ليبيا المستقبل - وكالات: قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن مليشيات من مصراتة قامت بإطلاق النار من بنادق هجومية وآلية وأسلحة ثقيلة على متظاهرين سلميين إجمالاً في طرابلس يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني، فقتلت العديد من الأشخاص، وأدت الاشتباكات اللاحقة بين الجماعات المسلحة والمليشيات إلى قتل 43 شخصاً وجرح ما لا يقل عن 460. أما قوات الأمن الحكومية التي شهدت بداية المظاهرة فقد أخفقت على ما يبدو في حماية المتظاهرين أو اعتقال المليشيات ونزع سلاحها.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على الحكومة الليبية الوفاء الفوري بوعدها المتمثل في نزع سلاح المليشيات والتحقيق في الأحداث، ومحاسبة أفراد المليشيات وقادتها على الاعتداء. كما يجب على الحكومة أن توضح لماذا أخفقت الشرطة والجيش في التدخل مع تواصل عمليات القتل.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “لقد دفع المواطنون الليبيون من أرواحهم ثمن التصرفات الطائشة لمليشيات غير خاضعة للمساءلة. إن ليبيا بحاجة إلى قوات أمن لا تقف وتتفرج بينما تقوم المليشيات بقتل المتظاهرين العُزّل”.
دعا مجلس طرابلس المحلي، المسؤول عن إدارة العاصمة، إلى مظاهرة سلمية يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، لحشد المواطنين للتظاهر ضد وجود الجماعات المسلحة غير القانونية في طرابلس. وبحسب منظمي المظاهرة، تحرك آلاف الأشخاص في مسيرة سلمية من ميدان القدس صوب حي غرغور، حيث كانت مليشيات من مصراتة قد احتلت بعض المنازل المملوكة لمسؤولين سابقين من عهد القذافي. وكثيراً ما يعمل أفراد تلك المليشيات تحت غطاء قوات الشرطة أو الجيش.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع ثمانية شهود عيان، بينهم متظاهرون وصحفيون ومارة، كانوا متواجدين بموقع المظاهرة. كما زارت هيومن رايتس ووتش مستشفيين في طرابلس في ليلة 15 نوفمبر/تشرين الثاني، وتحدثت مع أفراد من الطواقم الطبية ومع ضحايا وأقارب لضحايا. قال الشهود الثمانية جميعاً لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لم يروا أسلحة في أيدي المتظاهرين في بداية المظاهرة. وقالوا إن مليشيات مصراتة المستقرة في المنطقة بدأت تطلق النار مباشرة أو على نحو عشوائي على المتظاهرين، عند اقترابهم من غرغور في أوائل ما بعد الظهيرة.
قال معز، وهو متظاهر كان حاضراً من بداية المظاهرة، لـ هيومن رايتس ووتش إن مليشيات مصراتة بدأت تطلق النار على المتظاهرين من ثلاث فيللات في غرغور عند انعطاف المتظاهرين إلى شارع غرغور. وقال إن المتظاهرين لم يلجأوا إلى العنف ولا هددوا به، لكنهم كانوا يهتفون “طرابلس حرة، الميليشيات تطلع برة” و”ليبيا راهي في ورطة، نبو جيش ونبو شرطة”.
قال معز إن أول ضحيتين كانتا رجلين ـ أصيب أحدهما، وهو مسن يرتدي الزي الليبي التقليدي، بالرصاص فمات، بينما أصيب الآخر في الذراع والساق. وقال إنه رأى سبعة من الجرحى في تلك المرحلة الأولى.
وبعد نحو ساعة من شروع مليشيات مصراتة في إطلاق النار على الحشود، وصل مسلحون وأفراد من مختلف المليشيات المستقرة في طرابلس للدفاع عن المتظاهرين، بحسب معز.
لم يتضح عدد المتظاهرين الذين قتلوا في الجولة الأولى من إطلاق النيران على أيدي مليشيات مصراتة. وقالت الحكومة إن عدد المتوفين خلال اليوم بلغ 43 شخصاً، وأصيب ما لا يقل عن 460. يضم الموتى الـ43، بعض الأشخاص ممن لم يشاركوا على ما يبدو في المظاهرة أو الاشتباكات ـ اثنين على الأقل من أفراد طاقم طبي مناوب، وصحفي وبعض الطلبة ـ علاوة على مقاتلين جاءوا لدعم المتظاهرين. وبحسب وكالة الأنباء الحكومية “لانا”، قتل أيضاً ثلاثة من أفراد مليشيات مصراتة أثناء الاشتباكات.
زارت هيومن رايتس ووتش أقسام الطوارئ والمشارح بمستشفى أبو سليم للحوادث، ومستشفى شارع الزاوية في طرابلس، اللذين استقبلا القتلى والجرحى أثناء ليلة 15 نوفمبر/تشرين الثاني. وفي المستشفيين على السواء، شاهدت هيومن رايتس ووتش مسلحين من مليشيات مختلفة يتحركون بحرية في أرجاء المكان.
في مستشفى شارع الزاوية، أحصى باحثو هيومن رايتس ووتش سبع جثث، بينها جثة سيدة شابة تم نسف وجهها بأسلحة ثقيلة، وهذا بحسب أفراد الطاقم الطبي. كما أحصى أفراد هيومن رايتس ووتش 18 جثة أخرى في مشرحة مستشفى أبو سليم للحوادث، بينها جثة شاب مقطوعة الرأس، وجثة شاب آخر مشطورة لنصفين من الجذع.
بحسب أفراد الطاقم الطبي في المستشفيين، نتجت معظم الإصابات عن أسلحة ثقيلة، تشمل أسلحة مضادة للطائرات، وصواريخ هاون، وقنابل مقذوفة بالصواريخ [آر بي جيه]. كما نتجت بعض الإصابات عن أسلحة أخف، تشمل بنادق الكلاشنكوف الهجومية والبنادق الآلية.
ويبدو أن اثنين من الضحايا كانا من أفراد طاقم طبي يحاول نقل الجرحى. قال أحد الشهود لـ هيومن رايتس ووتش إن طبيباً يُدعى عبد المنعم قد قتل مع ممرض يُدعى محمد الجبالي، حين تم إطلاق النار على عربة إسعاف كانا يستقلانها من بنادق آلية وأسلحة مضادة للطائرات في نحو الثامنة مساءً بشارع غرغور، بالقرب من مكان الاشتباك الرئيسي.
قال أحد أفراد طاقم طبي من شهود الحادث لـ هيومن رايتس ووتش: “كنا قد أجلينا بالفعل جثة ميت كان معنا في عربة الإسعاف، وفجأة بدأ إطلاق النيران. كانوا يطلقون النار علينا من كافة أنواع الأسلحة، بما فيها أسلحة ثقيلة مضادة للطائرات. وأصابوا الطبيب الذي كان معنا بعربة الإسعاف في رقبته”.
قال اثنان آخران من أفراد طاقم طبي، لكنهما لم يشهدا الاعتداء، إن الطبيب والممرض أصيبا بينما كانا في عربة الإسعاف.
بحسب مراسلون بلا حدود، كان صالح عياد حفيانة، المصور الذي كان يغطي الاشتباكات لصالح وكالة أنباء فساطو، ضمن القتلى الـ43. كما أصيب ثلاثة آخرون من المشتغلين بالإعلام أثناء تغطية الأحداث، وتعرضت محطة إخبارية محلية تتخذ من منطقة غرغور مقراً لها، هي “توباكتس”، للهجوم والإحراق على أيدي مسلحين مجهولين، وهذا بحسب مراسلون بلا حدود.
قال تقرير إعلامي واحد إن ثمانية طلبة من جامعة طرابلس كانوا ضمن القتلى الـ43. ويشمل الطلبة 6 رجال هم عبد العاطي زندة، ولؤي الحراثي، ومحمود ودان، وعبد الرحمن قايم، وعبد العزيز بن موسى، وأكرم الشريف، وسيدتين هما عائشة صديق ومروة عامر.
يعد حي غرغور من مناطق طرابلس الراقية، وبه فيللات كانت فيما مضى مساكن لأفراد حكومة القذافي. ومنذ سقوط القذافي في يوليو/تموز 2011، خضعت المنطقة فعلياً لسيطرة العديد من مليشيات مصراتة، التي استولت على أجزاء كبيرة منها كقاعدة لعملياتها في طرابلس. وقد اتجه المتظاهرون إلى حي غرغور في محاولة لإقناع المليشيات بتنحية السلاح ومغادرة طرابلس.
قال اثنان من شهود العيان لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن الحكومية كانت حاضرة أثناء المظاهرة الأولية. وكان منظموها قد أعلنوا عن نية التظاهر بعد أن خلفت اشتباكات في طرابلس يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني بين مليشيات من طرابلس ومصراتة العديد من القتلى والجرحى. وأكد رئيس الوزراء علي زيدان هذا في 16 نوفمبر/تشرين الثاني حين قال إن القوات المسلحة الموجودة أثناء المظاهرة، بما فيها الجيش والشرطة، كانت لديها أوامر بعدم التدخل. وقد شرح أن قوات الأمن لا تستطيع التدخل لأنها أضعف من المليشيات.
قال رئيس الوزراء زيدان أيضاً إن النائب العام سيبدأ تحقيقاً لتحديد المسؤول عن جرائم القتل في المظاهرة. رحبت هيومن رايتس ووتش بهذا الإعلان، لكنها دعت الحكومة للتحرك السريع لنزع سلاح المليشيات، وخاصة تلك المسؤولة عن اعتداءات عنيفة على المواطنين.
هناك شاهد تم الاتصال به هاتفياً، وهو يصف واقعة ذات صلة، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض المسلحين من مصراتة اقتحموا مخيم الفلاح في طرابلس المخصص لإيواء المشردين من تاورغاء في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، وأطلقوا النار عشوائياً على سكانه فخلفوا قتيلاً وثلاثة من المصابين.
عملت تلك المليشيات وسلطات مصراتة المحلية على منع نحو 35 ألف شخص، أو مجموع سكان تاورغاء، من العودة إلى منازلهم في البلدة التي تعرضت لتدمير واسع النطاق على أيدي مليشيات مصراتة على مدار العامين الماضيين. تتهم مليشيات مصراتة سكان تاورغاء بارتكاب جرائم خطيرة بحق أهالي مصراتة أثناء انتفاضة 2011 ضد القذافي.
قالت سارة ليا ويتسن: “ما الذي يلزم لكبح جماح المليشيات العنيفة التي تروع الشعب الليبي؟ لقد طال تذرع الحكومة بخطورة نزع سلاح المليشيات أكثر مما ينبغي ـ ويجب أن يكون واضحا الآن أن الخطورة الحقيقية هي الامتناع عن هذا”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق