احتفالات قلقة وحزينة بمرور ثلاث سنوات على الثورة وسط تهديدات بإعادة «دولة القذافي»
ليبيا المستقبل_الشرق الأوسط: في ذكرى الاحتفال بمرور ثلاث سنوات على الانتفاضة الشعبية ضد نظام حكم العقيد معمر القذافي عام 2011. والتي دعمها حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، بدت السلطات الليبية التي تعاني انفلاتا أمنيا وعسكريا وسياسيا مزمنا على وشك الإعلان عن إجراء انتخابات برلمانية مبكرة بالتزامن مع تعيين رئيس جديد للحكومة الانتقالية بدلا من علي زيدان، الذي بات واضحا أن غالبية أعضاء المؤتمر يرفضون بقائه في منصبه. ومرت أمس الذكرى الثالثة لاندلاع الثورة التي أطاحت بنظام القذافي في أجواء من الريبة والقلق وسط أزمة سياسية عميقة واستمرار انعدام الأمن. وبينما أشار وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ إلى التزام بلاده بدعم ليبيا لتخطي إرث أربعة عقود من «سوء الحكم»، هدد تجمع قبائل الصحراء بإعادة دولة القذافي إلى السلطة مجددا، وقال في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»: «سنعيدها إلى سيرتها الأولى. سوف تنعقد المؤتمرات الشعبية في كل مكان، وستقرر ما تشاء». واختتم البيان، الذي جاء بعنوان «ارحلوا عن ليبيا» بعبارة القذافي الشهيرة قبل مقتله وسقوط نظام حكمه في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011: «لقد دقت ساعة العمل».
ولم يعلن عن أي برنامج رسمي للذكرى الثالثة لاندلاع الثورة الشعبية، لكن نظمت عدة احتفالات عفوية في عدة مدن لا سيما بنغازي (شرق) حيث انطلقت المظاهرات الأولى ضد النظام قبل أن تتحول إلى حركة منظمة. وفي العاصمة طرابلس، دشن مجلسها المحلي احتفالات في ساحة الشهداء في قلب المدينة حيث أقيمت منصات زينت بأعلام الاستقلال، فيما أعاد متطوعون طلاء الأرصفة ووضعت مصابيح ملونة في كبرى الشوارع. لكن الكثير من الليبيين عبروا عن شعورهم بالحزن، فيما تسود الفوضى في ليبيا التي تتخبط في أزمة سياسية غير مسبوقة.
وفى بارقة أمل، أعلن المؤتمر الوطني العام (البرلمان) عقب جلسة عقدها مساء أول من أمس عن توصل أعضائه إلى توافق بين الكتل والأعضاء المستقلين على إجراء انتخابات مبكرة، على أن يُسلم قانون الانتخابات إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في مدة أقصاها شهر مارس (آذار) المقبل. كما وافق 150 عضوا من أعضاء المؤتمر على إجراء تعديل دستوري يضمن تمثيل المكونات الثقافية في الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور. ويعني هذا، كما أعلن نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني، التوافق على تعديل دستوري يتعلق بحقوق المكونات اللغوية والثقافية من الأمازيغ والتبو والطوارق، ويمكن الأمازيغ من الانضمام إلى لجنة الـ60 بالمقعدين المخصصين لهم. وقال أبو سهمين إن المؤتمر، الذي يعد أعلى هيئة سياسية ودستورية في البلاد، سيدعو للانتخابات «في أسرع وقت» في محاولة على ما يبدو لتهدئة المواطنين الليبيين الغاضبين من حالة الفوضى السياسية التي تعيشها البلاد بعد نحو ثلاث سنوات من سقوط القذافي. كما دعا أبو سهمين في كلمة ألقاها مساء أمس مواطنيه إلى تناسي الخلافات والتسامح، وأن يمسحوا بأيدي المحبة ما خلفته أيدي التفريق والتمزيق. وأكد قبل أن يصل مساء أمس بشكل مفاجئ إلى قاعدة في مدينة سبها، أن «الثورة ستمضي وستشق طريقها بين المصاعب والمتاعب».
من جهته، أكد زيدان أن «هذه الثورة حققت الدولة. ورغم أن الدولة تداعت وانهارت، استطاع الليبيون أن يحافظوا على ما بقي من مؤسساتها وأطلالها». وأضاف في كلمة متلفزة أن عملية الانتخابات (التي جرت في يوليو (تموز) عام 2012) في حد ذاتها إنجاز، حيث لم يعرف الليبيون على مدار 47 سنة (من حكم القذافي) «صندوق الاقتراع». ويسيطر الجمود على عمل المؤتمر الوطني (البرلمان) بسبب المواجهة بين الإسلاميين والقوميين مما يزيد الشعور بالفوضى، في الوقت الذي يحاول فيه الجيش الليبي الذي أنشئ حديثا إثبات وجوده في مواجهة جماعات المعارضة السابقة وجماعات قبلية وإسلاميين متشددين. ويرى كثير من المواطنين الليبيين أن الصراعات الداخلية في المؤتمر الوطني هي المسؤولة في الأساس عن الفشل في إحراز تقدم في عملية الانتقال الديمقراطي بعد الإطاحة بالقذافي عام 2011.
وزاد التوتر بشأن دور المؤتمر الوطني بعد انتهاء ولايته الأولى في السابع من الشهر الجاري، ووافق النواب على مد ولايته لإتاحة الوقت للجنة خاصة لوضع مسودة دستور جديد لكن هذه الخطوة أثارت احتجاجات. وتجري حاليا مشاورات غير معلنة بين مختلف الفرقاء السياسيين في محاولة للاتفاق على تسمية مرشح جديد لخلافة زيدان. وقال أعضاء في المؤتمر لـ«الشرق الأوسط» بأن ثمة مخاوف حقيقية من غياب الاتفاق بسبب تصاعد هوة الخلافات وما وصفوه بحدة الانقسام على خليفة زيدان المرتقب. ومن المقرر أن يدلي الليبيون بأصواتهم في 20 فبراير (شباط) الحالي لانتخاب اللجنة التي ستضع مسودة الدستور. وسيكون أمامها 120 يوما لاستكمال مهمتها ولم يتضح على الفور ما إذا كانت الانتخابات المنتظرة ستجرى بعد هذه الفترة. وإذا تمت الموافقة على الدستور الجديد فإنه سيكون نقطة مضيئة نادرة في عملية التحول السياسي التي شابتها حالة العنف وعدم الاستقرار. والمؤتمر الوطني العام منقسم بشكل كبير بين حزب تحالف القوى الوطنية والإسلاميين في حزب العدالة والبناء المرتبط بالإخوان المسلمين وحركة الوفاء. وتراجع إنتاج النفط - مصدر الدخل الرئيسي لليبيا - إلى حد كبير حيث سيطر محتجون مسلحون ورجال قبائل على موانئ وحقول النفط في أنحاء البلاد للضغط من أجل مطالب سياسية ومالية.
في غضون ذلك، أعربت حكومة زيدان في بيان منفصل عن تقديرها للكلمة التي وجهها جون كيري وزير الخارجية الأميركي للشعب الليبي لتهنئته بالذكرى الثالثة لانطلاق ثورة 17 فبراير، والتي جدد فيها موقف بلاده الداعم للشعب الليبي في مسيرته نحو الديمقراطية وبناء دولة القانون والمؤسسات. وعدت هذا امتدادا لموقف الولايات المتحدة الشجاع بانحيازها لخيارات الشعب الليبي إبان ثورته كما عبرت عن عمق العلاقات الليبية الأميركية والتي تؤكد الحكومة الليبية حرصها الشديد على تعميقها وتطويرها وبما يعود بالنفع على الشعبين الصديقين. كما أكد وزير الخارجية البريطانية ويليام هيغ في بيان صحافي حرص بلاده والتزامها بدعم ليبيا للتغلب على إرث أربعة عقود من حكم القذافي وتأثيره على البلدين، لافتا إلى أن ليبيا حققت تقدما منذ 2011 ولكن لا تزال تواجه تحديات كبيرة وهناك حاجة ملحة للعمل لتحقيق تطلعات الثورة ووضع دستور جديد يكرس حقوق الإنسان لكل الليبيين.
ودعا المؤسسات الليبية إلى التمسك بالمبادئ التي قامت من أجلها الثورة وفي مقدمتها حرية التعبير وحرية التجمع ونظام سياسي ديمقراطي. من جهته، أكد طارق متري الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، التزام بعثة الأمم المتحدة بمواصلة العمل مع الليبيين كافة في السعي لتحقيق أهدافهم الوطنية الكبيرة، وللاستجابة لتطلعاتهم إلى بناء دولة القانون والمساواة والحريات، وضمان الأمن والاستقرار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق