بينما كان ثوار ليبيا يتحركون في شوارعها دون تخطيط، محتجين على أوضاع البلد العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك، وسعيًا لإسقاط نظام القذافي، كان أعضاء في حكومته يخططون لتهريب أموالهم إلى الخارج، قدرتها جمعية الشفافية الليبية بمليارات الدولارات.
رئيس الجمعية إبراهيم أبو أصبع كشف أن رموز النظام السابق في ليبيا هربوا ما يقرب من 120 مليار دولار إلى دول مختلفة حول العالم، وذلك خلال فترة حكم القذافي.
وتبلغ موازنة ليبيا للعام 2014 نحو 60 مليار دينار (50 مليار دولار تقريبًا) بعجز يصل إلى عشرة مليارات دينار، موزعة على تعداد سكان يصل إلى نحو 6.3 ملايين نسمة. وتوقع عبدالسلام نصية المسؤول عن الموازنة ارتفاع العجز إلى 19 مليار دينار.
وقال رئيس جمعية الشفافية الليبية: «تتبعنا 750 مليون دولار مهربة إلى بنين ثم إلى فرنسا، وقدّمنا للحكومة الليبية المستندات التي تفيد ذلك بعد الثورة عبر الشحن الجوي، والمبلغ الآن في حوزة الجمارك الفرنسية».
وتأسست جمعية الشفافية الليبية كجمعية مدنية في مايو 2011، وتعتبر أول جمعية في مجال الشفافية ومكافحة الفساد في ليبيا.
وأضاف أبو أصبع: «كانت الجمعية قد أقامت دعوى أمام مجلس الدولة المصري للمطالبة بتجميد أموال أعوان النظام السابق، لكن بعد مرور عامين من رفع القضية فوجئنا بأن الحكومة الليبية لم تتقدم لمصر بطلب رسمي لتجميد تلك الأموال».
ودعا إلى أهمية التواصل مع سيف الإسلام نجل معمر القذافي؛ لأنه يملك معلومات عن الأموال الليبية التي تم تهريبها إلى الخارج.
وقضت محكمة استئناف طرابلس منتصف الشهر الجاري بتأجيل محاكمة 23 من رموز نظام القذافي، من بينهم نجله سيف الإسلام إلى مطلع الشهر المقبل بتهم عدة منها تهريب الأموال.
وقال مصدر مطلع، رفض نشر اسمه، إن لدى الحكومة الليبية تأكيدات بتهريب أموال في المكسيك، وكندا، وجنوب أفريقيا، وبنما، وإيطاليا، ومصر، وفرنسا، إضافة إلى تونس.
ولم تبدي الحكومة الليبية الموقتة الكثير من الاهتمام بقضية الأموال المهربة، نظرًَا لاهتمامها الرئيسي بالسيطرة على موارد الدولة من الجماعات المسلحة.
وكان البنك المركزي المصري أخطر البنوك العاملة في السوق المصرية بتاريخ 29 سبتمبر 2013 بتجميد حسابات وأرصدة لعدد من أركان النظام السابق في ليبيا وصلت لـ 20 شخصًا، منهم أقرباء من الدرجة الأولى لمعمر القذافي.
وطالب المركزي البنوك، بناء على طلب من قبل مجلس الأمن، بتجميد حسابات مؤسسة ليبيا للاستثمار ومحفظة أفريقيا للاستثمار، مع التأكيد على حظر التصرف في أموال أفراد من عائلة القذافي.
مؤشر الفساد في ليبيا
احتلت ليبيا المرتبة 172 في مؤشر مدركات الفساد في العالم لعام 2013 من بين 176 دولة شملهم التقرير؛ مما يعني أن ليبيا بين الدول العشر الأكثر فسادًا في العالم.
ثروات محتال عليها في الداخل
يكاد لا يفوت شهر إلا ويغلق محتجون حقل للنفط أو أكثر لتنفيذ مطالبهم المتمثلة في زيادة الأجور أو التوظيف، حتى إن الاحتجاجات ذهبت لتؤثر على القرارات السياسية للحكومة الموقتة الليبية، طالما أن قطاع النفط هو المحرك الرئيسي والوحيد للاقتصاد.
تعتمد ليبيا في 96 % من إجمالي الناتج المحلي على النفط. وموازنة 2014، التي لم تقر حتى الآن، تعتمد على إنتاج يصل إلى 800 ألف برميل يوميًّا، بسعر 100 دولار للبرميل.
ووصل إنتاج ليبيا من النفط، وفقًا لآخر إحصائية رسمية، إلى 800 ألف برميل يوميًا، مرتفعًا من 200 ألف برميل يوميًا في يونيو الماضي. وكانت ليبيا تنتج نحو 1.4 مليون برميل يوميًا قبل الاضطرابات.
أوروبا غير مستفيدة من الوضع الليبي الحالي
التوسع في إنتاج ليبيا من النفط يؤدي إلى إنقاذ المصافي الأوروبية التي توقف بعضها بشكل سريع وغير مسبوق منذ عقود في يناير الماضي.
وسيقلّل تزايد إنتاج النفط الليبي من تكاليف توافر الخام إقليميًا، ويعزّز من فرص ازدياد أرباح معامل تكرير البترول الأوروبية.
ومن شأن استمرار تعافي ليبيا، التي تمتلك أكبر احتياطات نفطية في أفريقيا، أن يكبح ازدياد أسعار الخام الوارد من بحر قزوين والجزائر وبحر الشمال.
ويصنف بترول ليبيا تحت ما يسمى النفط «الحلو»؛ نظرًا لقلة كثافته واحتوائه على نسب كبريت أقل من المعتاد.
ويساعد تحسن مستوى إنتاج النفط في ليبيا من تقليل الفجوة بين أسعار عملاقي النفط الأوروبي «برنت»، والأميركي «وست تكساس».
استثمارات خارجية غير محسوبة
نشر موقع «بيزنس ويك» الأميركي تقريرًا بتاريخ 7 أغسطس الماضي يكشف فيه كيف ضاعت الأموال التي استولى عليها القذافي بالخارج، بداية من خلال زيارات توني بلير (رئيس وزراء بريطانيا السابق) المتكررة إلى ليبيا بعد انضمامه لبنك «جي بي مورغان تشيس» 2007 والتي التقى خلالها سيف الإسلام القذافي الذي أشرف على 70 مليار دولار تديرها هيئة الاستثمار الليبية مع مصطفى زرتي نائب رئيس الهيئة.
فوفقًا لشركة مراجعة محاسبية خسر «سوسيتيه جنرال» نصف قيمة استثماراته الليبية بنحو 1.8 مليار دولار، فيما خسرت شركة بيرمال 40% من 300 مليون دولار، وخسر «كريدي سويس» 29% من قيمة الحساب الذي يديره، أما «ملينيوم غلوبال» خسرت 100 مليون دولار.
واختفت 300 مليون دولار من حسابات «ليمن براذرز» بعد انهيارها 2008، أما الخسارة الأكبر فتسبب فيها «غولدن مان ساكس» بنسبة 98% من 1.3 مليار دولار.
وأقر بنك «غولدمان ساكس» 29 سبتمبر الماضي في وثائق قضائية باستخدامه هدايا ورحلات، للاستفادة من الصندوق السيادي الليبي التابع لهيئة الاستثمار، بحسب صحيفة «فاينانشيال تايمز».
ويعد الصندوق السيادي الليبي الذي يبلغ رأسماله 60 مليار دولار ثاني أكبر صندوق في أفريقيا ويحتل المرتبة الـ20 علي مستوى العالم، وفقًا لمعهد صناديق الثروة السيادية، لكنّه ثاني أسوأ صندوق في العالم من حيث الشفافية، وفقًا لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق