أعتقد أن «عبدالناصر» قُتل.. وياسر عرفات مات مسموماً.. وهوجو شافيز لقى المصير نفسه
الغرب وصل إلى «المريخ» ونحن خاصمنا العلم ولا نستطيع حتى التخلص من «الزبالة».. وإذا لم يستجب الحكام سيحرق الشباب «الأخضر واليابس»
الصراع فى ليبيا لم يعد على «السلطة» وإنما على «وطن معرَّض للزوال».. وتدخلات قطر وتركيا والسودان أفشلت «الوفاق الوطنى»
«القذافى» لم يكن مهووساً بالعظمة بل كان فقيهاً وحافظاً للقرآن.. وكيف يُصدر قراراً بقتل الجمال وهو يقدس الناقة والنخلة والزيتونة؟.. وغزونا أفريقيا بـ«المتطوعين» وليس «الأموال»
كيف نصف «قائد الثورة الليبية» بـ«الجنون»؟.. الجنون أن نبقى أحياء فى هذا الوضع البائس
«القذافى» سافر وتجول 35 ألف كيلومتر فى الأدغال من أجل حلم «الولايات المتحدة الأفريقية» وأكملنا معاً رفع راية «ناصر»
«الأطلسى» قتله لأنه كان سيغلق منجم أفريقيا «السائب» فى وجوههم وتصبح للقارة «إرادة حرة»
ليبيا كانت ثامن أغنى اقتصاد على مستوى العالم فتحولت إلى «دولة فاشلة» تسعى للاقتراض وتعيش واقعاً «مخجلاً ومخيفاً»
الغرب كانوا يهرولون إذا وقع حادث سيارة أيام «القذافى».. أين حقوق الإنسان الآن وأهالينا ما زالوا يذبحون فى الشوارع؟
ميليشيات فى 40 دولة جاءت لخلق «الفوضى الخلاقة».. والاستقواء بالأجنبى «خيانة» وليس «ثورة».. ونرفض أى تدخل عسكرى حتى لو كان عربياً
قال القيادى الليبى البارز، منسق العلاقات الليبية - المصرية السابق، أحمد قذاف الدم: إن الليبيين يعضون أصابع الندم اليوم بعد أن ساقوا بلدهم للجحيم، فيما طرح حلولاً للخروج من المأزق الراهن الليبى والعربى والإسلامى. ورفض «قذاف الدم»، بحسم، خيار التدخل الأجنبى فى ليبيا، موضحاً أن هذا الخيار قد يقود لحرب أهلية، فيما طالب بمؤتمر وطنى برعاية دولية، على غرار اتفاق الفرقاء اللبنانيين فى الطائف، ليحل الليبيون أزمتهم بأنفسهم. كما تطرق القيادى الليبى إلى مظاهر التطرف الإسلامى وثورات الربيع العربى والمخاطر التى تحيط بالواقع الراهن، مطالباً المؤسسات السياسية الحاكمة والدينية المهيمنة بتحمل مسئوليتها وإيجاد بديل للشباب العربى فى ظل وسائل العصر الحديث، وفيما يلى نص الحوار..
أجرى الحوار:
■ ما قراءتك للمشهد الليبى بعد التطورات الأخيرة؟ وما الذى يحدث فى ليبيا؟ ومَن وراءه؟
- المشهد فى ليبيا جزء من المشهد فى الأمة العربية، ونحن جزء من هذه الأمة. هذا مخطط لتمزيق الأمة، وهو مخطط معروف وقديم. عندما قصفت صواريخ حلف شمال الأطلسى العراق، كان معروفاً أن المستهدف بعدها سوريا ثم توالت الأحداث. ما يحدث مخطط لتمزيق الأمة وتحويلها لدويلات أو إمارات صغيرة. مخطط قديم معروف منذ الثمانينات، لكن الوسائل تختلف، والظروف تختلف، والأمة زادت انشقاقاً، ووسائل العصر الحديث من التقنية ووسائل الخداع البصرى والحرب النفسية والإعلامية أخذت تتطور بشكل كبير؛ لذلك فما يجرى فى ليبيا هو نفسه ما حدث فى اليمن والعراق، وكاد يحدث فى مصر وتونس والجزائر. للأسف نحن كلنا مستهدفون؛ لأن هذه الأمة لم تتوحد، وأصبحت الأمة الوحيدة التى لم تصل بعدُ إلى أن يكون لها كيان كالأمة الفارسية والألمانية، التى توحدت فى مطلع التسعينات، نحن وكوريا فقط الأمم التى لم تجد لها مكاناً فى هذا العصر، وبالتالى كان البديل لعدم الوحدة هو التشتت، وأن نصبح مجموعة من الغجر، وأمة من المجموعات الصغيرة فى ظل عالم أصبح يعتمد على الكيانات الكبيرة، فما حدث كان شيئاً طبيعياً فى ظل حالة الفراغ فى المنطقة العربية، فكان لا بد أن يملأه الاستعمار بعد فشل الوحدة العربية. الاستعمار يأخذ أشكالاً متعددة، ليس كما حدث مثلاً فى العراق وليبيا غزواً علنياً، واستخدمت وسائل أخرى فى سوريا واليمن وربما مصر فى مرحلة من المراحل.
■ خضت حروباً مع العقيد القذافى وناضلت مع حركات التحرر فى المنطقة من أجل التحرر من الأنظمة الاستبدادية والاستعمارية، هل لديك شعور الآن بأن هذا الحلم انتهى للأبد؟ وما أسباب عدم تحقق الوحدة العربية؟
- ثورة الفاتح من سبتمبر امتداد للثورة العربية بعد مرحلة الاستعمار، وكان من الضرورى الولوج لمرحلة الوحدة العربية، لكن الاستعمار زرع بذور الفرقة والكيانات الصغيرة لمنع الأمة العربية، التى تحمل هوية إسلامية، من التوحد. كانت هذه الأمة فى يوم من الأيام تشكل خطراً على أوروبا. ولم ينسَ الغرب ذلك. وقامت حوالى 10 حروب صليبية ضد منطقتنا، وغزوا أرضنا وغزوناهم؛ لذلك هذا الكيان الكبير إذا توحد فإنه يشكل خطراً وإذا ما انقسم فستكون أوروبا فى أمان. نحن فى ثورة الفاتح امتداد لثورة عبدالناصر والثورات العربية. كان حلمنا «وحدة الأمة».
«قذاف الدم» يتحدث لـ«الوطن»
والوحدة العربية كانت عبارة عن مظلة تقيك من المطر قبل التسعينات وقبل انهيار السوفيت، وعندما بدأ هذا العملاق أوروبا فى الاتحاد أصبح هناك طوفان، وليس مطراً. هذا الطوفان كان يحتاج لسفينة نوح، ولذلك اتجهنا إلى أفريقيا. لدينا وجود هائل فى أفريقيا، وشاركنا فى كل حروب تحرير أفريقيا وحملنا رايات «عبدالناصر» وأكملنا المشوار من جنوب القارة إلى شمالها فى حروب التحرير، ليس كما يقول السذج «أموال»، لكن أرسلنا شبابنا المتطوعين، وأنا أحد الذين تطوعوا. وكنا مقتنعين تماماً أن مستقبلنا فى هذه القارة. ونحن ننتمى إليها، ووجدنا عندما دعا الأخ معمر إلى الاتحاد الأفريقى أنه لم يتردد أحد فى تلبية ندائه. وفعلاً أقمنا الاتحاد، وفى الميثاق كتبنا سعياً لقيام الولايات المتحدة الأفريقية. وفى سبتمبر 2009، أعلنت ليبيا قيام هذا الاتحاد، وبدأنا نعمل على قيام حكومة أفريقية واحدة ووزارة للدفاع، وناضلنا كى ننشئ قوات أفريقية مشتركة بدلاً من التدخلات الأجنبية. عملنا على ترسيخ علاقات قوية مع فرنسا ودعم رئيسها السابق ساركوزى والوقوف معه فى تلك المرحلة كى نحيّد فرنسا، أى كى لا تقف عائقاً أمامنا، حتى إننا قدمنا بعض التنازلات لأوروبا حتى نزيح الصراعات من أمامنا حتى نصل للوحدة، ويأخذ الاتحاد الأفريقى مكانه.
■ هل ترى أنكم نجحتم فى هذا العمل؟
- «القذافى» عمل ليلاً ونهاراً على أن يتم هذا الإنجاز أو هذه السفينة، التى نستطيع أن نحصن أنفسنا فيها؛ لأن العرب فى شمال أفريقيا ليس لهم مستقبل، لا فى المياه، ولا فى الحياة، ولا فى الكرامة والعزة، إلا إذا كانوا ينتمون إلى فضاء كبير؛ لأننا فى مواجهة أوروبا، التى كانت تتقاتل ولا يجمع بينها إلا ماضٍ أسود أصبحت كياناً واحداً ودولة واحدة. وسنكون معرضين للخطر ما لم نتحصن أمام هذا الطوفان. على سبيل المثال كانت لدينا وزارة للرى والأخ معمر أقنع الاتحاد بأن يتولى وزير رى من مصر هذه الوزارة، وهذا كلام موثق؛ لأن مصر هى الدولة الوحيدة التى تستخدم الرى بالأنهار فى أفريقيا وتعتمد عليه بشكل مباشر، أما الدول الأفريقية الأخرى فلديها أمطار صيفية وبشكل مستمر ولا تحتاج منظومة رى. أردنا استغلال خبرة مصر. وفى نفس الوقت هذا الوزير كانت لديه دراسات كبيرة عن أكبر شبكة رى فى العالم وكل أنهار أفريقيا وشبكات أفريقيا ربطناها فى شبكة واحدة والمياه التى كانت تصب فى اتجاه المحيطات وجَّهناها نحو الشمال. وكانت ستزداد حصة مصر ويصبح شمال أفريقيا غنياً بتلك الأنهار وكان حقنا فى المياه مكفولاً على مدى الدهر.
كذلك فى وزارة الطاقة مثلاً، كانت لدينا دراسات لإنشاء أكبر محطات كهرباء على مستوى العالم فى الكونغو وعلى مصبات بعض الأنهار؛ بحيث تصل كهرباء رخيصة لكل الدول الأفريقية. وكان لدينا مشروع جبار أيضاً فى مجال الطاقة، لتكون صحراء مصر وليبيا والجزائر مصدراً للطاقة وكنا سنصدرها لأوروبا لمصلحة الكيان الجديد (أفريقيا).
ولم يكن هناك معنى لهذه الدول الصغيرة أمام سوق ضخمة عملاقة، تضم مليار نسمة. وكنا حينئذ نستطيع أن نحدد أسعار ما نصدره من قمح وكاكاو ومعادن. كان هذا الحلم كبيراً وعملنا عليه كثيراً، ومن ضمن ما قام به «القذافى» هو العمل على الجانب الاجتماعى الأفريقى عبر تعزيز العلاقة مع أفريقيا عن طريق شبكة أخرى لا تقل أهمية عن شبكة المياه، وهى شبكة العلاقات الاجتماعية.
■ وماذا عن هذه الشبكة؟
- تجول القذافى فى أفريقيا وسافر لأكثر من 35 ألف كيلومتر. كنت مشاركاً فى الرحلة وغيرها فى الصحراء، والأدغال بالسيارات وغيرها، وزرنا كل الممالك والدول الأفريقية، كان يجلس معهم وينام معهم. ويحاكى هؤلاء القادة الاجتماعيين الذين منهم ملوك. وقد يبدو للسطحيين أن هذا العمل استعراضى بحثاً عن الزعامة. لكنه كان يقنعهم بالحلم الكبير الولايات المتحدة الأفريقية، التى تقارع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، واستجابوا لندائه وعاش معهم وأصبح هؤلاء الأفارقة يعملون فى تناغم، لذلك نصبوه ملكاً عليهم لأنه عاش معهم وارتدى ملابسهم وكان البعض يسخر من الملابس التى يرتديها القذافى، مدعين أن هذا نوع من الجنون. لكن الجنون هو أن نرضى بأن نبقى فى هذا الوضع البائس وأن نسخر من الآخرين وهم أكثر منا وعياً وعلماً.
قذاف الدم مع السيسى
■ هل تعنى أن هؤلاء الملوك أكثر من العرب معرفة ووعياً؟
- هؤلاء الملوك الذين يسخرون منهم ومن ملابسهم تخرجوا فى جامعة «السوربون» ومثقفون وواعون أكثر من هؤلاء السطحيين، الذين كانوا يتنكرون لما كنا نقوم به، وبعض الممالك كانت تضم أكثر من 11 مليوناً و5 ملايين و7 ملايين يشكلون أتباعاً لهذا الملك أو ذاك.
استطاع «القذافى» إقناع بعض هؤلاء الملوك من الوثنيين وبعض الديانات الأخرى بدخول الإسلام. وكان يذهب كل عام للصلاة فى كل دولة من الدول الأفريقية فى ذكرى المولد النبوى الشريف. وكان يدخل ملايين ومئات الآلاف للإسلام عندما كان يسلم ملك من هؤلاء يسلم أتباعه وهم بالملايين. هذا العمل الجبار استفز الغرب، خصوصاً فرنسا لأنه لم تصبح لهم سيطرة على هذه الدول. وأصبح من يريد اختيار أو ترشيح رئيس، كان عليه أولاً الذهاب لـ«القذافى» ويطلب موافقته بعد سؤاله هل هذا الرئيس يسير فى نفس نهج الوحدة الأفريقية أم هو معادٍ لهذه الوحدة؟ هل يعطونه أصواتهم أم لا؟ هم كانوا من قبل يذهبون لبريطانيا أو فرنسا ليستطلعوا رأيهم. لكن بعد ذلك أصبحوا يذهبون للزعامة فى ليبيا ويذهبون لمدينة سرت يطلبون الموافقة.
■ هل هذا ما دعا حلف الأطلسى إلى ضرب ليبيا؟
- نعم هذه من الأسباب الرئيسية، التى دعت الحلف لقتل «القذافى»، لأن اقتصاد أفريقيا السائب وهذا المنجم كان سيقفل عليهم، وتصبح لأفريقيا إرادة حرة. وبدأت الأحداث تتسارع وتتلاحق فكان لا بد من التخلص من «القذافى» اعتقاداً منهم أن بقتله سيقتلون حلم الأفارقة.
■ وهل توقف هذا الحلم؟
- نعم، تعطل الحلم لكنه سيستمر لأننا كنا نخطط للإعلان عن الحكومة الأفريقية فى 2012 أو 2013. وحددنا الأشخاص وكان الدكتور محمود أبوزيد، هو وزير الرى لهذه الحكومة.
■ هل وصلت للغرب مؤشرات أن الحلم فى طريقه للتحقق قبل ثورات الربيع العربى؟
- طبعاً الغرب كان يراقب بدقة، وكانوا يتابعون. وكان بعض عملائهم فى أفريقيا يحاولون عرقلة المشروع. ويجدون مبررات لهذه العرقلة ويخيفون الأفارقة من القذافى وأنه يريد أن يسيطر على القارة لمصلحة ليبيا. لكن كانت إرادة ثورة الفاتح والوحدة قوية. ولذلك لم يكن هناك مفر من التخلص من هذا المحرك للعمل الجبار فقتلوه.
■ هل اتجه القذافى للوحدة مع أفريقيا بعد أن أصابه اليأس من توحد العرب؟
- هناك شيئان فى هذه المسألة، الأولى أن العرب يعتقدون أن هذه الجيوش تستطيع أن تحميهم من عمالتهم لبعض الدول وتبعيتهم للدول الأخرى، وهى حالة هروب من مواجهة الحقيقة أو قصور فى رؤيتهم. وثانياً، قلت لك إن الوحدة العربية انتهت والعرب قبل ظهور هذه الكيانات العملاقة كان يمكن أن يتحولوا لمظلة، لأن اقتصاد الدول العربية كله اليوم أقل من اقتصاد إيطاليا وحدها، بما فيها دول الخليج وغيرها. وبعد توحد الأوروبيين أصبحت هذه المظلة لا تكفى لأننا أمام طوفان والسفينة التى تحمى هى أفريقيا.
هل كانت لديكم معلومات محددة أو مؤشرات على مؤامرة سيتم تنفيذها فيما سمى بالربيع العربى؟
- قبل ثورة الفاتح من سبتمبر كانت ليبيا عبارة عن مستعمرة لأمريكا وفرنسا وبريطانيا وبقايا الفاشيست وكانوا مهيمنين على الاقتصاد. وعسكرياً وسياسياً كنا دولة تابعة للغرب، وثورة الفاتح طردت كل هذه القواعد وحررت ليبيا. وفى 65 و67 ضُربت مصر من ليبيا لأن أكبر قاعدة لأمريكا فى شمال أفريقيا كانت فى ليبيا. وعدد معسكرات الجيش لهذه الدول كان لا يعد ولا يحصى. «ثورة الفاتح» طردت هؤلاء وحرمتهم من هذا المكان الاستراتيجى وحرمتهم من هذه الإمكانيات، فبقى ثأر بيننا وبينهم. وسمينا هذه القاعدة، وهى قاعدة طبرق، التى كانوا يضربون عبرها مصر، قاعدة جمال عبدالناصر وأصبحت تحت تصرف الجيش المصرى.
وتحولت قاعدة سوسة إلى الكلية الحربية للبحرية المصرية، وأصبحت ليبيا مصدر دعم مصر فى حرب الاستنزاف. وقامت ثورتا ليبيا والسودان، عبر هؤلاء الشباب الوحدويين الذين يحملون نفس الفكر القومى للوحدة. كان هناك مشروع قائم وسلم «القذافى» والرئيس السودانى جعفر النميرى زمام أمرهما للزعيم «عبدالناصر»، هذا المشروع الوحدوى أخاف الاستعمار، واعتبروه خطراً على الكيان الصهيونى، وقد يتوسع فيما بعد ويشكل ثقلاً وقوة هائلة اقتصادية وعسكرية. ولذلك أعتقد أن عبدالناصر قُتل، خصوصاً بعد أن عرفنا هذه الوسائل التى تستخدمها أجهزة المخابرات، فالرئيس ياسر عرفات قُتل بالسم، ورئيس فنزويلا هوجو شافيز لقى نفس المصير. عبدالناصر قُتل شاباً، كان عمره 52 عاماً. لكن كان هناك حماس والعمل يجرى على قدم وساق بين مصر وليبيا والسودان. فهؤلاء الشباب سلموا زمام أمرهم إلى مصر، فكان لا بد من القضاء على هذا الحلم، ومع الزمن سيظهر التاريخ هذه الحقائق لأن حالات الوفاة لم تكن طبيعية
■ تقول أنك تعتقد أن «عبدالناصر وشافيز وعرفات» قُتلوا.. فى ظل ذلك يقف الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مواجهة حقيقية مع الغرب الآن، هل تشعر بالقلق عليه؟
- لا أشعر بالقلق على «السيسى»، لأننى ما رأيته من خروج الشعب المصرى بالملايين رفضاً لهذا الواقع المرير يؤمن الرئيس السيسى، موقف الشعب المصرى والعربى كان واضحاً وجلياً برفض الفكر الظلامى والمتخلف، و«السيسى» كان بطل هذه الثورة الجديدة ورجلاً عسكرياً يستطيع أن يلملم هذا الوطن العربى، الذى تبعثر فى الأمن والاقتصاد والسياسة، ولديه مشروع واضح جداً، ويحاول أن يجيب عن السؤال الذى طرحته منذ البداية وهو طرح بديل لما يقدمه الآخرون لكى نستقطب الشباب العربى الذين يذهبون للقتال فى أفغانستان وفى أقصى الأرض، ظناً أنهم يرضون الله ويدخلون الجنة ويوعدون بالحور العين، ونحن نتحمل مسئوليتنا فى أننا ساهمنا فى هذا الضياع، فلا بد أن نطرح بديلاً للإنقاذ.
■ هل ما يحدث فى ليبيا الآن محاولة لعزلها عن مصر؟
- الغرب استمر فى صراعه مع ليبيا لعزلها عن مصر من ناحية، ولإلهائها عن مشاكل كثيرة، خصوصاً أننا كنا نصارع فى أفريقيا مع فرنسا والبرتغال وإسبانيا حتى الروس واليهود فى أوغندا وإثيوبيا. ليبيا كانت بمثابة قبلة لحركات التحرر العالمية وكانت لديها قضية.
كان العمل الاستراتيجى جباراً على أمة تتربع على باب المندب، وفى جبل طارق، ولديها قناة السويس، حتى الأزمة فى الصومال التى يتكلمون عنها مفتعلة طبعاً، لأن الصومال تمتلك موقعاً استراتيجياً فى باب المندب هى واليمن وجيبوتى، يعنى أنها يمكن أن تخنق إسرائيل، وعندما يكون البلد منهاراً بهذا الشكل ومشغولاً بالصراعات الداخلية، فلن يشكل خطراً فى هذه الحالة ولن يكون له دور إيجابى فى الصراع العربى - الإسرائيلى، أو يفكر فى الوحدة العربية وخلق نهضة. هذا كله استنزاف للأمة.
■ وما الدافع وراء ثورات الربيع العربى؟
- الذى حصل فى الربيع العربى جاء بسبب التخلف الذى يعيش فيه العرب وعدم قيام الحكومات بأى مبادرات تجاه وحدة الأمة ونهضتها، لأنها لا تستطيع. ليس بالإمكان أكثر مما كان. نحن نكذب على أنفسنا لو قلنا إن بإمكان أى دولة النهوض بمفردها مستغنية عن غيرها. هذه الكيانات الصغيرة مصيرها للزوال وليس لها إمكانية الاستمرار فى الحياة. ولن تتحد لأنها ليس لديها هذه الروح الوحدوية، وبالتالى خرجت أجيال تشعر بالغبن. وفى كل القمم العربية تحدثت عن ذلك، وهذا أيضاً موثق، وأقول إذا لم يستجب الحكام للشباب فسوف يخرج هؤلاء الشباب لحرق الأخضر واليابس.
والعالم كان يرصد تلك الإرهاصات ويعرف أن العالم العربى يحتاج لــ100 ثورة وليس ثورة واحدة كى يصبح كبقية خلق الله، هم وصلوا إلى المريخ، ونحن لا نستطيع أن نتخلص من «الزبالة». لا نستطيع أن نبنى فى عصر النهضة. لقد خاصمنا العلم، ولذلك تعثرنا فى أن نحمل العلم «الفريضة الغائبة». مخاصمتنا للعلم لسنين طويلة أدت إلى الحالة الميئوس منها، ودون العلم لن نبنى إسلاماً صحيحاً ولا اقتصاداً سليماً.
قذاف الدم ونظرة ذكريات لصورة الراحل معمر القذافى
الدول الأوروبية التى لها تاريخ أسود وتقاتلت بالأمس أصبح لها كيان واحد، ليس بينهم لغة ولا دين ولا عادات ولا تقاليد، لو جلسوا مع بعضهم البعض يحتاجون لمترجم. نحن أصولنا واحدة، ولغة واحدة، والعروبة أصبحت ثقافة وليس عرقاً. كيف تتحد ألمانيا مع بريطانيا أو ألمانيا مع فرنسا، ونحن جيران، ليبيا والجزائر وتونس ومصر والسودان. هذا يدل على أننا فى غيبوبة. شىء مخيف ومخجل. فى نفس الوقت الآن فى أوروبا تدخل من إسبانيا إلى ليتوانيا بجواز سفر واحد وعملة واحدة وعلم واحد ومصرف واحد وجيش واحد، ونحن بتأشيرة فى أى مطار عربى وتنتظر بالساعات فى طوابير، وتهان وقد لا تدخل ونحن بلد واحد، نشعر بالبؤس والإهانة تتجمع وتتراكم عند الشعب حتى تخلق عند الشباب حالة من الكفر واليأس، الكيانات الصغيرة لا تستطيع أن تحقق هذا الأمل ولا تخلق حلاً اقتصادياً ولا كرامة ولا انتصاراً، ولا معنى لحياتنا إذا كانت ألمانيا لا تستطيع أن تعيش بوحدة مع فرنسا فكيف تعيش الأردن بمفردها مثلاً.
■ ألم تشعروا أنكم تغردون خارج السرب فى هذه القضية فى ظل أنظمة غير ملتفتة للوحدة والتحالف واسُتغل هذا بشكل سياسى وإعلامى لإظهار النظام فى ليبيا كأنه خارج الكون؟
- كانت تُشن علينا حملات وبالأخص ضد «القذافى» وما زالت هذه الحملات للأسف حتى فى أثناء غزو الناتو لليبيا كانت شرسة، وشاركت فيها كل وسائل الإعلام العربية والبرامج والقنوات، وشارك فيها وزير خارجية بريطانيا، الذى خرج يقول إن القذافى هرب إلى فنزويلا. هذا التصريح من وزير دولة كبرى كان متعمداً ليثير روح الانهزام فى ليبيا. وهناك شريط وهو للأسف يعاد فى قناة «العربية» يتحدث عن أن «معمر» كان مهووساً بالعظمة، وضمن ما قيل من أكاذيب أنه أصدر أمراً بقتل كل الجمال فى ليبيا، كيف لهذا الرجل البدوى أن يقتل الجمال وهو يقدس الناقة والنخلة والزيتونة؟ وأصدروا كتاباً فى فرنسا يقول إن «القذافى» خصص ثلاجة للموتى وفى آخر الليل يذهب ليشاهد جثث خصومه. ما هذا السخف؟ وقالوا إنه يذهب للجامعة ليغتصب الفتيات. هذا جزء من الحرب النفسية. هل جامعة بها 50 ألف طالب يأتى رئيس دولة ليفعل ذلك بها؟ إنه شىء مقزز ومخجل حتى بعد استشهاده ما زال يشكل خطراً عليهم لأن شعبيته تزداد فى الشارع إلى اليوم، وفى أفريقيا يُعامل باحترام كبير، وما زال الناس يحتفلون بذكرى ثورته ويرددون كلماته.
القذافى كتب قصة «المسحراتى ظهراً» وكان يسخر من الواقع العربى، ويقول المسحراتى يصحى الناس وهم نائمون فى الليل لكننا نائمون بالنهار، فضوء الشمس يكشف كل الواقع العربى البائس ولكن الحلول أمامنا لكننا لم نقم بحلول لهذه المشاكل، ولذلك نهايتنا بائسة كأمة. وقد ننتهى للأسف كأمة من الغجر مقسمة، والغجر كانت أمة عظيمة لكنها فرطت فى وحدتها ومستقبلها فانتهت. ملوك الطوائف فى إسبانيا كان واقعهم مثلنا تماماً، كانوا يتقاتلون مع بعضهم ويتحالفون مع الفرنجة لمساندتهم فى حربهم ضد بعضهم البعض، فطُردنا من هناك وجئنا لشمال أفريقيا، ليس غريباً أن يحدث هذا الأمر مجدداً.
■ فى أواخر عام 2010 أفرج «القذافى» عن غالبية أعضاء الجماعة الإسلامية المقاتلة مع أنه كان يعرف ولاءهم لتنظيم القاعدة فى هذا الوقت، وهم الذين خرجوا بعد ذلك ليشكلوا الميليشيات التى خاضت الحرب ضده، لماذا أفرج «القذافى» عنهم؟ وهل مورست عليكم ضغوط للإفراج عنهم؟
- «القذافى» كان يعرف، هؤلاء الذين جاءوا من أفغانستان لديهم فكر وهم شباب من شباب الأمة ذهبوا لأفغانستان بالنيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية لمقاتلة الشيوعيين، وهم صادقون يظنون أن هذا القتال ضد كفار، وقاموا بواجبهم بشجاعة نادرة وتدربوا فى المعسكرات الأمريكية، وكانوا يتلقون دعماً علنياً من الحكومات العربية. «القذافى» كان يعتبر هؤلاء ضحايا ولم يعاملهم كخصوم أو كأعداء، ويرى أنه لا يجب أن نقسو عليهم، وضرورة أن تجرى لهم مراجعات. وفعلاً جاءت مجموعة من العلماء وشاركوا فى هذه المراجعات داخل السجون، وأقسموا على القرآن ألا يحملوا السلاح وأفرج عنهم. لكنهم للأسف كانوا أول من حمل السلاح، الذين تركوا القدس خلف ظهورهم وبدأوا فى القتال فى أفغانستان، الآن يجاهدون فى سوريا، ولا يفكرون فى فلسطين والقدس أو قتال اليهود والعدو الحقيقى، ووضعوا الحرب فى غير مكان الحرب. ويكفرون المجتمع ويعتبرون أنهم على حق وأن الآخرين على باطل، رغم أن الإسلام الحقيقى لا ينص على هذا ولا القرآن جاء بذلك. نحن من جاء بالدين إلى شمال أفريقيا، نحن أهل الإسلام الحقيقى دين محمد، الذى قال ربه فى القرآن {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ}، هذا مع الكفار فما بالك بالمسلمين؟ لكن حرام أن تكفر المجتمع، وأن تلقى بهذه الأباطيل، وأن تقطع رؤوس المسلمين، الإسلام حرم قطع رؤوس المسلمين، الإسلام حرم إهدار دم المسلم وغير المسلم، وحتى الأسير غير المسلم لا يقتل فى الإسلام، هؤلاء يقتلون المسلمين ويقطعون رؤوسهم ويلعبون بها الكرة، هذا لا يقبل به الإسلام.
■ تتمدد الميليشيات فى ليبيا الآن، وسيطرت على بنغازى وفى طريقها لطرابلس، وتنتشر الآن على الحدود المصرية الليبية، ما سر تمدد تلك الميليشيات؟ وهل لها حاضنة شعبية فى ليبيا؟
- معمر القذافى هو الذى أغلق خمارات ونوادى العراة فى ليبيا، بلدنا بها مليون شخص حافظ للقرآن، ونحن 6 ملايين شخص. معمر القذافى هو من أسس الجمعية الإسلامية العالمية، أكبر مؤسسة إسلامية بالعالم، هو الذى نشر الإسلام بالملايين فى أفريقيا. «القذافى» حافظ للقرآن وفقيه، لا أعتقد أن ليبيا كان فيها مناخ يسمح بالمزايدة فى هذا المجال، وكلنا على مذهب واحد ليس هناك تربة خصبة لنشأة مثل هذه المجموعات.
عدد الإخوان المسلمين حتى 11 فبراير كان أقل من 350 فرداً، الجماعات المتطرفة فى ليبيا لم يكونوا يشكلون خطراً، كانوا بضع مئات، إنما الآن الموجودون فى ليبيا هم الأجانب الذين جاءت بهم الطائرات من الغرب ومن الدول المتحالفة معها. هم أجانب يدعون أنهم مسلمون، لكن سلوكياتهم ليست سلوكيات مسلمين.
هذه الآلاف المؤلفة التى تعيث فى الأرض فساداً الآن تقاتل الليبيين، أما الليبيون سواء كانوا أنصار شريعة أو جماعة إسلامية مقاتلة، فهؤلاء أهلنا وليس لدينا معهم أى خلاف، فحتى إن اجتهدوا فليس لنا مشكلة معهم.
■ الأخبار الواردة من ليبيا كلها تخبر بانتصارات هذه الميليشيات على اللواء خليفة حفتر، ما رأيك فى عملية الكرامة؟ وهل للواء حفتر حاضنة شعبية هناك؟ وما مستقبل العمليات القتالية التى تحدث هناك؟
- 40 دولة غازية جاءت إلى ليبيا خلقت ما يسمى «الفوضى الخلاقة» التى وعدت بها كونداليزا رايس، والغرب يريد أن يوطن الإرهاب لدينا، وجاءوا بهؤلاء ليستوطنوا منطقتنا وليصبح الدمار لدينا وليس فى أمريكا وأوروبا، ويستخدمون «الجزيرة» التى تسوق غشاً وخداعاً إعلامياً، وساهمت بعض الوسائل الإعلامية فى الحرب النفسية على الليبيين، وروجوا أن «القذافى» يقصف مواطنيه بالطائرات إلى غير ذلك من الأكاذيب والأباطيل، الآن سقط القناع وانكشفت الصورة أمام الشعب الليبى، والليبيون الآن يعضون أصابع الندم لأنهم ساقوا بلدهم إلى هذا الجحيم.
■ هل تقول إن الشعب ثار بالفعل ضد «القذافى» لكنه الآن يشعر بالندم؟
- هناك فرق، ما يجرى فى ليبيا اليوم ليس ثورة، فالثورة لا يمكن أن تستقوى بالأجنبى، منذ متى كان هذا الغرب حريصاً على ليبيا وعلى حقوق الإنسان؟ الغرب جاء ليسحق القوات المسلحة الليبية بـ30 ألف غارة و4 أساطيل، أين هذا الحماس الآن؟! الليبيون ما زالوا يُذبحون فى الشوارع، والبلد مدمر، أين حماية المدنيين؟ وأين حقوق الإنسان؟ وأين الحرية؟ سحبوا كل سفاراتهم وخرجوا من ليبيا وتركوا الليبيين يتقاتلون. فى عهد «القذافى» عندما كان يحدث حادث سيارة كان هذا الغرب يأتى من أجل حقوق الإنسان. قتلوا «القذافى» وانسحبت هذه الأساطيل وتركوا الليبيين يتقاتلون. إذا كان الليبيون لا يريدون «معمر»، وإذا كانت ثورة حقيقية، أكان الليبيون يحتاجون لقوات «الناتو»؟ من حق الليبيين أن يقوموا بالثورة، وأن يسقطوا نظام معمر القذافى وهذا حق، لكن الاستقواء بالأجنبى ليس ثورة بل خيانة، عندما أقول هذا الكلام لا يعنى أن كل الليبيين متفقون مع معمر القذافى أو «القذافى» ليس عنده أخطاء.
■ إذن لماذا ثار الليبيون على «القذافى»؟
- ظهر جيل آخر ليس لديه نفس الحلم الذى نحلم به، ظهر جيل آخر أحلامه مختلفة ورؤاه مختلفة، وتعلم فى الغرب، هذا صحيح، أما الذين جاءوا بالناتو وكبروا تحت راية الصليبيين، ويدعون الانتصار، هذا غير صحيح، العراق سقط فى شهر ونصف أو أقل مع حلف الناتو، ويوغسلافيا سقطت فى 3 أسابيع، لكن ليبيا 8 أشهر، قاوم الليبيون ببسالة نادرة هذا الحلف، وسيقف التاريخ طويلاً ليكتب عن هذه الملاحم البطولية، قادة من الرجال والنساء، صبوا كل نيرانهم و30 ألف غارة، كانوا فى سماء ليبيا وصواريخ الاحتياطى لحلف الأطلسى نفدت! أكبر حملة عسكرية حدثت بعد الحرب العالمية الثانية كانت على ليبيا، كانت المفترض أن توجه لروسيا والصين، هل هذه ثورة؟!
أنتم تحاكمون «مرسى» على أنه اتصل بـ«حماس» واعتبرتموه تخابراً وخيانة وطنية، فكيف لهؤلاء الذين يكتبون مذكراتهم ويتفاخرون على الشاشات بأنهم جاءوا بغطاء نار، وجاءوا بأمريكا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وكندا وأستراليا وخامسهم قطر ويكتبون لهم البيانات؟!
■ ما مستقبل ليبيا من خلال قراءتك للواقع؟ وما مفاتيح الحل الآن؟
- الشعب الليبى تربى فى ثورة الفاتح، معظم هذا الجيل لا يمكن أن يقبل ببيع وطنه، وأن يسمح بتقسيم ليبيا، أو وقوعها أسيرة فى يد المخابرات الأجنبية، والآن حصحص الحق، وسقط القناع ولم يعد هناك صراع بين الليبيين على السلطة عندما وجدوا الوطن يغرق، الصراع فى ليبيا لم يعد على السلطة، وإنما على وطن معرض للزوال. هذا الوعى الليبى جعل الليبيين يضعون أيديهم فى يد بعض، لأن المعركة الآن هى معركة وطن وتنادوا لنجدة الوطن. القبائل ورجال فى القوات المسلحة وحتى بعض القوى السلفية رأت أن الوطن يضيع والمعركة ليست على السلطة، وبالتالى هذه السفينة التى نركبها جميعاً ستغرق وبعد ذلك نذهب للصراع على السلطة، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون!
■ هل هناك أطراف عربية ساهمت فى الصراع الحالى الآن فى ليبيا؟
- للأسف تدخلات قطر وتركيا والسودان كانت تؤجل هذا الوفاق الوطنى، وتسابق الزمن لمنع قيام هذا الحوار والوصول للحلول. البرلمان الأخير لم يشارك فيه أنصار معمر القذافى، هناك مليونا مهاجر فى الخارج، ثلث السكان مهجَّر، هل هناك ثورة تهجر ثلث السكان؟! لدينا 23 ألف سجين فى ليبيا بعد دخول الناتو، منهم 3 آلاف امرأة وطفل. كل المؤشرات تؤكد أن دولة الباطل ساعة يبقى منها مجموعة دقائق، الليبيون عقدوا العزم أن يخرجوا من هذا الوضع البائس.
القذافى بين الرئيس الراحل عبدالناصر والرئيس الراحل السادات
نحن ندعو إخواننا العرب والأمم المتحدة لحقن دماء الليبيين أو تضيع ليبيا كما ضاعت الصومال، ندعو إلى مؤتمر على غرار مؤتمر الطائف يلتقى فيه كل الفرقاء بصرف النظر عن راياتهم وتوجهاتهم السياسية تحت رعاية دولية، نناقش فيه مصير الوطن علَمه ونشيده ونوع الحكم والنظام كيف يكون بحرية وحيادية كاملة، ونلتزم جميعاً أمام العالم وأمام جامعة الدول العربية بهذا الاتفاق. البعض قد يقول كيف تتكلمون أنتم حول هذا الموضوع، أنتم نظام سابق؟! الحقيقة لسنا حزباً فقط أو نظاماً سقط، ثورة الفاتح ثورة جماهير، نحن تحالفات قبلية مستمرة، كانت قبل معمر القذافى وبعده، هذا وطننا، دفعنا مهره دماء، سالت دماؤنا منذ عهد الطليان و8 أشهر مع حلف الأطلسى الصليبى، لا يمكن أن نفرط فى وطننا. هذا الوطن للجميع؛ من أُجرم فى حقه ومن سُرق ونُهب يحول على محاكمة عاجلة. ما حدث فى 3 سنوات يفوق ما حدث فى 40 سنة، وهذا بشهادة الجميع.
ليبيا كانت ثامن أغنى اقتصاد على مستوى العالم، أُهدرت المليارات، وأصبحت دولة فاشلة، الآن يسعون للاقتراض، هذه كلها أجراس دقت أمام الشعب الليبى، ورآها رأى العين. يجب أن ننحنى جميعاً أمام ليبيا، لا نفرض على الليبيين نظاماً سياسياً، ولا ندافع عن نظام ولا نريد أن نعيد صياغة نظام، هذا الأمر متروك للشعب يختار ما يريده بحرية وتحت إشراف دولى. هذا هو التحدى وعلى الجميع قبوله، وغير ذلك سننساق إلى القتال جميعاً، وسنجد أنفسنا كحيتان البحر نقتل بعضنا دون هدف ولا معنى.
■ فى ظل حالة الصراع السياسى وعدم استقرار الحكومات والبرلمان وتقاتل من الميليشيات، كيف يستطيع أن يصمد الشعب الليبى، خاصة أن ملامح ومكونات الدولة تتآكل؟
- النسيج الاجتماعى قوى، والنظام السياسى الذى كان قائماً هو نظام الشورى، نظام المؤتمرات الشعبية، فكل مدينة مسئولة عن نفسها، والآن هذه الدولة ما بُنى على باطل فهو باطل، وهؤلاء شرعيتهم صواريخ الأطلسى، وليس لديهم أى شريعة، ومع ذلك لم ينجحوا فى شىء. هذه المدن التى تقاد عن طريق المؤتمرات الشعبية وإن اختلفت الأسماء تسير الأمور بشكل ذاتى حتى هذه الساعة، هناك مجلس محلى يقوم بعمله، وفى المدن كانت طرابلس لوقت قصير خارج دائرة الصراع، الآن بدأ القتال فى طرابلس لإسقاط العاصمة، لأنهم لم يتحصلوا على غالبية فى البرلمان كى يحكموا ليبيا، فاتجهوا إلى قوة السلاح، والسلاح سيصدأ.
■ وماذا عن اللواء حفتر؟
- لنقل المؤسسة العسكرية، تلك المؤسسة التى دمرها «الناتو» بعد أن بدأوا يطاردونهم ويقتلونهم، قُتل أكثر من 600 عسكرى ليبى من الضباط، حتى المتقاعدين الذين فى بيوتهم، فأرادوا الدفاع عن أنفسهم أولاً، ثم يعيدون الاعتبار للمؤسسة العسكرية، ويدافعون عن وطنهم الذى بدأ يتمزق وينهار، فلا شك أن هناك مدداً عسكرياً قوياً من كل الليبيين يعيد القوات المسلحة إلى وضعها الطبيعى. وهذا البرلمان أخذ قراراً جريئاً بدعم القوات المسلحة، وهذا شىء إيجابى والعالم اعترف بهذا البرلمان.
■ هل أنت مع تشكيل قوة عربية للتدخل فى ليبيا، خصوصاً أن هناك فصائل ترفض فكرة التفاوض لبناء دولة مدنية ديمقراطية، مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية؟
- أنا لست مع أى تدخل أجنبى أو عربى، لأن ذلك قد يسوقنا إلى وضع آخر، قد يفرض على الليبيين أو طائفة منهم وضع معين. نحن نطرح خيار الحرب الأهلية اللبنانية. فى مؤتمر الطائف جلس اللبنانيون تحت إشراف دولى يتحاورون معاً ويتفقون وفقاً لقواعد. والحوار ليس بالضرورة اعتراف طرف بطرف، لكن الحوار يعنى استبعاد السلاح، وسنصل إلى قواسم مشتركة، هذه المجموعات التى لا تعترف بهذا النوع مع الديمقراطية على سبيل المثال نحن أيضاً لسنا مع الديمقراطية الغربية ومع الحكم بالشريعة الإسلامية، والقرآن هو شريعة المجتمع، كل ما يخالف القرآن والسنة لا تجده فى قوانيننا أيام حكم معمر القذافى، ليس هناك تناقض بين أن نكون مسلمين أو نحكم بشرع الله، أما التفسيرات التى يسوقونها الآن فليست من الشريعة فى شىء.
■ «داعش» الآن يتمدد فى العراق والشام، ويحاول أن يحصل على بيعات هنا وهناك، ويركز على منطقة الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا، ماذا لو استطاع الحصول على بيعات من تنظيمات ليبية ومالية وغيرها من الدول الأفريقية؟ هل سيشكل خطورة على الأمن القومى؟
- الوضع العربى لم يعد مقبولاً، أين الأزهر؟ وأين شيوخ الإسلام من كل هذا الآن؟ هل ما يقوله الإخوة فى «داعش» وغير «داعش» هو الإسلام؟ لماذا لا نسمع صوت الأزهر و«الزيتونة» ويردون على هذا الدعاوى؟! أنا لست مع هؤلاء لأنهم لا يملكون فقهاً دينياً، هم قرأوا كتباً وأرادوا أن يطبقوها للخروج من حالة البؤس والتشرذم، طرحوا بديلاً، أين البديل الذى تطرحه حكومتنا الآن؟ أو ما البديل الذى نطرحه نحن؟ فشلت حكومتنا أن تأتى بالحلول لكرامة الأمة وكبريائها ونهضتها، إذن هؤلاء الشباب أيضاً أرى أنهم يائسون باحثون عن حلم إعادة الماضى وأمجاده والخلافة، ويريدون أن يكون لهم مكان، ولذلك هم الآن مهووسون من ملابسهم، وبعضهم يحمل إلى الآن السيوف، ولو درسنا ذلك فى علم النفس لاكتشفنا أننا نريد جواباً يا أمة، الآن نريد جواباً.
■ الذى حصل فى مصر خلال المرحلة الأخيرة بعد 30/6 وعودة الشعب المصرى إلى مسار مختلف عن 25 يناير، هل فتح أملاً جديداً؟ وهل الاستراتيجية الأمريكية وحلفاؤها مثل قطر وتركيا تغيروا بعد هذا التاريخ؛ للاعتماد على الإسلاميين المتطرفين بشكل أكبر؟
- قال لى بعض أعضاء الكونجرس، جاءوا لى هنا فى بداية الأحداث: إن استراتيجية الغرب عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية حددت 3 مخاطر؛ الشيوعية والإسلام والكنفوشيوسية. خلصوا على الأحمر وجاءوا على الأخضر. الذى يجرى فى أفغانستان والعراق وباكستان استهداف للدول الإسلامية وصولاً إلى أفريقيا، هم لا يخفون ذلك ودرسه بعض الضباط فى بعض الدول الأوروبية. أنا لا أذيع سراً، ومن حق الغرب أن يرى أن هذه الأمة ناهضة ولديها إمكانيات وقد تشكل عليها خطراً فى المستقبل، ومن حق الأمم أن تدافع عن نفسها. لكن نحن لن نفكر فى الدفاع عن أنفسنا، ولم تخلق بدائل ولا استراتيجية ندافع بها عن أنفسنا، لأننا لم نقبل هذا التحدى ووضعنا رؤوسنا فى الرمال، أعضاء الكونجرس الأمريكى قالوا لى سنضرب الإسلام المتطرف بالإسلام المعتدل، قبل دخولى السجن، قلت لهم: إن سقوط أيديولوجية يختلف عن سقوط عقيدة، الإسلام عقيدة غير الشيوعية، الأخيرة يمكن أن تسقطها بهذه الأساليب، لكن العقيدة لا يمكن أن تسقطها، لأنه ينشر التطرف فى كل مكان، وبالفعل هذا ما حدث فى مصر عندما حكم الإخوان المسلمون مصر، كان الصوت الأعلى هو صوت المتطرفين. وهذا الوضع اليائس لا يحل المشاكل، لن يجدى نفعاً، يمكن تدمر وتنتحر لكنك لا تبنى. كلنا ضحايا، وكل هؤلاء الشباب ضحايا أساليب التعليم ومدارسنا، وأزهرنا تركنا، وهذا كله خلق جيلاً تائهاً وحالة من الضياع، تيه استمر لسنوات طويلة وعلينا أن نشخص الحالة بشكل حقيقى، والحلول ليس بالتدخل الأجنبى، ولا بالصراع الإقصائى. علينا أن نقابل الحجة بالحجة، وأن نطرح بديلاً للناس، ماذا سنقدم لهم؟ ولن يكون أى من الدول العربية والإسلامية فى منأى، ما يحدث فى باكستان الآن لا أستبعد أن يكون جزءاً مما يجرى فى منطقتنا وهو تمهيد لعمل آخر داخل باكستان وفوضى تدخل فيها باكستان، وإلا فما الفرق بين نواز شريف وبين الآخرين؟ وهم قتلوا «بوتو» عندما فكر أن يصنع قنبلة نووية إسلامية، وهذه تمت بالتعاون مع ليبيا، وهذا ليس سراً الآن وليبيا كانت داعماً كبيراً لهذا العمل الاستراتيجى، لأننا كنا بحاجة لسلاح ردع كبقية الأمم، نحن مجموعة من المغفلين نساق للأسف نحو الذبح.
■ كنت على علم بالتفاصيل الخاصة بالتعاون بين ليبيا وإسلام آباد فى القنبلة النووية؟
- هو ليس سراً الآن، لكننى لست ملماً بالتفاصيل، فقد قتل «بوتو» لأنه كان يخطط لتملك قنبلة إسلامية، وليس من حق المسلمين تملك هذه القنبلة ولهذا قتلوه.
■ ما رأيك فيما طرحته الولايات المتحدة الأمريكية بشأن التدخل المصرى فى ليبيا؟
- هناك خداع كبير فى وسائل الإعلام، ونحن يجب ألا تكون لدينا ردود فعل على ما يثار فى وسائل الإعلام دون أن نعرف من يقف وراءها وماذا يقصد بها. يجب علينا القيام بواجبنا تجاه شعبنا، أنا أشعر بالخجل عندما أرى شعارات الثورات العربية تتحدث عن الخبز والبطاطس، هذا شىء مخجل! لا يمكن لأمة عظيمة أن يكون ثقافتها عيش وخبز وبطاطس، لا كرامة لهذه الأمة إلا فى إزالة الحدود التى وضعها الاستعمار بيننا، لا كرامة ولا معنى لها ما لم يندمج هذا الكيان العربى فى أمة واحدة.
■ متى تعود إلى ليبيا؟
- عندما نعجز، عندما ينادى الوطن علينا أن نتحمل مسئوليتنا، أنا عندما أتحدث عن حرب التحرير فى الماضى أو أفريقيا ومساهمتى فى ثورة الفاتح، لم يكن كلاماً ولم أكن أدعى شيئاً، والآن بلادنا إذا ما نادت نحن جنودها، ونحن أصبحنا سياسيين ونتكلم عن الحلول، لأنه فى النهاية علينا أن نستثمر ما نملكه من علاقات أو فهم أو وعى أو تجربة، علينا أن ننقذ بلادنا من الذى هى فيه الآن، ومن الموقع الذى يناسب هذه المهمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق