انتفاضة ليبية لطرد الميليشيات المسلحة غير الشرعية
- سكان محليون يروون تفاصيل مقتل خمسة وإصابة 30 خلال مظاهرة «إخلاء العاصمة»
ليبيا المستقبل_جريدة الشرق الأوسط - انقلب المشهد السياسي والعسكري في العاصمة الليبية طرابلس رأسا على عقب، بعدما سقط ثلاثة قتلى وأصيب نحو ثلاثين آخرين إثر تعرضهم لإطلاق نار مفاجئ خلال مظاهرة شعبية خرجت بعد صلاة الجمعة أمس، تطالب بإخلاء المدينة من كل المظاهر المسلحة وطرد الميليشيات غير الشرعية تطبيقا لقرار أصدره المؤتمر الوطني العام (البرلمان) أخيرا.
وشهدت شوارع العاصمة طرابلس حربا حقيقية استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، بينما استمر انطلاق الرصاص على فترات متعاقبة وسط غياب حقيقي لقوات الجيش والشرطة التابعة رسميا للدولة الليبية.
وحلقت طائرات عسكرية تابعة للجيش الليبي في سماء المدينة، فيما قال سكان محليون لـ«الشرق الأوسط» إنهم شاهدوا دخانا كثيفا بالتزامن مع سماع دوي انفجارات قوية. وقال هاشم بشر رئيس اللجنة الأمنية العليا بطرابلس، لـ«الشرق الأوسط»، إن عدد القتلى يتراوح ما بين 3 إلى 5 أشخاص وعدد الجرحى ثلاثون شخصا.
وأضاف بشر: «لدينا روايات متضاربة حول حقيقة ما حدث.. ثمة من يقول إن المتظاهرين تعرضوا لإطلاق نار من ميليشيات في حي غرغور، حيث كانت توجد آليات وقوات عسكرية، وثمة من يقول إن الرصاص انطلق أولا من وسط المتظاهرين.. لدينا ضباط بحث جنائي توجهوا إلى عين المكان لتقصي الحقائق وما زلنا في انتظار تقاريرهم». وأوضح أن قوات من التدخل السريع التابعة لوزارة الداخلية توجهت إلى المنطقة أيضا لمنع المزيد من الاشتباكات، مشيرا إلى ضعف قوات الجيش والشرطة الرسميين.
وقالت مصادر طبية بمستشفى الحوادث أبو سليم لـ«الشرق الأوسط» إن ثلاثة أشخاص على الأقل قتلوا بالرصاص لدى توجه المظاهرة من أمام مسجد القدس بمنطقة أبو هريدة باتجاه حي «غرغو» بمنطقة طريق المطار، فيما أصيب عشرات المتظاهرين بجروح متفاوتة. وأوضحت أن المستشفى استقبل ما بين 10 إلى 15 حالة إصابة متفاوتة أدخلت منها حالتان لغرفة العمليات لإجراء عمليات جراحية عاجلة.
وأظهرت لقطات فيديو وصور فوتوغرافية بعض المتظاهرين وهم يرفعون أيديهم بشكل سلمي، فيما كانت بعض العناصر المسلحة التي ترتدي زيا عسكريا لم يتضح لأي جهة تتبع، وهم يطلقون النار على المتظاهرين. وقال شاهد عيان إنه حين اقترب المتظاهرون من مبنى تابع لإحدى الميليشيات في حي غرغور بجنوب العاصمة، حيث مقر عدة ميليشيات من مصراتة، قام عناصر من ميليشيا مصراتة (شرق طرابلس) بإطلاق النار في الهواء أولا في محاولة لتفريقهم، لكن عند إصرار المتظاهرين، أطلق المسلحون النار عليهم ما أدى إلى إصابة العشرات.
وقبل هذا التجمع دعا أئمة المساجد سكان طرابلس إلى التظاهر ضد الميليشيات، استجابة لدعوات مماثلة من المفتي ومن مجلس طرابلس المحلي، علما بأن هذه المظاهرة تعد بمثابة رد على مواجهات مسلحة بين ميليشيات جرت الأسبوع الماضي في قلب طرابلس وأوقعت قتيلين وثلاثين جريحا.
وقال شهود عيان وسكان محليون بطرابلس لـ«الشرق الأوسط» إنهم شاهدوا انضمام عناصر من الشرطة وآخرين بلباس الصاعقة للمظاهرة، لكنهم لفتوا أيضا إلى ظهور مدنيين يرتدون واقي الرصاص.
ودعت وزارة الصحة الليبية سكان طرابلس إلى التبرع بالدم، فيما لم يصدر أي تعليق فوري من المؤتمر الوطني أو الحكومة الانتقالية التي يترأسها علي زيدان، وهما أعلى سلطتين دستورية وتنفيذية في البلاد.
وكان المتظاهرون الذين يقدر عددهم ببضع مئات قد رفعوا في هذه المظاهرة التي جابت شوارع منطقة أبو هريدة أعلام الاستقلال واللافتات والشعارات التي تؤكد على ضرورة إخلاء العاصمة من مظاهر التشكيلات المسلحة التي تعيق بناء الدولة.
كما أكد المتظاهرون على ضرورة إخلاء عقارات تابعة لعناصر النظام السابق والمقار الأمنية والمعسكرات التي تشغلها المجموعات المسلحة غير المنضوية تحت شرعية الدولة وتسليمها إلى أجهزة الدولة الرسمية.
وعبر المتظاهرون عن استيائهم وغضبهم الشديدين لما وصلت إليه العاصمة من انفلات أمني رهيب، مطالبين المؤتمر الوطني والحكومة بالتطبيق الفوري والعاجل للقرار رقم 27 القاضي بإخلاء العاصمة من كل التشكيلات المسلحة، كما طالبوا بضرورة تفعيل الشرطة والجيش الوطني ودعمهم بالإمكانيات والتجهيزات اللازمة لتمكينهم من القيام بدورهم في حفظ الأمن والاستقرار.
ودعا السادات البدري رئيس المجلس المحلي للعاصمة طرابلس إلى عصيان مدني شامل لإجبار الميليشيات على الخروج من المدينة، التي لاحظ قبل خروج المظاهرات أن وضعها كعاصمة يفرض على الليبيين أن يكونوا أكثر حرصا على أمنها واستقرارها لأنها تمثل الرمز ونموذج اللحمة الوطنية وبداية مشوار بناء الدولة ومحط أنظار العالم لنجاح ثورة 17 فبراير (شباط).
ولفت البدري، في بيان تلاه في طرابلس مساء أول من أمس، إلى ما مرت به العاصمة من انتهاكات طالت الأبرياء وما شهدته من تجاوزات وما عاشته من آلام ومعاناة وأوقات عصيبة ليس من أحد غريب، بل من قبل أبناء ليبيا وحدهم.
وقال رغم أن طرابلس هي عاصمة الدولة الليبية ومقر السياسة والحكومة والمؤتمر الوطني العام (البرلمان) والسلك الدبلوماسي، فإنها في الوقت ذاته مدينة كسائر المدن الليبية يعيش فيها سكانها وأهلها وهم أصحاب حق، مثلهم مثل باقي الليبيين في المدن الأخرى، لن يرضوا ولن يسمحوا بأن تنتهك مدينتهم بذرائع الخلاف السياسي أو المصالح النفعية والمالية.
وأكد البدري تصميم أهالي وثوار العاصمة على حماية مدينتهم ودعم أمنها واستقرارها وبناء مجتمع العدالة والقانون، معتبرا أن أمن واستقرار طرابلس هو المحرك الرئيسي لبناء ليبيا باعتبارها تمثل نموذج اللحمة الوطنية بمن فيها من أبناء ليبيا على اختلاف قبائلهم.
وتكافح ليبيا لاحتواء عشرات الميليشيات المتناحرة والمقاتلين السابقين الذين يرفضون إلقاء السلاح ويتحدون الحكومة المركزية بعد عامين من الإطاحة بالعقيد الراحل معمر القذافي في انتفاضة بدعم من حلف شمال الأطلنطي (الناتو).
من جهة أخرى، استمر أمس مسلسل مقتل العسكريين ورجال الأمن في مدينة بنغازي بشرق البلاد، حيث قتل عنصر من القوات الخاصة ببنغازي إثر إصابته برصاص مجهول أثناء عمله، فيما قتل ضابط أمن سابق برصاص مجهولين ترصدوا له بعد خروجه من أحد المساجد.
وكان رئيس الحكومة الانتقالية علي زيدان قد تعهد حين زار المدينة التي يسكنها مليون نسمة يوم الاثنين الماضي بجعل أمنها على قائمة أولوياته. ونشر الجيش وحدات خاصة في أنحاء بنغازي قبل أسبوع بعد تدهور الأمن في الأشهر السابقة. ويتجول مسلحون وإسلاميون في المدينة دون معارضة، فيما يبرز عدم الاستقرار الذي ما زالت ليبيا تعانيه بعد عامين من الإطاحة بنظام حكم القذافي. وأغلقت أغلب الدول قنصلياتها في بنغازي بعد سلسلة من الهجمات، وأوقفت بعض شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى المدينة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق