات الملايين بحجة علاج الجرحى في تركيا، دون المرور على ديوان المحاسبة. وأكدت الحمروش أنه بعد التحقيق، تبين أن 50% من الليبيين الجرحى دخلوا إلى مستشفيات يملك مختار أسهما فيها، وكانت قيمة الفواتير لبعض العمليات بهذه المستشفيات أكبر بـ 100 مرة من فواتير المستشفيات الأخرى في نفس البلد.
وفي يونيو 2012، بلغت مصروفات الهيئة بما يقدر بـ 3 مليارات دينار ليبي، وحين تم تخصيص مليار دينار لوزارة الصحة، بعد إنهاء عمل الهيئة وضمها كإدارة تحت وزارة الصحة في سبيل النهوض بالقطاع الصحي من جديد، صُرف أغلبها في تسديد ديون الهيئة السابقة في الخارج.وقامت الوزارة خلال عام 2012 بتجهيز حوالي 20 غرفة عمليات ومستشفيات وأقسام إسعاف، مع استجلاب للعمالة الأجنبية من تمريض وأطباء، في محاولة لإرجاع الجرحى إلى بلادهم وتلقي العلاج فيها، إلا أن الفوضى السياسية التي تطورت إلى حوار بلغة السلاح، بين التيارين الليبرالي والإسلامي، الذي وصل إلى ذروته إثر خسارة الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا، أدى إلى تدهور أمني شديد وحال دون الاستفادة منها. وحتى هذا اليوم، كل من يصاب من الليبيين في الجبهة، يطلب العلاج في الخارج، وتم تأسيس لجان جديدة تعنى بتأمين هذه المطالب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق